ماذا بين باكستان والبحرين؟
2019-08-22 - 12:34 م
مرآة البحرين (خاص): «جزاء سنمار» هو مثل شهير، تعود حكايته إلى سنمار وهو مهندس بيزنطي، يُنسب له بناء قصر الخورنق الشهير.
عند انتهائه من بناء القصر قال سنمار لصاحب القصر الذي هو الملك النعمان، إنّ هناك آجرة لو زالت لسقط القصر كله، وأنه لا يعلم مكانها غيره، فما كان من النعمان إلا أن ألقاه من أعلى القصر، كي لا يخبر أحدا عن تلك الآجرة، ويُعتقد أن هذا هو السبب في ضرب المثل.
يمكن القول إن من أهم مداميك القوى الأمنية في البحرين، هم الجنود الباكستانيون الذين تم استخدامهم لسنين طويلة لقمع أي حراك شعبي.
يشكّل هؤلاء الجنود أغلبية في قوات حفظ النظام (مكافحة الشغب) وهي قوى تستخدم لقمع التظاهرات ومواجهتها بالقسوة المتناهية التي وصلت مراراً لحد قتل متظاهرين، كما يشكل الباكستانيون العمود الفقري لقوات الحرس الوطني التي يديرها محمد بن عيسى آل خليفة شقيق الملك، ولهم حضور واسع في الجيش، وفي جهاز الأمن الوطني، وفي كل غرف وزارة الداخلية تقريباً، وصولاً إلى مستشفى قوة دفاع البحرين كأطباء وممرضين.
لطالما تمتّعت الجالية الباكستانية بامتيازات هائلة في البحرين، وكان أفرادها من أهم قواعد عملية تغيير ديموغرافي تقوم به السلطات (التجنيس).
البحرين كانت تراعي حساسيات الباكستانيين سابقًا، وتصدر دعماً دوريًا لموقفهم إزاء قضية كشمير التي تعتبر القضية الأولى لديهم. الأحوال تبدلّت الآن، وباتت الهند الغنيّة التي اتخذت إسرائيل حليفاً، أقرب لقلوب وجيوب حكّام الخليج، من باكستان الفقيرة المرهقة بالديون.
بعد قرار الهند ضم الإقليم المتنازع عليه إلى أراضيها، وفي عزّ الحصار الذي يعيشه المسلمون في كشمير، تخلّت البحرين عن دعم الموقف الباكستاني، وسارعت لاتخاذ نفس الموقف الذي اتخذته الإمارات حيال القضية التي تكاد أن تفجر حربا نووية.
لم تصدر السلطات البحرينية أي بيان بشأن المستجدات الخطيرة، وربما تكون حكومة المنامة قد تورطت بموقف حليفيها الإماراتي «المتفهم للإجراءات الهندية»، والسعودي الذي اكتفى بـ «متابعة الوضع»، و«الدعوة لتسوية سلمية».
في ظل تلك الأجواء، ذكرت وكالات أنباء أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان تلقى، في اتصال هاتفي، ردًا باردًا من ملك البحرين. أخبر الملك حمد، خان أن البحرين تقوم بـ «تحليل الوضع في كشمير عن كثب وأنه يجب حل جميع القضايا من خلال المفاوضات».
بعد ذلك، اتخذت الحكومة البحرينية إجراءات ضد احتجاج قام به باكستانيون وبعض البنغلاديشيين بعد صلاة عيد الأضحى في مسجد الفاتح شرق المنامة. وقد قامت الداخلية البحرينية باعتقال عدد من المشاركين في هذه التظاهرة.
لم يكد الباكستانيون يستوعبون موقف حلفائهم، حتى تم نشر خبر زيارة سيقوم بها رئيس الوزراء الهندي لكل من الإمارات، وبعدها البحرين يومي 24 و 25 أغسطس الجاري.
ودبجّت وكالة الأنباء الرسمية (بنا) تقريراً عن العلاقات البحرينية الهندية، انتهت فيه إلى أنّ الهنود «أصبحوا ضمن النسيج الوطني للبلاد». هكذا بالحرف كما ورد في التقرير.
وذكرت الوكالة أنّ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين (عام 2018) بلغ 1.1 مليار دولار، وأن الهند هي سابع شريك تجاري للبحرين. وأنّ الجالية الهندية أكبر جالية وافدة «يفوق تعدادها 300 ألف» بحسب الوكالة.
حسابات باكستانية على منصّة تويتر نشطت انتقادا لموقف البحرين غير المساند للموقف الباكستاني، شعور بالمرارة والغدر يمكن ملاحظته.
كان واضحاً تحرّك السفير الباكستاني في البحرين أفضل محمود الذي التقى وزير الخارجية البحريني أمس الأربعاء ربما يتعلق الأمر باعتقال بعض الباكستانيين.
فيما كان لافتاً أن السفير البحريني لدى باكستان محمد ابراهيم محمد كان في المنامة أيضاً، وقد نشرت وكالة (بنا) خبر لقائه مع رئيس الحرس الوطني محمد بن عيسى آل خليفة.
الخارجية الهندية صرحت قبل أيّام، إن الإمارات ستقلد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وسام زايد وهو أرفع وسام إماراتي، فهل سيتفاجأ الباكستانيون لو منح ملك البحرين رئيس الوزراء الهندي أرفع وسام بحريني وهو وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الممتازة؟
حفصة كانجوال، أستاذة أمريكية، متخصصة في شؤون كشمير، قالت لوكالة أسوشيتد برس قبل أيام إن «دول الخليج ربما تكون أكثر حذراً من دعم قضية إقليم كشمير. لارتباطه بحق الأهالي في تقرير مصيرهم، وأنّ ارتباط كشمير بحركات تنادي بالديمقراطية، وحقوق الناس، هو أمر تخشاه دول الخليج وتتخوف منه إلى جانب إسرائيل بشدة».
في هذه اللحظة على حكّام الخليج والبحرين أن يختاروا بين الهند التي تطمح لأن تكون اقتصاداً قيمته خمسة تريليونات، وبين باكستان التي وظّفت خبراتها و جنودها لحماية الأنظمة في الخليج خصوصاً البحرين، وفي حالات قليلة عاد بعضهم كجثث هامدة إلى بلادهم.
بات الموقف سنمارياً بامتياز، هل سيرمي ملك البحرين وملوك الخليج بالمهندس الأمني «باكستان» من فوق القصر، أم أنّ توتر العلاقات السياسية والأمنية قد يدفع سنمار هذه المرّة لسحب الآجرة التي تطيح بالقصر كلّه.