نجاح يوسف: كل لحظة أمضيها في السّجن تُلَطّخ سمعة الفورمولا 1

انطلاق سباق الجائزة الكبرى في حلبة الصخير عام 2017 (أرشيف)
انطلاق سباق الجائزة الكبرى في حلبة الصخير عام 2017 (أرشيف)

نجاح يوسف - صحيفة الغارديان البريطانية - 2019-03-27 - 10:15 م

ترجمة مرآة البحرين

أنا موظفة مدنية من البحرين. أكتب [رسالتي هذه] من سجن مدينة عيسى للنّساء، على بعد 22 كم من الحلبة الدّولية في البحرين، التي تستضيف سباق الجائزة الكبرى السنوي للفورمولا 1.

هذا الأسبوع، سيتدفّق مُشَجعو الفورمولا 1 إلى البحرين، مفعمين بالحماس من أجل سباق هذا العام. سباق الجائزة الكبرى مشهد رياضي عالمي، رمز للثّروة والسّحر، خاصة بالنّسبة للعائلة الحاكمة في البحرين.

مع ذلك، بالنّسبة لي وللمواطنين البحرينيين، ليس إلا تذكيرًا سنويًا بمعاناتنا في معركتنا ضد الاستبداد والقمع.

فقط على بعد 4 كم من المطار، حيث سيصل عدد من المشجعين المتحمسين، يوجد مركز شرطة المحرق، مقر جهاز الأمن الوطني السّيء السّمعة في البحرين. في أبريل / نيسان 2017، بعد أسبوع من صعود سيباستيان فيتيل إلى المنصة للاحتفال بفوزه في سباق الجائزة الكبرى في البحرين، بدأت أكبر تجربة مروعة في حياتي.

على مدى أربعة أيام، تم التّحقيق معي بلا هوادة بسبب منشورات على الفايسبوك، بما في ذلك تلك التي دعوت فيها إلى إلغاء السّباق والإفراج عن السّجناء الآخرين، [الذين اعتُقِلوا] لانتقادهم الفورمولا 1. تم اصطحابي إلى مركز المحرق، بحجة التّوقيع على بيان نيابة عن ابني.

حين وصلت، بدأت الأسئلة. انتزعوا مني هاتفي بالقوة، وهدّدوني بقتل ابني حين رفضت فتحه [الهاتف]. سألوني عن علاقاتي بعدد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وجماعات المعارضة.

هدّدوني بقتلي، حاولوا ابتزازي، ضربوني. لكن أسوأ ما في الأمر، أنّ العناصر نزعوا حجابي وحاولوا تجريدي من ملابسي، قبل أن أتعرض للاعتداء الجنسي على يد أحدهم أثناء الاحتجاز. ألم وإذلال ذلك الأسبوع سوف يطارداني بقية حياتي. كل هذا لأني وقفت بوجه قمع الدولة وسباق الجائزة الكبرى.

في اليوم الخامس، لم أستطع تحمل المزيد. كنت منهكة على المستوى الجسدي والعقلي والنّفسي. أردت أن ينتهي الأمر. قدّم لي العناصر اعترافًا جاهزًا للتّوقيع. أثناء قراءتي له، ضربني العناصر مجددًا وهدّدوني باغتصابي. لذلك، وقّعت عليه.

في هذا الظرف المؤلم نفسيًا، وجدت نفسي أمام المدعي العام، لم يُبدِ أي اهتمام بقضيتي. ومن دون حضور محام، وقّعت مجددًا على الاعتراف الجاهز الذي قُدِّم إليّ.

بعد مرور عام على ذلك، تمّت إدانتي وحُكِم عليّ بثلاثة أعوام في السّجن. وينص الحكم الصّادر ضدّي على أنّي مُذنبة بتهمة التّشهير بالدولة، والإضرار بمصالحها وتشويه صورة المملكة في الخارج. وكدليل على جرائمي المُفتَرَضة، استشهد القاضي بمنشور [لي] على الفايسبوك أنتقد فيه الفورمولا 1. في البحرين، هذا يُعتَبَر تهديدًا للأمن القومي.

