كيف ردّت الحكومة التحيّة على دعاة المشاركة؟
2018-11-03 - 12:52 ص
مرآة البحرين (خاص): لم يعنِ السلطة، أن بعض المترشحين لانتخابات 2018، اصطدموا بشارعهم المقاطع، وخسروا قدراً كبيراً من شعبيتهم، وصل إلى حدّ تجريحهم كما حدث مع "نادر عبدالإمام"، ولا أن يعلن أحدهم مشاركته منفصلاً عن موقف جمعيته السياسية مثل "يوسف البوري"، ولم يهزّ طرفها أن يُرخى أحدهم عنان لجامه كاملاً، ويسلمه إلى يدها مرتخياً مثل "محمد حسن العرادي"، ولا أن يكون منصرفاً تماماً عن العمل السياسي ومتحاشياً أي شكل من أشكال الصدام معها مثل "فاضل حسن حبيب"، ولا متزلّفاً لها متودداً مثل النائب السابق «علي شمطوط»، ولا قيادي شبابي غير مسيس مثل رئيس جمعية ملتقى الشباب البحريني «حسين الإسكافي»، وغيرهم كثير، لا يعني السلطة أحداً ما لم يكن هي من تريده، لا هو من يريدها.
لم يعد هناك ما تواريه السلطة كما كانت تفعل في السابق لأنه لم يعد هناك دولة، هي الآن يد باطشة ضاربة فقط، وصل بها البطش إلى التعدي على جيب المواطن ومنازعته حتى في قوت يومه. لقد شطبت السلطة أسماء المقاطعين من كشوفها الانتخابية ورفضت ترشح كل من انتسب لإحدى الجمعيات المعارضة في يوم من الأيام، إنها اليوم تجاهر علناً بالعزل السياسي الذي يطال حتى أصحاب المواقف السياسية المتصالحة، ولا تريد في البرلمان أي صوت لا تختاره بنفسها، مهما أظهر هذا الصوت من ليونة ورخاوة.
عندما أعلنت جمعية الوفاق مقاطعتها لانتخابات 2018، وذكرت بين أسبابها "تكميم أفواه المعارضة السياسية بكافة تلاوينها وإغلاق الفضاء الديمقراطي للعمل الحزبي المنظم"، لامها المشاركون والمتر شحون بأنها تعزّز القطيعة بين الشارع البحريني ومراكز صنع القرار، وقطع أبواب التواصل مع السلطة والاستمرار في ذات النهج الذي أثبت فشله حسب زعمهم.
وعندما أشارت الوفاق ضمن أسباب مقاطعتها إلى "القوانين وبعض التشريعات -السالبة والمُقَوضة- للحقوق والحريات الأساسية مثل: قانون الإرهاب، قانون الجمعيات السياسية، قانون القضاء العسكري، قانون الجنسية، قانون العقوبات، قانون التقاعد، قانون مباشرة الحقوق السياسية، المرسوم بقانون (56) وغيرها.."، اتهمها المترشحون أيضاً بعدم الواقعية السياسية وتفويت فرص المشاركة والتغيير من داخل المؤسسة التشريعية.
أغمض هؤلاء عيونهم عما يعلمونه جيداً من استفراد السلطة بالقرار والمجلس النيابي وأنها لا تريده سوى واجهة تمرر قراراتها وقوانينها، راح هؤلاء يتغزلون بالسلطة في كل شاردة وواردة ويغمغمون عليها، بعضهم تماهى مع السلطة مثل الناشط "محمد حسن العرادي" الذي بدا وكأنه ناطق بلسانها ومدافعاً مستميتاً عنها.
يثبّت العرادي تغريدة على رأس صفحته تويتر يقول فيها: "تأمل لو أن مشروع جلالة الملك المفدى الإصلاحي الذي أطلقه عام 2001 لم تتم محاربته وعرقلته تحت مبررات مختلفة، تأمل لو أن خطوات هذا المشروع استمرت بذات قوة الاندفاع والانجاز وتم دعمه من قبل الجميع. تأمل أين كنا سنصل بعد 18 عاماً. تأمل واسأل لماذا؟ #شكرا_جلالة_الملك "!
يُمجد العرادي الملك، ويحمل الأطراف الأخرى مسؤولية ما وصل إليه الحال في البلاد، ويشبه الانتخابات بحديقة ورود "تحتاج إلى أن يسقيها الجميع بماء المشاركة والعناية والرعاية من أجل أن تكبرَ وتترعرع وتنتج ثمار التطور والتقدم والمستقبل الواعد، بينما المقاطعة ودعوات العزوف والتخلي عن المسؤولية تسيء لهذه الحديقة وتدفعها للذبول وتعطل نموها وتقلل من قدرتها على التطور والتكامل".
يمضي العرادي في مشروع (الحديقة) ويؤسس لقائمة باسم "القائمة الوطنية" تضم 10 مترشّحين يقول "إنها عابرة للطوائف وتضع نصب أعينها مصلحة البحرين"، ويقول بأنه سيعمل مع كتلته على "تهيئة المجتمع لأن يكون أكثر تواصلاً وتعاوناً مع الحكومة". ثم يحصل أن تريه السلطة أنها غير مكترثة به ولا بحديقته ولا بقائمته ولا بخطابه الذي صار متماهياً معها. لقد أحرقت حديقته (القائمة الوطنية) قبل أن يلقي العرادي بذوره فيها، لقد رُفض ترشّح رئيس القائمة نفسه بحجة انتسابه القديم لجمعية "وعد"، رغم إعلانه في دفاعه أنه عمل 3 مرات في 3 انتخابات ضد مرشحيها، ففرطت سبحة قائمته قبل أن تُعقد، وبقى من القائمة مترشحاً هنا ومترشّحاً هناك متناثرين بين الدوائر الانتخابية ولا يعلم أي مصير ينتظرهم.
أما نادر عبد الإمام الذي كان واحداً من نشطاء حراك 14 فبراير 2011 ، فقد رشّح نفسه ضمن قائمة يقول أنها مكونة أيضاً من 10 مترشحين، ولا نعرف تأكيداً ما إذا كانت هي ذاتها (حديقة) العرادي أم حديقة أخرى، اتخذ قراره بالمشاركة بعد ما أسماه بالمراجعة الذاتية، فبعد أن كان عبد الإمام محسوباً على الجناح المتشدد، اتجه نحو المصالحة مع الحكم على قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، وراح يدعو النشطاء السياسيين للمشاركة في البرلمان لكي لا يمتلئ البرلمان بمن هم أقل كفاءة. كان قرار عبدالإمام مكلفاً له من قبل الشارع الذي لا يجد في المشاركة غير تعزيز شرعية السلطة الذاهبة في تصعيداتها الاستبدادية والقامعة للحريات ولكل شكل معارض أو مخالف، واعتبر الشارع قرار عبدالإمام نكوصاً وتخاذلاً وتراجعاً.
لكن السلطة أيضاً ضربت عبد الإمام ضربة موجعة برفض ترشحه بحجة انتسابه القديم لجمعية "الوفاق"، ورفضت معه ترشّح حليفه في القائمة "يوسف البوري"، وأظهرت لهؤلاء أنها تتعامل وفق قاعدة "ما لا يدرك كلّه يترك كلّه"، وأن العزل المطلق هو نهجها القادم.