رسالة من مرآة البحرين إلى جون بيركو رئيس البرلمان البريطاني
2019-10-14 - 8:19 ص
مرآة البحرين (خاص): هذا الخطاب ليس للفت كريم انتباهك إلى قضية البحرين العضال، فنحن على يقين بأن المجتمع الدولي وعلى رأسه لندن وواشنطن قد تخلى عنها تماما، مُسلّما البحرينيين للسحق والاضطهاد اللا نهائي. هذا الخطاب مُجرّد أفكار تملكتنا ونحن نتابع ما يحدث في ديمقراطية ويستمنستر، التي طالما ضرب بها زعيم المعارضة البحرينية المثال الأعلى على النموذج الديمقراطي الذي يجب أن تكون عليه الملكية الدستورية في بلادنا.
في خضم الصراع الساخن في بلادكم على قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، برز اسمك بشكل فاقع، حتى قبل مدة طويلة من مؤتمرك الصحافي الذي عقدته بعد قرار المحكمة العليا في بريطانيا إبطال قرار رئيس الوزراء بوريس جونسون بتعليق عمل البرلمان، بوصفه غير قانوني.
كيف كان لك أن تتعامل بكل هذا الاتّزان مع صراع السلطات الثلاث، من موضعك الذي يجب أن يكون محايدا تماما، رغم أنك ترأس إحداها؟ كان ذلك مثيرا جدا.
يسمح نموذجك في امتحان حياد السياسة، حين تتطلّب "إدارتها" لضمان استمرار أعمالها، مثل هذا الحياد، مع أنّك في الأصل نائب عن حزب المحافظين الحاكم. هذا الحياد الذي يتطلّب رجلا صالحا بحكمتك، لا بشهرتك، هو ما ضمن للبرلمان البريطاني أن يستمر في مباشرة أعماله وبسط سلطته، رغم كل هذا الانقسام التاريخي الخطير في الأمة.
هذا الحياد، الذي يتطلّبه منصبك قانونيا، هو ما أكد أن السياسة لا تدار فقط بالانتماءات الحزبية والتنظيمية، مهما كانت نتيجة الانتخابات، وهو ما أكّد أن العملية السياسية لا تختزل بالحزب الحاكم، ولا بالحزب المعارض، إذا وصل الأمر إلى تهديد وجودها من الأساس.
شعبيتك الكبيرة كان سببها قدرتك الفريدة على إدارة محفل هو أعظم المحافل قدرة على جمع المتعارضين والمتناقضين في غرفة واحدة، لرسم سياسات الدولة ومراقبة حكمها، باسم الشعب. أكثر من 650 نائبا ممثلا للناس، يجتمعون تحت قُبة البرلمان، في ما يشبه الشجار اليومي، الذي تتولّى أنت تهذيبه وإدارته وعملية إنتاج القوانين من فوضاه.
استطاع هذا البرلمان أن يصمد دون دستور مكتوب، واستطاع أن يصمد دون رئيس يتدخّل في توجيه أجندة أعماله، أو قوانينه. إنّه رئيس برلمان لا يمتلك حق التصويت، لأنّه ببساطة يجب أن يكون محايدا، لكي يستطيع أن يدير المختلفين!.
البرلمان الذي تتشكل من تحت قُبته الحكومة، ويتم مراقبة عملها، والضغط عليها، وحتى إقالتها، لا يمكن وسط كل هذه المواجهات المُحتَّمة، إلا أن يُدار بالنظام (Order). "أوردر"، هي كلمة السر، التي كنت تدير بها كل هذا الاختلاف على مدى 10 سنوات، حين يضطر 650 نائبا أن يذعنوا لها صامتين. لكي يستمر العمل، يحتاج الجميع إلى النظام، الذي كنت أنت من يفرضه، برضا الجميع.
بكل كاريزما سلطة الرئيس، التي أتقنتها أنت، ماذا لو مارس ملك بلادنا سلطة مثل سلطتك الرمزية الخطيرة، واكتفى بها؟ لماذا لا يكون الملك رمزا موُحّدا لكل الوطن، ومرجعية نظامه، لإدارة أي انقسام أو خلاف أو صراع بين السلطات التي تحكم هذا الوطن؟ أو بين فئات شعبه؟
لا عليك سيادة الرئيس... فقد كانت تلك مقارنة تافهة وغير جادة أبدا. لا يريد الملك في بلادنا أن يكون محايدا. هو لا يعترف أصلا بالنظام ولا بمن تحت النظام. ولا يستطيع أي نظام أن يتحدّى هذا التعريف في عالمنا نحن. الملك هو النظام، وهو الدولة، وهو كل ما يهم.
كانت استقالتك من رئاسة البرلمان، طواعية، بناء على وعد قطعته لعائلتك الكريمة، أمرا محزنا جدا. وسط هذا الموج السياسي المتلاطم بين الحكومة والمعارضة في بلادك، ستترك أنت إدارة الشجار البرلماني لشخص آخر، في ذات التاريخ الذي تنتهي فيه مهلة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
حتى لو لم يكن السبب وراء استقالتك المفاجئة أنك لن تستطيع إدارة هذا الصراع التاريخي الخطير في بلادك أكثر من ذلك، بعد أن وصل إلى مفترق طرق، فإن هذه الاستقالة تثير في نفوس البحرينيين الكثير من الشجون، فيا ترى من أجدر بالاستقالة، أنت، أم الملك حمد؟.