أكثر ما آذاني عند صدور الحكم لم يكن الشعور بالظّلم فحسب، بل  قبول القاضي لشهادة ضابط الأمن الوطني الذي شهد الانتهاكات خلال التّحقيق معي. في هذه المرحلة، أصبح واضحًا أن نظام القضاء البحريني ليس فاسدًا فحسب، بل يسمح لضباطه بتعذيب المواطنين وممارسة الانتهاكات ضدهم من دون أي عقاب.

منذ وصولي إلى سجن مدينة عيسى للنّساء، استمرت معاناتي فقط. تمارس سلطات السّجن التّمييز ضدّي بانتظام بسبب وضعي كسجينة سياسية. في سبتمبر / أيلول الماضي، تمّ نقل السّجينة السّياسية، وزميلتي في الزّنزانة، هاجر منصور، إلى المستشفى في أعقاب الاعتداء عليها من قبل حرّاس السّجن. وأشار قرار في البرلمان البريطاني إلى أن الملازم مريم البردولي، مديرة سجن عيسى للنساء، هي التي قادته. حصل ذلك بعد أن أعلم صهر هاجر، سيد أحمد الوداعي، النّواب البريطانيين عن قضايانا. وقد ذكرنا بعد ذلك نائب في البرلمان البريطاني، وكذلك تحدث عن زميلتنا في الزّنزانة مدينة علي.

منذ ذلك الحين، عوقب السّجناء كلّهم بشكل جماعي لأني تجرأت على الانتقاد، تم فرض قيود على الزيارات العائلية، الاتصالات الهاتفية وكذلك الوقت الذي نمضيه خارج الزّنزانة.

تريد سلطات السّجن إسكاتنا، لكننّا لن نوقف الاحتجاج على الظروف السيئة في سجن مدينة عيسى، والتي أُدينت مؤخرًا من قبل المتحدة.

أنا أم  لأربعة أطفال، لكنّي لم أرَ أطفالي خلال الأشهر السّتة الماضية. تمّ فرض العقاب ذاته على زميلتيّ في الزّنزانة، هاجر ومدينة. هذا الوضع يفطر قلبي، لكني أعتبر نفسي محظوظة مقارنة بالآخرين.

لن يرى الأطفال الخمسة للنّاشط صلاح عباس والدهم أبدًا مجددًا، إذ إنّه قُتِل خلال الاحتجاجات عشية سباق الجائزة الكبرى في العام 2012. في العام ذاته، قُتِل أيضًا الصحافي المُصور أحمد إسماعيل حسن، الذي كان يغطي الاحتجاجات على السّباق. وسحقت الشّرطة بانتظام الاحتجاجات السّلمية بعنف على مدى الأعوام.

على الرّغم من أنّي ما زلت أدفع ثمن القرار الذي اتخذته بالوقوف ضد سباق الجائزة الكبرى، لم يتغير موقفي. لأعوام طويلة، استخدمت العائلة الحاكمة السباق لتنظيف سمعتها الدولية وتبييض تجاهلها لحقوق الإنسان. وخلال هذه الفترة، تجاهلت الفورمولا 1 باستمرار الانتهاكات التي تحصل.

في العام 2017، دعمتُ الدّعوات إلى "حرية معتقلي الفورمولا". لم يخطر ببالي أبدًا أني سأصبح واحدة منهم. كل لحظة أمضيها في السّجن تُلَطخ سمعة الفورمولا 1، التي تخلت عن التزامها بحرية التعبير وسمحت بارتكاب الظّلم باسمها.

على الرّغم من الحماس والإثارة، أدعو جميع عشاق الفورمولا 1 لأن يتذكروا قصتي ومعاناة آلاف المواطنين البحرينيين.

لا تسمحوا بتلطيخ السّباق بانتهاكات البحرين لحقوق الإنسان.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus