"اليوتيوبر" البحريني عمر فاروق... الصّفح فقط يوم الصّفح
2019-11-13 - 3:20 ص
مرآة البحرين (خاص): اعتذر "اليوتيوبر" البحريني عمر فاروق عن مجموعة من المخازي التي قام بها في عمر 17 سنة. لكن لماذا اعتذارَه وعمره المراهق غير كافيين لمنحه الصّفح؟ بين المخازي التي قام بها عمر فاروق دعوات إلى الدهس والقتل (وهناك من دُهِس واستُشهد بفعل مثل هذه الدعوات)، وحرمان أبناء طائفة كاملة من البعثات (وهناك من من حُرم فعلاً ويُحرم إلى اليوم)، وطعن أعراضهم بألفاظ غاية في التطرّف العنصري والكراهية الطائفيّة كالقول إنهم "مجوس عيال متعة" وبناتهم "عاهرات" ورجال دينهم "قواويد" (الصور أدناه).
بل ظلّت كل هذه المخازي مدرجة شاهراً ظاهراً في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعيّ إلى أن جاء مؤخراً من ينبش عنها ويعيد نشرها على الملأ. ساعتئذ فقط تطوّع ليخبرنا بنبرة تكاد تنفجر من الحنان "اعتذرت وأعتذر مجددًا". ثم بعيون قويّة بالغة الترفع والعنجهيّة راح يسائل نابشها وناشر عورته حول مسئوليته في تلطيخ سمعته "والتشويه اللي ضريتني فيه عادي؟".
إننا أمام نوع كلبيّ مطلوب من الصّفح لم نره في أيّ مكان في العالم ولا في أيّ يوتوبيا فاضلة. صفح يقوم على الصفح عن الجاني وبقاء الضحايا ضحايا. فقط لاعتذار الجاني "بعد افتضاح أمره" أو لأنّ جناياته مرّت عليها ثمانية أعوام.
لقد أعادت حملة أنا أيضاً أو "Me too" العالمية فتح قضايا التحرّش بما في ذلك ملفّات عتيقة مرّ على بعضها ثلاثة وأربعة عقود. ولم يُقبل اعتذار نجم هوليوود كيفن سبيسي عن قيامه بالتحرش في سن 18 عاماً بمراهق يصغره بأربعة أعوام. وخسر تجديد عقده في مسلسل House of Cards كما رفعت عليه دعاوى في المحاكم تطالبه بتعويض عن أضرار غير محددة ترتبت على سلوك جنسي فاضح.
وأجبر الشعب الكندي رئيس وزرائه جاستن ترودو على الخروج علانية للاعتذار عن صورة التقطت له قبل عشرين سنة أظهرته وقد طلى وجهه ويديه باللون الأسود في إحدى الحفلات المدرسية ما اعتُبر سلوكاً عنصريا. لم يخاطب ترودو شعبه قائلاً "والتشويه اللي ضريتني فيه عادي؟" بل قال "أتحمل مسؤولية ما فعلت. ما كان يجب أن أفعل ما فعلت. كان تصرّفاً عنصرياً وأنا آسف جداً".
وراح يسرد وقائع الحادثة كاملة بالتفاصيل وكيف أنه كان يرتدي قناع علاء الدين في حفلة مدرسية تحاكي أجواء قصة ألف ليلة وليلة. وأنه لم يكن يعتقد آنذاك أن مثل هذا التصرف عنصري ولكنه يعترف به الآن ويعتذر منه ويطلب الصفح.
أما عمر فاروق فهو لا يودّ دفع أيّة ضريبة. اكتفى بعد افتضاحه وشرشحته علانية بضبضبة اعتذاريّة على طريقة "قل كلمتك وامشِ". ثم راح في أشدّ مراحل الاستعلاء التي يمكن أن يصل لها إنسان عنصري تافه يحاسب مشوّهي سمعته على تشويههم سمعته "والتشويه اللي ضريتني فيه عادي؟".
