استضافة العرب لمؤتمر ترامب للسلام خيانة كبيرة لفلسطين

 تظاهرة وسط مدينة رام الله  رفضًا لـصفقة القرن الأميركية (أرشيف)
تظاهرة وسط مدينة رام الله رفضًا لـصفقة القرن الأميركية (أرشيف)

محمد شحادة - موقع العربي الجديد - 2019-05-27 - 11:10 م

ترجمة مرآة البحرين

تظهر "قمة السلام" المقبلة، التي توسطت فيها الولايات المتحدة في البحرين، بوضوح أنّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تنغمسان في خطة ترامب-كوشنر، لا لإظهار التضامن مع الفلسطينيين، ولكن لتعزيز علاقاتهما مع إسرائيل. بالنسبة إليهما، يُعَد الحدث مبررًا مناسبًا لمثل هذا التخلي الكبير عن تضامنهم مع فلسطين.

يوم الأحد الماضي، أعلن البيت الأبيض أنه سيبدأ المرحلة الأولى من مخططه المرتقب من أجل السلام في الشرق الأوسط الشهر المقبل في ورشة عمل اقتصادية بعنوان "السلام من أجل الازدهار"، في المنامة، عاصمة البحرين.

وفقًا لمسؤول كبير في البيت الأبيض، ستُرَكز ورشة العمل -التي يحضرها رجال أعمال أميركيون وإسرائيليون ومن المنطقة، بدلًا من وزراء الخارجية- على أربعة مكونات رئيسة، هي البنية التحتية والصناعة و "تمكين الناس والاستثمار في الموارد البشرية" وإصلاحات الحكم. لكنّه سيتجنب بشكل جدي عددًا من القضايا السياسية التي سيتم تأجيلها حتى إشعار آخر.

بمجرد الإعلان عن القمة، رفضت الفصائل السياسية الفلسطينية والزعماء الدينيون وكبار رجال الأعمال بالإجماع والحق قمة "صفقة القرن" الأمريكية-البحرينية.

ينبع الرفض الفلسطيني المستمر من عاملين أساسيين. أولًا، لدى الفلسطينيين مخاوف راسخة وعميقة من أن ورشة العمل -"صفقة" االسلام التي تمهد لها- ستُضر بالضرورة بالمطالب السياسية والقانونية الفلسطينية الأساسية بدولة وسيادة. وتحت ستار إيجاد حل اقتصادي للصراع، تصرِفُ القمة انتباه العالم عن القضية الأساسية للاحتلال الإسرائيلي، التي  يكاد يتم إضفاء الشّرعية عليها كضرورة أمنية.

ثانيًا، الوعود الاقتصادية ذاتها للقمة غير قابلة للتحقيق في ظل الاحتلال، حيث لا يمكن لأي اقتصاد أن يزدهر أو يصبح مستقلاً في حين يظل خاضعًا لقبضة الجيش الإسرائيلي ومحبوسًا في  تدابير أمنية.

في الواقع، يتفق الخبراء الإسرائيليون على أنه حتى لو تم إغراق الفلسطينيين بالمليارات من المساعدات، فإن إسرائيل لن تسمح لهم بتحقيق اقتصاد مستدام أو سيادي أو مستقل يعرض ميزتها التنافسية في القطاعات الصناعية للخطر.

ونتيجة لذلك، ستكون النتيجة الوحيدة المحتملة لقمة البحرين الصور الاستفزازية لممثلي العرب، جنبًا إلى جنب، مع نظرائهم الإسرائيليين، وبمودة، في ظل فرضية خاطئة تتمثل في الطرق المتداولة لتحسين الرفاهية الفلسطينية.

لذلك دعا الفلسطينيون البحرين إلى رفض استضافة القمة، وتأييد الإجماع العربي التقليدي على  وجوب أن يكون التطبيع مع إسرائيل نتيجة للسلام الإسرائيلي الفلسطيني، وليس العكس.

لكن بعض الدول العربية تتجاهل عن عمد المخاوف الفلسطينية من "اقتراح السلام" الذي قدمه ترامب، وتتم تعبئتها في الخطة باعتبارها سعيًا لإيثار مصالح الفلسطينيين.

