«ديمقراطية المجالس المفتوحة»: كيف سخر الشيخ علي سلمان من برلمان البحرين؟
2018-12-02 - 4:27 م
مرآة البحرين (خاص): لا أقدر من الشيخ علي سلمان على فهم وتصوير سياسة العائلة الحاكمة في البحرين، والتي، بحكم الظروف الديمغرافية والتاريخية للبلاد، تعتبر مثالا أثيرا على هوية أنظمة السلطة في مشيخات الخليج، وكيف تشابكت القبيلة والدولة فيها.
الرجل امتهن السياسة على مدى ربع قرن. لقد حمل على مدى 10 سنوات شعار "البرلمان هو الحل"، في عرائض انتفاضة التسعينات، ثم اختبر في زمن المصالحة انقلابات السلطة مجدّدا على المواثيق والاتفاقات، حتى بعد تبدّل الحاكم، وجرّب لاحقا ربّما كل آليات التعامل مع هذه السلطة، عبر 4 سنوات من شبه مقاطعة، ثم 5 سنوات من العمل في البرلمان، والحضور في دواوين صنع القرار ومحاولة التأثير عليها، وأخيرا، عبر الثورة من جديد!
بالنسبة للشيخ علي سلمان، كان البرلمان محلّ الطموح الذي يرى أنّه "الممكن السياسي" في بلدان مثل دول الخليج، لكنّ الحال بعد تجارب الفشل العديدة، قادته إلى نظرة مختلفة في 2011، فصعّد مطالبه إلى "الحكومة المنتخبة"، وكان الرد الأخير عليه هو السجن!
لقد اعتُقل تماما بعد انتخابات 2014، وحُكم في قضية أخرى بالسجن المؤبّد تماما قبيل انتخابات 2018. البرلمان الذي ناضل من أجله على مدى ربع قرن، هو ما كان تهمته ولعنته التي تلاحقه السلطة بسببها. هو لم يعد يريد هذا البرلمان، وهي لا تريد غيره.
وبينما هو في السجن من جديد، يحاكم بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم، بعد حوالي 4 سنوات من الثورة، أنهت كل علاقاته مع السلطة، كتب سلمان مرافعته الأولى والأخيرة، كشاهد على التاريخ.
في هذه المرافعة، يفكّك سلمان عقل الشيخ الحاكم في دول الخليج، من حيث نظرته هو إلى "الممكن السياسي"، عبر ما كانت تسمّيه السلطات «ديمقراطية المجالس المفتوحة».
يصوّر سلمان برلمان البحرين بأنّه الشكل الجديد لـ «المجالس المفتوحة». يرى أن كل فكرته نابعة من هذه المجالس، الأشبه بـ«خيمة شيخ القبيلة».
"تقوم فكرة المجالس المفتوحة على منطق مفاده أنّ البحرين لها خصوصية تنبثق من أعرافها وتقاليدها وتاريخها" و"أنّ المجالس المفتوحة... تؤدي الدور الفاعل في إيصال الرأي إلى المسؤولين بحرية تامة".
تُبرِز السلطة في هذه المجالس ديمقراطيتها الخاصة التي تسميها «ديمقراطية المجالس». وقد بدأ ذلك مذ أقدمت السلطة على حلّ المجلس الوطني وتعليق العمل بالدستور من عام 1975 حتى 2002، وكان ردها على المطالبين بعودة البرلمان والعودة للحوار وتفعيل الديمقراطية بأن المجالس المفتوحة هي المتكفلة بذلك.
"يقوم الحاكم والمسؤول بفتح مجلسه الأسبوعي الخاص الذي يستقبل فيه أبناء الشعب، وفيه يتمكن الناس من إيصال رؤاهم وأفكارهم حول مجريات الأمور، ومن أصناف الحوار الذي تعتبره السلطة آلية من آليات الحكم الديمقراطي، تلك اللقاءات العامة التي تجمع المسؤولين الكبار في السلطة مع بعض الشخصيات في المعارضة السياسية. وقد ابتدأ هذا الحوار.. في العام 2001، واستمرّ إلى العام 2006 في مجلس جلالة الملك، ثمّ توقف وأعيد بشكل متقطع في مجلس ولي العهد، مع ابتداء العام 2011".
تتمّ هذه اللقاءات بدعوة عدد من المعارضين السياسيين مع عدد أكبر من السياسيين الموالين للحكم، ولا يتمّ إطلاع المدعوين على موضوع اللقاء، ولكنّهم يعرفون مضمونه من الكلمة التي يلقيها صاحب المجلس على مسامعهم. وبنفس هذه الآلية، تمّ إطلاع المعارضة والموالاة على دستور 2002.
"وبعد أن يُنهي صاحب المجلس كلمته، يُسمَح لمن يطلب الكلام بالحديث المختصر، فإن كان من المعارضين للموضوع المطروح، سُمِح للموالين الحاضرين بالكلام لمخالفته، على ألا تزيد المناقشة عن النصف ساعة، وينتهي النقاش بتغليب رأي الموالاة بكثرتهم العددية، على رأي المعارضين. ثمّ ينتهي اللقاء بقرار من صاحب المجلس بدعوة لتناول الغداء، أو بوقوف صاحب المجلس معلنًا انتهاء الحديث، ووجوب انصراف المدعوين."
"واقع هذه المجالس محكومٌ أيضًا بأعراف وتقاليد... الحديث فيها ليس مفتوحًا على مصراعيه، وليس متاحًا للجميع، بل تتحكم به أعراف وتقاليد قبلية منها أن يجاري الحديث هوى المسؤول، وألا يتجرأ على ذمه أو انتقاده، وإلا مُنِع من الحديث ومن دخول المجلس ثانية، هذا إن لم يطرد في الحال."
وتخضع هذه المجالس لأعراف وتقاليد خاصة؛ حيث يقتصر الحديث فيها على كيل المدح والثناء، والتبجيل لصاحب المجلس، وإبراز مكانته وعظيم إنجازاته، وتقديم الشكر له إذ أتاح الفرصة للحضور، وكيل الانتقادات والاتهامات لمن يحمل رأيًا مخالفًا. أما الموضوعات التي تُطرَح، فهي في العادة لا تتجاوز السؤال عن الصحة والحال، وعن الأهل والأحباب، وعن تجارة الحاضرين وأعمالهم، وفيها يتم إلقاء قصائد المدح والثناء، ويتخللها همس بين صاحب حاجة خاصة والمسؤول، والحديث عن خدمات وموضوعات خاصة بالحاضرين، .... فيأتي التوجيه من المسؤول لدراستها أو إيجاد حل لها، ويعتمد ذلك على درجة قرب صاحب القضية من المسؤول.
تولت الصحف المحلية الصادرة في البلاد آنذاك الترويج لديمقراطية «المجالس المفتوحة» والحوار السياسي فيها، على مدى 27 عامًا، في عناوينها الرئيسية، ومقالاتها، وتقاريرها مبجلة هذه الآلية الفريدة للديمقراطية التي تتفوق على ديمقراطية ويستمنستر، وديمقراطية واشنطن.
وبعد العام 2002 - وهو العام الذي صدر فيه الدستور الجديد بصورة منفردة، ملغيًا دستور 1973، وجاء بديمقراطية مجلس وطني نصفه منتخب من خلال دوائر يدور الجدل حول عدالتها، ونصفه معيّن، وسلب من المجلس المنتخب القدرة على التشريع والمراقبة، وركز كلّ السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والأمنية بصورة أكثر في يد ملك البلاد - تغيرت النظرة إلى «المجالس المفتوحة» في وسائل الإعلام الرسمية، ولدى الإعلاميين والمفكرين والمثقفين التابعين للحكم، وأضحى «نوّاب الشعب» و«المجلس الوطني»، هو البديل والدليل، على الديمقراطية الحديثة.
هكذا صارت «المجالس المفتوحة» لبنة «البرلمان» الذي كان «هو الحل»! وفي هذا البرلمان، لم يجار الشيخ علي سلمان هوى الملك، فلم يُطرد فقط، بل زجّ في السجن حتى هذا اليوم.