لم يخبرنا "اليوتيوبر" عمر ما أخبرنا به ترودو أو حتّى الممثل سبيسي الذي اعترف بمثليّته الجنسية لأوّل مرة مع افتضاح القضية، كيف لُقّن مثل هذه الأفكار الخطرة بهذا المستوى من التطرّف الاجتثاثي الأقرب إلى النازية في عمرٍ مبكرة. ولا كيف تخلّص منها ومتى وبمن تأثر! كُثْرٌ في مثل عمره انجرفوا وتخندقوا طائفياً في 2011 لكنهم لم يدعوا إلى دهس أحد. ولا وصفوا بنات قرية كاملة بـ"العاهرات". ولا وبّخوا أقرانهم العنصريين مثلهم لأن عنصريتهم فقط أقلّ منه. "جعاوة وعيال متعة وخونة. شفيك خايف تقولها؟".
فلماذا فعلها هو؟ ألا يستحق ضحايا هذه الدعوات العنصريّة أن يسمعوا قصته. رحلة تحوّله من بهيمة أنعام بل أضلّ إلى إنسان!
ألا يستحق الضحايا الذين ما زالوا ضحايا أن يكفّ عن إخراج نفسه أمامهم إنساناً "مودرن" يسدي لهم الوعظ والنصيحة، وخاصة في "حالات العنصرية (...) وعنصرية الوافدين، حديثي الجنسية، الأقليات، القبائل والبلدان" كما انبرى للعظة في إحدى تغريداته. وذلك لأنه ببساطة ليس الشخص الناصع للقيام بذلك ولا هو صاحب الماضي النظيف.
في إحدى حلقاته الأخيرة "أنا ضابط جمارك" التي أنجز منها سلسلة بعقد مدفوع مع وزارة الداخلية ويستهدف تلميع سجلّها وسجونها ومخازيها التي تشبه مخازي ماضيه. في هذه الحلقة كال عمر فاروق على مدى 17 دقيقة مدحيّات لم يقل مثلها مالك في الخمر في حق جهاز الجمارك والمرافق التابعة له. وجال مع مسئوليها من مطار البحرين إلى إدارة التخليص الجمركي إلى جسر الملك فهد إلى منطقة عمليات الـ K9 كما تحدث إلى عناصرها وعاملي وعاملات كل هذه الإدارات "الذين يحموننا من الإرهاب" والذين كانوا بالعشرات.
لم يلاحظ عمر فاروق بأنه لم يكن بين كل هؤلاء مواطن شيعي واحد من الطائفة التي شتمها وشتم نساءها ورجال دينها! لم يشعر لحظة واحدة أو يضايقه مستوى العنصريّة الفاقع الكامن في مرافق هذا المكان وأقسامه وحجم الاستبعاد والتمييز الطائفي! لكنه لاحظ العنصرية ضد المجنسين في تويتر فقط.
هل بعد كل هذا يجرؤ عمر فاروق على محاضرتنا في العنصريّة؟ أليس حريّاً به أن يبلع لهاته ويواصل إنجاز عقوده مع وزارة الداخلية بلا زنّة أو طنطنة لتلميع فسادها وعنف رجالها ووحشية أجهزتها وسجونها بدلاً من إمطارنا بالمثاليّات. هو اليوم ليس سوى صبيّ غُر من صبيتها وقفازاتها القذرة الناعمة! أما الصفح عنه وعن ماضيه فهو لن يكون إلا يوم يُنتصف الضحايا معه وتُعاد كرامتهم.
إنّ المطالبة بالصفح عن عمر فاروق في الوقت الذي يظلّ الضحايا ضحايا وبينما يستمتع هو بجني أرباح العقود مع قاتليهم في وزارة الداخلية ليست سوى دعوى كلبيّة ساذجة مستحقّة السخرية أكثر من الرد. الصفح فقط يوم الصفح.