مراد الحايكي: المبررات والأسباب لدعوة مقاطعة الانتخابات النيابية في البحرين
مراد الحايكي - 2018-11-23 - 2:27 م
لقد بات من خلال قائمة المترشحين للانتخابات النيابية التي تقام نهاية هذا الأسبوع، بأن شعب البحرين مقبل على مجلس نيابي أسوء من الذي سبقه، مجلس سيكون بكل جدارة مجرد إدارة حكومية ذات ميزانية مكلفة يمثل فيه النائب الإرادة الحكومية لا الشعبية.
إن حرص النظام على عقد الانتخابات ودفع الناس بالتهديد للمشاركة يعود لسببين رئيسيين، الأول إعطاء شرعية مزيفة لكل القرارات التي يود النظام اتخاذها في المرحلة المقبلة، والسبب الثاني لتجميل صورة النظام دوليا. ويتبين بعد تصريحات رئيس مجلس النواب أحمد الملا، وما ورد من أنباء باستدعاء أعداد من المواطنين أصحاب الطلبات الإسكانية وتخييرهم بين إلغاء طلبهم أو التصويت في الانتخابات، بأن النظام في البحرين في حالة هلع وتخوف من ضعف المشاركة في التصويت.
وعليه، تتمثل اليوم أمام شعب البحرين فرصة تاريخية وهي مقاطعة الانتخابات، ليقول فيها كلمته ويعبر عن رفضه لهذه المسرحية الهزلية التي باتت مصدر إزعاج يومي لحياة المواطن وجيبه ومستقبله ومستقبل الأجيال القادمة.
لقد كان مجرد الشعور بالأمل في أن تكون البحرين دولة ذات نظام ديمقراطي يتمتع شعبها بالحرية والعدالة والشراكة في صنع القرار، كافيا ليتعالى فيها شعب البحرين على ما خلفته مرحلة التسعينات وما قبلها من جراحات وألم، وأن يوافق وبنسبة 98.4٪ على وعود الإصلاح والتحول إلى الملكية الدستورية على غرار الملكيات الدستورية العريقة في العالم، ذلك الوعد الذي قطع علنا وأقر به في ميثاق العمل الوطني.
ولقرابة العامين عاشت البحرين أجواء تفاؤل بأن القادم أفضل، وأن "الأيام الجميلة التي لم نعشها بعد" قادمة لا محالة، إلا أن الواقع ومنذ العام 2002 قد شهد الكثير من التراجعات على مدار الستة عشر سنة الماضية التي أدت إلى تعطل هذا المشروع.
واحدة من أهم النقاط الجوهرية التي طالب بها شعب البحرين على مر العقود الماضية، هو وجود برلمان يمثل الإرادة الشعبية، تكون له السلطة التشريعية والرقابية في البلد. وعندما أعلن عن نص ميثاق العمل الوطني في حينها، اعترضت بعض القوى السياسية والشخصيات الوطنية على بعض ما جاء فيه وبالأخص ما يتعلق بنظام "المجلسين"، وبعد شد وجذب، وعد النظام من خلال تصريحات مسؤوليه وتطميناتهم، وتعهد ملك البحرين حمد بن عيسى في مجلس رجل الدين السيد علوي الغريفي، بأن دستور العام ٧٣ لن يمس من غير الرجوع إلى الشعب، وأن مجلس الشورى هو للمشورة فقط وليس للتشريع.
وعلى غفلة، تفاجأت القوى السياسي وجماهيرها بعد عاما من التصويت على ميثاق العمل الوطني، بإصدار ملك البحرين منفردا وخلافا لما تعهد به، دستورا جديدا ناقض فيه أمور كثيرة وجوهرية من أهمها شكل السلطة التشريعية ودورها.
وقد شكل إصدار دستور 2002 ضربة قوية وموجعة للمشروع الإصلاحي والقوى السياسية التي دعمته، واهتزت ثقة الشارع في جدية النظام فيما يتعلق بإتباع الديمقراطية نهجا في قيادة البلد، واحترام حقوق الإنسان. وزاد الطين بلة، إصدار قانون تنظيم الانتخابات بمرسوم، الذي سعى من خلاله النظام في البحرين إلى تفصيل مخرجات الانتخابات على مقاسه، وبالتالي إفراغ المجلس النيابي من الدور الذي كان مزمع أن يقوم به، وهو التشريع والرقابة والمحاسبة.
على ضوء ذلك التراجع الكبير، أعلنت قوى المعارضة ما عدا جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي، مقاطعتها للانتخابات النيابية في العام 2002 وشكلت مؤتمرها الدستوري وبدأت مساعيها لحث النظام والضغط عليه للعودة إلى ما تم التوافق عليه في ميثاق العمل الوطني.
مرت ٤ سنوات على انتخابات 2002، تراجعت فيها العملية السياسية كثيرا من خلال تمرير النظام قوانين مقيدة كان من أبرزها قانون الجمعيات السياسية الذي حاولت من خلاله السلطة تحجيم القوى السياسية وتحويلها لمجرد دكاكين أهلية صغيرة يتحكم فيها مكتب صغير جدا بوزارة العدل. نقاشات طويلة، وآراء متعددة، وندوات عقدتها جمعيات المعارضة لاتخاذ الموقف من انتخابات العام ٢٠٠٦ أدت في النهاية، وبالتصويت، إلى مشاركة المعارضة في الانتخابات كما أدت إلى انقسامات وانشقاقات داخل الجمعيات المعارضة نفسها.
برامج انتخابية وملفات مهمة وحشد جماهيري، ومشاركة بلغت نسبتها 73.4٪ وهي الأعلى لغاية اليوم، كانت هذه أبرز صور انتخابات العام 2006، حصدت المعارضة فيها على غالبية أصوات الكتلة الانتخابية إلا أن توزيع الدوائر الانتخابية لم يعطها سوى 18 مقعدا من أصل 40.
في مجلس 2006، طرحت العديد من الملفات والقضايا المهمة مثل ملف الأراضي، إلا أن المجلس لم يخرج بأي نتيجة حقيقية والسبب يرجع في ذلك ليس لعدم وجود أغلبية نيابية للمعارضة، بل للتحصينات الدستورية والقانونية التي قام بها النظام في دستور 2002، السالبة للإرادة الشعبية.
وأعيد ذات السيناريو في العام 2010، وشاركت المعارضة مرة أخرى، إلا أن رياح الربيع العربي كان لها تأثيرها على هذا المجلس، حيث استقالت كتلة الوفاق (الجمعية المعارضة الوحيدة التي وصل مرشحوها للمجلس) في العام 2011 بعد الاحتجاجات والمواجهات الدامية التي انطلقت في ١٤ فبراير. وجرت انتخابات تكميلية في ذلك العام لسد مقاعد الوفاق ال١٨، ووصل للمجلس أعضاء حصلوا على أصوات لم تتجاوز ١٥٠ صوتا.
لقد اتضح منذ إصدار دستور العام 2002، بأن هناك نية مبيته لأن تكون "الديمقراطية" في البحرين مجرد شعار يتغنى به النظام أمام المجتمع الدولي. وشكلت أحداث 2011 فرصة للنظام للانقضاض على المعارضة ومحاولة لإطاحة بها، بل وتهميش كافة التيارات السياسية الأخرى حتى الموالية له كالسلف والإخوان وتجمع الوحدة الوطنية، وقام بالدفع بشخصيات مستقلة لم يكن لها أي حضور سياسي، للوصول إلى مجلس العام 2014.
وبهذا، خلت الساحة تماما للنظام، فقام بتمرير قوانين وتشريعات وقرارات كبلت ما تبقى من صلاحيات لدى المجلس النيابي وباقي مظاهر المشروع الإصلاحي. ولضمان عدم وجود أي "معسرات" في وجه النظام خلال الانتخابات القادمة، تم إصدار تشريع يمنع أعضاء "الجمعيات المنحلة" من الترشح للانتخابات، الأمر الذي يمنع وصول ممثلين حقيقيين يعكسون الإرادة الشعبية.
بالإضافة إلى ذلك، تفتقر الانتخابات في البحرين إلى أهم المبادئ التي يجب توافرها في إدارة أي انتخابات، فهي تتم تحت إدارة وإشراف وزارة العدل والشؤون الإسلامية، المسألة التي تقوض استقلالية العملية الانتخابية وحيادها. إن كافة العاملين في اللجان المشرفة على الانتخابات هم موظفون حكوميون، يفتقدون صفة الاستقلالية والحياد، وليس بمقدورهم أن يديروا انتخابات نزيهة ومستقلة.
ومثال على ذلك، عندما سئل وزير العدل الذي هو أيضا رئيس اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات، في أول أيام فتح باب التأكد من قوائم الناخبين، حول الأصوات المطالبة بمقاطعة الانتخابات القادمة، رد قائلا: "أي أصوات تطالب بمقاطعة الانتخابات غير مسموعة". الأمر الذي يسقط صفة الحياد تجاه اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات والتي أعترف رئيسها بأنهم لا يصغون إلى شريحة كبيرة من المواطنين والقوى السياسية. فكيف يستطيع الفرد أن يكون حياديا إذا لم يستمع إلا كافة وجهات النظر!
كما تغيب عن الساحة البحرينية اليومية الصحافة ووسائل الإعلام المستقلة التي تعد جزء من شفافية أي انتخابات من عدمها، فالأجهزة الإعلامية الوحيدة التي يسمح لها بنقل أخبار الانتخابات هي الأجهزة الحكومية أو تلك التي تدعمها وتسيطر عليها الحكومة وبعض أجهزة الحكم الأخرى.
وتغيب أيضا مؤسسات المجتمع المدني المستقلة ما عدا جمعية الشفافية البحرينية والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وهما مجمدتان عمليا، مما يخلق صعوبة في مراقبة سير العملية الانتخابية في 40 دائرة انتخابية والعديد من المراكز العامة التي لطالما كانت محط انتقاد قوى المعارضة.
وعليه، فإن الجهة المسؤولة عن الإشراف على الانتخابات في البحرين وتنظيمها، تفتقد لأبسط معايير الاستقلالية والحياد والشفافية. فهذه الجهة هي نفسها المسؤولة عن الجمعيات السياسية في البحرين، التي قامت السنة الماضية بحل اثنتين من أكبر الجمعيات المعارضة في البحرين، وهي من تقرر من يحق له الترشيح والتصويت أيضا. حيث قامت هذا العام بحذف أسماء الآلاف من جداول الناخبين بحجة أن النظام الآلي يقوم بحذف بعض الأسماء اوتوماتيكيا!
هي نفس الوزارة التي منعت عقد ندوة اقتصادية مؤخرا نظمتها جمعية سياسية مرخصة بسبب وجود شخصية معارضة ضمن المنتدين! الوزارة التي يرأسها أحد أفراد الأسرة الحاكمة في البحرين منذ سنوات طويلة، وأحد الأشخاص الذي جرت في عهده بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة في البحرين، محاكمات غير عادلة لمعارضين ونشطاء حقوق الإنسان، بنت أحكامها على اعترافات نزعت تحت التعذيب والتهديد، هي من تدير الانتخابات وتشرف عليها!
إذاً يبقى السؤال ما العمل؟ هل يمكن أن تفعل المقاطعة ما لم تفعله المشاركة؟ جوابي هنا، بنعم، بشرط أن يكون هناك برنامج واضح للمقاطعة.
الهدف الرئيسي من المقاطعة هو إيصال رسالة واضحة وقوية للنظام احتجاجا على تهميشها للإرادة الشعبية، والمطالبة بالعودة إلى ما أقره ميثاق العمل الوطني بموافقة غالبية شعب البحرين، ورفض صريح لتحويل المؤسسة التي من المفترض أن تعبر عن هموم الناس وتطلعاتهم من خلال التشريع والرقابة والمحاسبة لمجرد عرض مسرحي هزيل ومكلف لميزانية الدولة.
بالمقاطعة نحن نعبر عن رفضنا لسياسية التمييز والتوزيع غير العادل للدوائر، الذي يضرب بمبدأ المساواة بين المواطنين عرض الحائط، فنجد إن هناك مواطنون أصواتهم الانتخابية أقل قوة من مواطنين آخرين. كما أن توزيع الدوائر فصل تفصيلا دقيقا بحيث تمنع المعارضة من حصولها على أغلبية برلمانية رغم حصولها على العدد الأكبر من أصوات الناخبين.
بالمقاطعة نحن نحتج على قانون العزل السياسي وشطب أسماء آلاف الناخبين المحسوبين على تيار المعارضة. لقد أصدر ملك البلاد بعد موافقة مجلسي النواب والشورى والحكومة، تشريعا يمنع أعضاء الجمعيات السياسية المعارضة التي تم حلها كيدا من الترشح للانتخابات النيابية والبلدية، وهو الأمر الذي يمنع بدوره وصول مواطنين إلى مجلس النواب يحضون بثقة مجاميع كبيرة من الشعب، الأمر الذي يفرغ الهدف من وجود انتخابات من محتواه.
وفي تصرف آخر لا يستند إلى أي تشريع، قامت اللجنة المشرفة على الانتخابات من شطب أسماء آلاف المواطنين من قوائم الناخبين الذي تبين أن غالبيتهم من أعضاء أو أنصار تيارات المعارضة، وذلك فيما يبدو كخطوة استباقية لتخفيف آثار مقاطعة الانتخابات.
في المقاطعة وقفة حاسمة في وجه التجنيس السياسي الذي استخدمه النظام في مزاحمة المواطنين حتى في التصويت: لقد أنهكت قضية التجنيس السياسي البلد بشكل كبير، وخلفت العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية المعقدة، التي يصعب حلها مع كل يوم يمر من دون اتخاذ قرار بوقف هذه السياسية ومراجعة كل من حصلوا على الجنسية البحرينية بصورة غير قانونية ولأهداف سياسية. وبالمقاطعة نحن نطالب بقانون انتخابي عادل ومجلس نيابي يملك صلاحيات تشريعية ورقابية تستطيع من خلالها الكتل النيابية عكس الإرادة الشعبية.
مقاطعة الانتخابات القادمة هي فرصتنا لنقول كفاكم عبثا بمستقبلنا، كفاكم هدرا لثرواتنا، كفاكم ظلمنا لأبنائنا وتهميشا لإرادتنا. نحن نريد أن نعيش ويعيش أبناؤنا في وطن يتسع لهم ويرتقي بهم ويرتقون به، وطن لا يرجف فيه الأمل في أن يكون المستقبل فعلا "تلك الأيام الجميلة التي لم نعشها بعد".
*ناشط بحريني