أصدر وزير خارجية البحرين بيانًا  تناقضيًا حول استضافة ورشة العمل؛ حيث دافع من جهة عن الحقوق الفلسطينية وأبدى احترامه لقرار السلطة الفلسطينية بمقاطعة القمة، وأكّد من ناحية أخرى التزام البحرين باستضافة ما يمثل مزادًا على الحقوق الفلسطينية.

أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانًا مماثلًا رحّبت فيه بقمة البحرين وأعلنت عن رغبتها في "تحسين الظروف المعيشية القاسية ... للشعب الفلسطيني".

موقفهم يتجاهل بشكل أساسي حقيقة أن الفقر والحرمان نتيجة لذات الاحتلال الذي تهدف القمة إلى تجميل صورته، وليسا سمة متأصلة أو انعدامًا للحظ في الوجود الفلسطيني.

تباهت المملكة العربية السعودية أيضًا بمشاركتها في القمة المقبلة، وبرّرت قرارها  بالدّفاع عن القضية، بحجة أن هذه المشاركة تنبع من الدعم والسّعي الحقيقيين لتوفير الاستقرار والرّفاهية للفلسطينيين.

من الواضح أن قمة البحرين  غطاء مناسب لهذه الأنظمة للتقدم في مشروع التطبيع مع إسرائيل، بذريعة أنه من أجل مساعدة الفلسطينيين على أفضل وجه، نحتاج إلى تنسيق جهودنا عن كثب مع الحكومة الإسرائيلية، والتي سيُرَحب بها بحرارة في البحرين في  يونيو / حزيران المقبل.

ليست قمة البحرين إلا البداية في محاولات هذه الأنظمة للدخول إلى إسرائيل، في حين أن محنة الفلسطينيين ما تزال دون حل، بدلًا من أن تكون المرحلة الأخيرة في مثل هذا المسعى الطويل.

تكرر الأداء المسرحي نفسه مرارًا وتكرارًا، مع قيام الأنظمة بالتّشدق بالدفاع عن القضية الفلسطينية، ثم استخدامها كذريعة لتعزيز التطبيع مع إسرائيل، مبررًا بذريعة أن تطوير علاقات مفتوحة مع إسرائيل هو السبيل الوحيد لمساعدة الفلسطينيين .

يوضح هذا الميل إلى إيلاء القليل من الاهتمام أو عدم الاهتمام مطلقًا بالسبب الكامن وراء معاناة الفلسطينيين، مع محاولة بناء منصة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، الكيفية التي تتطلع  بها هذه الأنظمة إلى إدامة دكتاتورياتها واستغلالها للشرق الأوسط بأكمله، بمساعدة إسرائيل.

حتى يومنا هذا، كانت المكاسب الرئيسية من التطبيع الإسرائيلي العربي غير العادي تتمثل في تبادل المعلومات الاستخبارية بين إسرائيل والأنظمة القمعية، التي تُستَخدَم في الغالب في قمع النّقد والمعارضة. على سبيل المثال، تبيع إسرائيل برامج التجسس للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لتعقب المعارضين السياسيين المحليين والأجانب، واختراق عمل مجموعات حقوق الإنسان.

على الرغم من كل الجهود المبذولة للضغط على الفلسطينيين ليصبحوا كبش فداء للتطبيع بين العرب وإسرائيل، فمن المؤكد أن اتفاق ترامب للسلام سوف يكون فاشلًا قبل الوصول إليه.

لن يقبل أي زعيم فلسطيني تحت أي ظرف من الظروف التنازل عن عقود من الاستشهاد والنضال من أجل الحرية والكرامة، في مقابل ظروف معيشية مُحَسّنة بشكل هامشي، في السجن تحت الاحتلال.

إن أيّ أفراد أو ممثلين للدّولة ينغمسون في عملية بيع [فلسطين] في البحرين لن يخونوا الفلسطينيين وقضيتهم العادلة فحسب، بل سُيمهدون عن قصد الطريق نحو شرق أوسط مظلم، [تسيطر عليه] الأنظمة الاستبدادية المدعومة، بمساعدة إسرائيل.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus