مستشار «التربية» التونسي كمال الذيب... يتيم «زين العابدين» طبّالٌ في المملكة الخليفيّة

كمال الذيب: مستشار في منظومة من السياسات الطائفيّة المكرسة لتهميش الطلبة الشيعة
كمال الذيب: مستشار في منظومة من السياسات الطائفيّة المكرسة لتهميش الطلبة الشيعة

2019-01-30 - 2:51 ص

مرآة البحرين (خاص): قبل أسابيع قليلة من اندلاع الثورة التونسية العام 2011 كتب المستشار الإعلامي في وزارة التربية والتعليم البحرينية كمال الذيب التونسي الأصل والبحريني المجنس، مقالة منافقة كال فيها المديح لنظام زين العابدين بن علي على الطريقة التي سخر منها شاعر تونس الكبير المرحوم أولاد أحمد عبر ما أسماه "الإعلام الإيقاعي المدحي".

جاء في المقال الذي نشره في صحيفة "الوطن" البحرينية 10 نوفمبر 2010 "أسست السلطة منذ‮ ‬نوفمبر 1987 (العام الذي تقلد فيه زين العابدين الحكم) ‬نظامها السياسي‮ ‬على التعددية والمشاركة في‮ ‬ظل نظام‮ ‬يولي‮ ‬المؤسسات مكانتها،‮ ‬ويوفر أسباب الديمقراطية المسؤولة،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬جعل التجربة متناغمة مع الأوضاع المخصوصة للمجتمع،‮ ‬وأدى إلى توسيع مجال الديمقراطية (...)  وتكريس حقوق الإنسان (...) ‬حيث ظلت السلطة تخطو بالمسار الديمقراطي‮ ‬خطوات متئدة ثابتة بدءا بميثاق وطني‮ ‮ ‬حدد مسؤوليات الأطراف السياسية،‮ ‬مع فتح الباب واسعاً‮ ‬أمام التعددية الحزبية والمنافسة السياسية".

لسوء حظّ كمال الذيب أن هذا النظام الذي عزا له كل هذه الصّفات "الهلفوتة" قد تمّت الإطاحة به في ثورة شعبيّة بعد ثمانية أسابيع فقط من نشره هذه المقالة. انهار النظام الذي اعتاد سَهَر الليالي وقضاء الساعات الطّويلة في منزل سفيره بالمنامة، خالد الزيتوني، حجراً فوق حجر. لقد كان فألاً سيئاً له وغيره من المنتفعين حوّله من منتفع بأبيْن إلى منتفع بأب واحد.

لدى كمال الذيب أكثر من أب يراوح بينه ويضرب له حجر النرد. إذا كان نظام زين العابدين بن علي قد سقط فعلاً فإن ثمّة آخر لديه، هو حمد بن عيسى آل خليفة. مثل أي مثقف أجير فقلمه يجري مع الجياد الرابحة.

لقد استطاع تأمين الجنسية البحرينية له ولأولاده وتوريثهم امتيازات يحلم أي مواطن بحريني الحصول عليها. ماذا يعني الحصول على جنسية ثانية؟ ببساطة شديدة "التمتّع بامتيازات مواطنتَيْن". منذ ثلاثين سنة يمتطي كمال الذيب جواد وزارة التربية والتعليم في البحرين جنباً إلى جنب تنظيم الإخوان المسلمين الذي يعشعش في الوزارة، ويهندس معهم سياستها الإعلاميّة السوداء المكرّسة لتهميش المتفوقين الشيعة.

في مقال حديث له ينعى على البحرينيين مطالبتهم بحقوقهم معتبراً أن "صفحة أحداث 2011 قد قُلبت بالفعل، وتم بالفعل تجاوزها، وتداعياتها، ونتائجها الكئيبة (...) ولذلك ترى أن البلد يمضي نحو المستقبل من دونها". لكن ما هي الصفحة التي قلبت فعلاً ومن الذين تم تجاوزهم وما هو شكل المستقبل الذي يبشرنا به؟

ببساطة هو المستقبل إيّاه الذي عمل بمعيّة مسئولي التربية على تحطيم تطلعات الآلاف من الطلّبة الشيعة المتفوقين فوقه بحرمانهم من البعثات. هو المستقبل الذي يتم بناؤه على أجساد أربعة آلاف سجين سياسيّ. وعلى نفي رجال الدين الشيعة وسجن قادتهم. وعلى الأعداد المتنامية من المواطنين المسحوبة جنسيتهم (800 حتى وقت كتابة هذه السطور) و32 محكوماً بالإعدام. وعلى آلاف البحرينيين في المهاجر والهاربين من سطوة القمع. وعلى إغلاق الجمعيات والصحف وتجريف الفضاء العام لكي يخلو المكان له وعشرات آلاف المجنّسين من أمثاله كي يتمتّعوا بخيرات البلاد في الوقت الذي يشقى مواطنوها.

في المقالة إيّاها يواصل كمال الذيب كيْل المديح الإيقاعيّ الذي كال مثله أطناناً في حق النظام التونسي البائد؛ لكن هذه المرّة في حقّ النظام البحرينيّ الذي تدينه كل منظمات حقوق الإنسان على هذه الممارسات المذكورة.

يستلف كمال الذيب مقولة ماركس عن "عودة التاريخ على هيئة مأساة أو مهزلة" مهاجماً فكرة عودة المعارضة المعتدلة في البحرين إلى العمل السياسي. غير أنه ينسى أن المأساة ــ إذا وجدت ــ فهي مأساته، والمهزلة ـــ إذا وجدت ــ هي مهزلته؛ وليس أي أحد آخر.

أمام طوفان الثورة التونسية الذي فاجأه على حين غرّة كتب ما يشبه الاعتذاريّة الطفوليّة عن ما أسماها "اللحظة الملتبسة" التي جعلته يمتدح نظام زين العابدين.

قال في مقال نشره في صحيفة "الوطن" البحرينية 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011  بعد ثلاثة أشهر فقط من المقال الأول "قد‮ ‬يكون الاجتهاد لحظة كتبت عن التجربة السابقة في‮ ‬جوانبها التي‮ ‬كنت أراها إيجابية،‮ ‬غير دقيق في‮ ‬توصيفاته،‮ ‬وربما‮ ‬غير موفق في‮ ‬بعض استنتاجاته التي‮ ‬لم تكن ربما تستوعب كافة أوجه الحراك الذي‮ ‬كان‮ ‬يرجل تحت الرماد،‮ ‬ولا نشعر به"، معتبراً أن ذلك "‬ليس ذلك بغريب فالحقيقة أن الالتباسات‮ ‬قد خدعتنا في‮ ‬مواقف ومناسبات عديدة‮: ‬خدعنا عندما كتبنا عن التجربة القومية في‮ ‬العراق إبان الحرب العراقية‮ - ‬الإيرانية،‮ ‬ففاجأنا صدام حسين باحتلال الكويت،‮ ‬واكتشفنا بعد ذلك التناقضات في‮ ‬القرارات‮ ‬غير المنسجمة مع المقدمات،‮ ‬وخدعنا عندما كتبنا عن بعض التجارب والقضايا العربية والدولية الأخرى".

يوماً ما سيكتب كمال الذيب ما يشبه هذه الاعتذاريّة عن لحظة ملتبسة أخرى عاشها في البحرين لتبرير أفعال نظام استبدادي كالح يقمع شعبه ويدسّ أنفه مثل أيّ مرتزق لكي يصوّر ذلك بأنها إصلاحات ديمقراطية وفضاءات مفتوحة. وتلك الأيام يداولها الله للمرتزقة.