التجّار «على دين ملوكهم»: الوظيفة ليست من حقوق البحريني
2019-01-15 - 3:00 م
مرآة البحرين (خاص): صارت الصحف المحلية تحتفل بين حين وآخر بصدور تقارير تؤكد أن البحرين ضمن أفضل دول العالم بالنسبة للعمال والموظفين الأجانب، المرّة تلو المرّة، دون أن تقف صحيفة لتسأل وماذا عن المواطنين البحرينيين، هل هم راضون؟.
فعلا، لماذا لا يتساءلون: هل يعتبر المواطنون بلدهم أفضل بلاد للعيش والعمل؟، كيف يشعرون لتفضيل غيرهم عليهم في بلادهم؟، كيف يشعر أبناء البحرين إزاء الاكتساح الأجنبي الواسع للوظائف؟ يكفي تكرار الرقم الرسمي المنشور علنًا لنتخيّل شعور البحرينيين: في العام الماضي 2018 تم توظيف 54 ألف أجنبي بينما تم توظيف 5 آلاف بحريني فقط.
كيف تتكرر هذه الأرقام سنويا؟ تتكرر لأنها أصبحت عملية ممنهجة اتبعتها الحكومة ولحقت بها على ذات الطريق الشركات شبه الحكومية والشركات الخاصة.
اعتمدت الحكومة توظيف الأجانب في الجيش، والحرس الملكي، ووزارة الداخلية، والأمن الوطني، والحرس الوطني، ونبذت أغلب أبناء البلد لتضمن أمرين : الطاعة العمياء، التحكّم. ولا يغيّر من الحقيقة شيئا أن منحتهم الجنسية البحرينية. لم تكتفِ بتلك القطاعات التي تتذرع بحساسيتها، بل امتد تفضيل الأجنبي في قطاعات الخدمة المدنية أيضا.
فإذا كان ذلك سلوك الحكومة ضد مواطنيها، فهل يمكن أن نلوم القطاع الخاص؟ القطاع، الذي تتحكم فيه شركات عائلية تتبادل المنافع مع العائلة الحاكمة، لا يمكن توجيه اللوم له، بل يمكن القول باختصار إن «التجار على دين ملوكهم».
ثم كيف يمكن لوم التجّار، وها هو وكيل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية صباح الدوسري يخرج ليصرح لأهل البلاد «لا يوجد إلزام للشركات بتحديد وظائف محددة للبحرينيين»، ويضيف «الوزارة تسعى بالإقناع وليس بالفرض والقوة بأن تكون هناك وظائف للبحرينيين». تصريح بارد واستفزازي قبيح.
ومن المبكي أن الوزارة تحاول إقناع رؤساء الموارد البشرية الأجانب بهدف توظيف البحرينيين، بعد أن سمحت بسيطرة الأجانب على إدارات التوظيف في الشركات حتى بات الأجنبي يجلب أقاربه من الخارج لتوظيفهم.
في الحقيقة، لا يحوي قانون العمل إلزاماً لبحرنة إدارات الموارد البشرية، بل هناك نص هامشي في قانون التدريب المهني، ينص على الإلزام بكون مدير الموارد البشرية بحريني الجنسية إذا كان عدد عمّال المؤسسة 50 عاملاً فأكثر، لكن وزارة العمل تتجاهله ولا تفتش على دقة تطبيقه. ولهذا سمعنا الأمين المساعد في الاتحاد العام للنقابات عبدالواحد النجار يقرع الجرس بقوله «بعض الشركات ليس فيها أي مدراء بحرينيين، والتوظيف للبحرينيين كعمال وفي الدرجات الدنيا، تم ملاحظة أن هناك كثيرا من الأقرباء من الأجانب في الشركة الواحدة إذ يتحكم (مدراء أجانب) في مفاصل التوظيف والأمور المالية والإدارية». يكفي السماح بوجود مدراء توظيف أجانب في الشركات لتنتهي البحرنة للأبد.
ولكن، قد يسأل أي قارئ، كيف يسمح التجار البحرينيون بتهميش البحرينيين من أبناء جلدتهم؟، الإجابة على ذلك في النظرة الدونية التي رسمها أصحاب رؤوس الأموال عن البحرينيين: مثل «البحريني عيّار»، «ما يشتغل»، «ما تقدر تعتمد عليهم»، والكثير من هذه الكليشهات التي تسمع في المكاتب التجارية.
لكن الأمر الحقيقي هو أن هامش الربح وتعظيمه هو ما يدفع التجار، فضلا عن تنفيذ ذات السياسات المتبعة حكوميا. فالتجار ليسوا كلهم مواطنين عاديين، بل إن أكبر تجار البلاد هم من أفراد العائلة الحاكمة، وكثير منهم يشتركون في «البزنز» مع علية الطبقة المخملية في البلاد، يكفي في قطاع العقار وجود تاجر مثل خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس الوزراء.
في البحرين، يتداخل المال مع السلطة والخاص مع العام، فمن يرغب بالجني عليه أن يسير في هذه الدائرة المتداخلة. فحين يضرب صاحب السلطة بنص الدستور الذي يقول في (أ) من مادته السادسة عشرة «الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة»، فإنه سيفعل الأمر ذاته عندما يكون صاحب المال، وزايد الزياني مثالا.
الأمثلة كثيرة والأرقام كبيرة، ولا أحد يتساءل إلى أين ستقودنا البطالة والتمييز ضد البحريني؟ إن مرحلة استحقار المواطن وتفضيل الأجنبي عليه لن تقود إلى تعظيم المداخيل ولا استقرار البلاد. كلنا يعلم ما يجره الفقر على الأمن وما يجره تغوّل الأجنبي والمجنس على الاقتصاد.