صالح شهاب: هل كان إعدام الملالي والعرب رد آل خليفة على "العدو القطري"؟
صالح شهاب - 2019-07-27 - 11:56 م
لعبة "الأقوياء" التي طالما خشيها آل خليفة، وتوارثوا خشيتها، منذ ارحمه الجلاهمة (1826)، هي ولا شك النار التي قتلت الشهيدين أحمد الملالي، وعلي العرب.
بعد أكثر من عامين ونصف من تطبيق أول أحكام الإعدام السياسية، ورغم صدور أكثر من 30 حكما آخر، كان تنفيذ أي إعدام اليوم يبدو مستبعدا تماما، سواء على صعيد المؤشرات، أو بحساب الدواعي. انتهت المواجهات الأمنية داخل البلاد، وتلاشت أي مظاهر للاحتجاج، حتى في منصات الإنترنت، وتحوّل الناس إلى انشغالات مختلفة تماما، أغلبها معيشية، فاُجّلت الإعدامات.
لماذا استثارة الشارع الآن؟ وما الداعي إذن؟
بمراجعة الأحداث في الأسابيع الأخيرة، سنجد أن كل ما كان يسيطر على الساحة السياسية ليس سوى "هدير" البوارج الأمريكية والإيرانية في الخليج. ليس للنظام في البحرين ناقة ولا "بارجة" في هذا الصراع المخيف على سواحلها. لم يكن يكترث لصافرات الإنذار وهو يسمعها ترن أسبوعيا في القاعدة الأمريكية بالجفير، فطبول و"صافرات" هذه الحرب، لا تقض مضجعه، بقدر قناة الجزيرة "القطرية".
الصوت القادم من قطر، لا صوت الحرب مع إيران، ولا الصوت المخنوق للمعارضة الشيعية، هو ما يرن في آذان العائلة الحاكمة في البحرين. إنّه صدى التاريخ، تاريخ الصراع والحقد الذي يجري في عروق الطرفين، ويكاد ينتقل في جينات أجيالهم. لقد حاولوا كثيرا جدا أن يحتووه، وفشلوا!
لا يمكن أن يتحمّل آل خليفة ظهور ضابط بحريني منشق من قبيلة الجلاهمة (قطرية الأصل) على قناة الجزيرة ليتحدث ضدّهم، ويكشف أكاذيب التاريخ التي أرادوا أن تنطلي على العالم منذ 8 سنوات، خصوصا وأنّه كان قائد عملية الهجوم على دوار اللؤلؤة! لا شك أن ذلك كان أكثر من كاف لإثارة كل ضغينة وتهييج كل أعصاب الملك نفسه.
ماذا لو كانا ضابطين إذن وليس واحد. محمد البوفلاسة، صاحب الصورة الأشهر في دوار اللؤلؤة، والتي ظلت معلّقة عليه طوال شهر، بعد اعتقاله إثر إلقائه كلمة على الدوار في 15 فبراير/شباط 2011، ظهر هو الآخر على برنامج الجزيرة الأخير، معمّقا الألم والجراح.
"ما خفي أعظم" لم يكن تحقيقا استقصائيا، ولا حتى برنامجا أضيفت عليه قيمة صحافية. لقد كان مجرد فرصة ذهبية استغلتها الدوحة لتضرب كعب أخيل. كل ما في السّبق تسجيلات اثنين من البحرينيين المنتمين إلى تنظيم القاعدة، عن محاولات النظام الفاشلة لتجنيد أحدهم لاغتيال رموز المعارضة، وآخر للتجسس على إيران. كل ما ورد في البرنامج خلاف ذلك، لا علاقة مباشرة له بمحتوى التسجيلات، التي لم يكن موضوعها واحدا أصلا. لم تقم القناة بأي تحقيق ولا استقصاء صحافي حول هؤلاء، لم نفهم المزيد من قصتهم ولا كيف انتهت، لم يربط أحد نقاطها، ولا حتى كشف باقي هذه النقاط، لم نعرف أيّ شي عنها بتاتا غير ما ورد في التسجيلات المُسرّبة. كل ما فعلته القناة أنّها أدخلت ضابطين بحرينيين من أصول قطرية في البرنامج نفسه لتنفيذ أكبر قدر ممكن من أجندته السياسية.
ضابطان منشقّان... في مقابل شابّين متّهمين بقتل ضابط مخلص وموال حتى النفس الأخير... رّبّما هذه هي المعادلة، التي أراد النظام البحريني أن تعيد الثقة لروايته وتعالج كبرياءه الجريحة!
لو ظهر هذان الضابطان على أي قناة أخرى غير الجزيرة القطرية، لرُبّما كتب الله في عمر الشهيدين أحمد الملالي وعلي العرب، أجلا أطول. لكن قراصنة الخليج، أحيوا التاريخ، وأماتوا من قلوبهم الرحمة. وحدهم الأبرياء هم الضحية.
يخاف العاقل من استفزاز الأحمق والمجنون فيتّقيه، لأنّه لا يمكن أن يتنبّأ برده وربما يقف عاجزا عن مواجهته. ولكن مم سيخاف آل ثاني أو الضباط المنشقون والعوائل القطرية الأخرى أكثر من منعهم دخول البحرين؟ لن يكون هناك ما يشفي غليل آل خليفة من قطر، سوى المزيد من القتل في "البحارنة"... حلقة الانتقام التاريخية دوما في كل صراع، سواء كان مع البريطانيين، السعوديين، العمانيين، أو ... القطريين طبعا.
"اللاعبون بالنار" أطلقوا نيرانهم، ولأن البحرين عاجزة عن رد يتناسب ومستوى الهجوم، ذهبت إلى رد أنكى بكثير: تبا للقطريين... اقتلوا واحدا ... أو اثنين من المعارضة الشيعية!
ما العلاقة؟ اسألوا حمد بن عيسى!.