خطاب المقيم السياسي البريطاني في 1923: يا سادة آل خليفة... من لا يعمل لا يأكل!
2019-03-01 - 7:42 ص
مرآة البحرين (خاص): في العام 1923 أنهى البريطانيون حكم عيسى بن علي آل خليفة القاسي معزولا بخطاب تاريخي، وذلك بعد أن تربّع على العرش 54 عاما عاث فيها هو وعائلته الحاكمة فسادا في العباد والبلاد.
انعقد مجلس العزل في 26 مايو/أيار 1923، وشمل كلًّا من القبائل، والشيعة البحارنة، وآل خليفة، وظلت السفن الحربية البريطانية ترابضُ على سواحل البحرين، استعدادا لأي تدخّل مطلوب.
ألقى هذا الخطاب المقيم السياسي البريطاني بالوكالة ستوارت جورج نوكس، وجاء أغلب خطابه باللغة الإنجليزية، فيما عدا جزء منه جاء بالعربية.
خلال الخطاب قال نوكس "إنّ الأحداث الأخيرة، التي لا أرغب في الحديث عنها حاليًّا، تؤكّد وتشدّد على الدعوة الملحّة إلى الإصلاح الإداري على نحوٍ حديث، وبالتالي، لا شيء مفاجئ في حقيقة أنّ الرجل الذي بلغ الخامسة والسبعين من عمره ليس قادرًا على التجاوب مع هذا المطلب. وعلى مدى بضع سنين، أدّى الحُكم المتساهل والمتسامح للشيخ عيسى -قد يسمّيه البعض سوء الحُكم وأنا شخصيًّا أفضّل تسميته بـ"اللّاحُكم"- إلى تزايد حالات الاستبداد والاستقلالية التي كانت تتجلّى سريعًا بالمصالح المكتسبة والإضعاف الخطير للإدارة".
في كتابه «من هو البحريني؟» يضع الناقد البحريني الدكتور علي الديري الخطاب في سياقه السوسيولوجي «تكمن قوة هذا الخطاب في قدرته على عزل ليس الحاكم فقط، بل نظام الحكم الذي مثّله عيسى بن علي، بكل ما يعنيه من شكل الدولة القبلية، الذي سمّاه صاحب الخطاب المقدّم ستوارت جورج نوكس بشكل (اللاحكم)».
يضيف شارحا الخطاب «بحضوره وحضور القبائل، قال نوكس لعيسى بن علي صراحة إن حكمك كان "لا حكم"، أي إنّك لم تكن تحكم هذه البلاد، وإنها كانت من غير نظام، من غير عقل رشيد لذا وجب التغيير، هذه أسباب تغييرنا إياك».
في ذات المجلس، يعرّج المقيم السياسي على آل خليفة بشكل مباشر، ويخاطبهم بكل صراحة "يا سادة آل خليفة، عند الرجوع إلى الماضي، أخشى أنّه من واجبي تحذيركم أنّ مجرّد وجودكم في الحياة، لا يعني أنه من حقكم العيش على حساب المجتمع، سواءٌ أكان ذلك عبر مخصصات تقتطع من عائدات هذه الجُزُر أو عبر استغلال الفقراء والمساكين. إنّ المثل القائل: "من لا يعمل، لا يأكل" هو شعارُ جيد، والأفضل لكم تطبيقه على حالتكم".
"أمّا الذين يجلسون بلا عمل، ينبغي أن يرضوا بمرتّب زهيد فقط من أجل العيش. ومن يرتكب الحماقات سيُحرَم من المال تمامًا وينال العقاب بناءً على ذلك".
«هذا الخطاب غير مسبوق. فلأول مرة يقول أحدهم لآل خليفة عليكم أن تعملوا، ومن لا يعمل لا يأكل. يقول نوكس لآل خليفة إن الاستغلال البشع الذي كانوا يعملون به عبر نظام السخرة، وسرقة أراضي الآخرين وأموالهم، وفرض ضرائب ظالمة عليهم دون وجه حق، لم يعد مسموحًا به. إن هذا الزمن قد انتهى، وعليكم أن تعملوا لتكسبوا» يعلّق الديري.
كان هذا الخطاب «عزلا لمرحلة تاريخية هي مرحلة الإقطاع، وتأسيسا في الوقت نفسه لنظام جديد. أنجز خطاب العزل هذا أساس الشكل الأول للدولة الحديثة، ضمن نظام حكم مركزي وسلطة واحدة، بدلًا من السلطات المتعددة التي مثلها شيوخ الإقطاع».
حماس المقيم البريطاني، وإن أدّى في ذلك الوقت إلى نقطة حسم تاريخية، لم يوقف جشع آل خليفة ولا شيئا من شكل «اللا حكم» الذي يسوسون به هذه البلاد منذ 230 عاما وحتى اليوم.
بقي آل خليفة حتى اليوم يرون أن من حقهم "العيش على حساب المجتمع... عبر مخصصات تقتطع" من عوائد النفط، وعبر "استغلال الفقراء والمساكين" بتوطين الأجنبي والاقتراض باسم الدولة وفرض الضرائب واحتكار السوق والتحكّم فيها لمصلحتهم هم وهم فقط.
لم يعملوا ليكسبوا، بل عملوا ليستبدّوا ويقهروا ويسرقوا. إنّهم يكسبون بلا كد ولا جهد. يكسبون من بيع الأراضي للأجنبي، أو مشاركتها معه، في شكل استثمار، لا يعود إلا عليهم. ويكسبون من بيع النفط أو بيع الديون أو بيع السياسة، ومستعدّون أن يكسبوا حتى لو كلّفهم الأمر أن يبيعوا البلاد.
ليس العاطلون البحرينيون هم العالة على الدولة والنظام، كان المقيم السياسي البريطاني ومنذ 1923 يعترف بأن العائلة الحاكمة هي من يعيش عالة على هذا الوطن، وهي من ينهب خيره ومقدّراته، ويحرم أهله وناسه قوت يومهم ويجعلهم غرباء في وطنهم.
يكفي خطاب نوكس للرد على ذلك المجنّس الخائب. إنّه يحدّد تماما مواطن الخلل في هذا النظام الاقتصادي الفاسد الذي يدير به آل خليفة البلاد، منذ ما قبل ظهور النفط. ليس من يجب أن يرضى بمرتب زهيد هم أصحاب هذه البلد (التي جاءها يوسف مشعل لاجئا)، من العاطلين الفقراء الذين تقطّعت بهم السُبل، بل هم، وكما يصفهم نوكس، "مرتكبو الحماقات... الذين يجلسون بلا عمل" من عائلة آل خليفة، ومستُقدميهم.
بعد حوالي 100 عام، لا شيء مفاجئ يا نوكس، في حقيقة أنّ الرجل الذي سيبلغ السبعين من عمره ليس قادرًا على التجاوب مع مطالب الإصلاح، لا هو ولا عمّه الذي سيبلغ الخامسة والثمانين. ولن يكون خليفتهم هو الآخر مصلحا حتى لو بلغ عمره المائة. سيبقون جميعا دولة تتصرف كقبيلة، كما يقول الراحل فؤاد خوري.
وحده العقاب لم ينلهم بعد ولا التغيير!