إسهال المترشحين... خلا لك الجو فبيضي واصفري
2018-10-29 - 12:44 ص
مرآة البحرين (خاص): تتباهى السلطة في البحرين بأن أعداد المترشحين في انتخابات 2018 هي الأعلى منذ 2002. وصل العدد الانتخابية إلى 17 متنافساً على مقعد نيابي واحد كما في الدائرة الرابعة بالمحافظة الشمالية، وتجاوز 6 متنافسين في معظم الدوائر الأخرى. وبحسب جهاز الانتخابات فإن عدد طلبات التقدم للترشح في الانتخابات النيابية والبلدية بلغ 506 طلبات، بزيادة 56٪ عن الانتخابات السابقة. هل هذا أمر صحي فعلاً؟
قبل أن يحتدم جدل المشاركة والمقاطعة المعتاد مع اقتراب كل دورة انتخابية، استبقت السلطات البحرينية الجميع بإقرار شيئين اثنين: الأول، أسقطت أسماء (المقاطعين) من كشوف جداول الناخبين وحصرت كتلتها الانتخابية في (المشاركين) فقط، اعتمدت سجلات المشاركة والمقاطعة السابقة، وضمنت أن الكتلة المدرجة في جداول الناخبين تمثّل المشاركين فقط، وأن ستكون بيدها نسبة مشاركة عالية، تقدمها (رقماً) أمام العالم.
الثاني، أقرّت عبر برلمانها المنصرم، قانوناً يحظر على منتسبي كبرى الجمعيات السياسية المعارضة (الوفاق ووعد) من الترشّح للانتخابات، وهي الجمعيات التي قامت بحلّها عقاباً لها على مقاطعتها الانتخابات السابقة 2014، ومعارضتها الوضع السياسي المأزوم منذ 2011.
بهذا عزلت السلطة الشارع البحريني المعارض بأغلبيته المطلقة عن اللعبة الانتخابية، وأبقت من هم في قبضة يدها أو تحت سيطرتها من الناخبين والمترشّحين. تريد بذلك إحكام الخناق على اللعبة السياسية التي تديرها منفردة، من دون أي صوت مزعج، منذ انسحاب أكبر كتلة سياسية معارضة في البحرين "الوفاق" من البرلمان إثر تداعيات أحداث 2011، وقبل أن تقوم السلطة بحلّها مع ثاني أكبر جمعية سياسية معارضة في البحرين "وعد"، واعتبار كلا الجمعيتين مخالفتين ومارقتين وخائنتين ومخرّبتين، وأبقت على الجمعيات السياسية الموالية، أو تلك التي لا تتوافر على قاعدة شعبية واسعة في البحرين.
لقد قامت السلطة بإخلاء البرلمان البحريني من الأحزاب السياسية التي تقوم عليها جميع برلمانات العالم الديمقراطي، والتي تشكل حجر الأساس في كل مجتمع ديمقراطي. لا توجد في العالم المتقدم حياة نيابية دون أحزاب سياسية تعبّر عن مصالح الشعب وتوجهاتهم وتعمل على مراقبة عمل الحكومة وتوجيه النقد إليها ومحاسبتها، لكن السلطة في البحرين أزالت أساس البرلمان، وأبقت جدرانه مائعة.
اليوم تأتي السلطات البحرينية، وبعد أن عزلت أكثر من نصف الشعب عن ممارسة حقه الانتخابي، تتباهى بأعداد المترشحين بأنهم الأكثر منذ بدء التجربة الانتخابية، تريد أن تستمرئ لعبتها وتقول للعالم أن هناك إقبالاً غير مسبوق للمشاركة في العملية الانتخابية، وأن البحرينيين متفائلين بالمجلس النيابي المقبل الذي لا مُعارض فيه. بل تريد أن تقول إن إزاحة الأحزاب السياسية، جعل الناس تُقبل أكثر على المشاركة والترشّح، وفي هذا شيء من الحقيقة بالفعل!
من الواضح أن هناك بالفعل تهافت في الترشّح للانتخابات، لكنه يكشف عكس ما تريد السلطة أن تقوله متباهية، لقد قفزت إلى واجهة المشهد الانتخابي أسماء وشخصيات ما أنزل الله بها من سلطان، لم يكن لها يوماً حضور في أي مشهد سياسي أو اجتماعي، وصارت فجأة واحدة هكذا تقدّم نفسها بأنها تحمل همّ المواطن وقضاياه السياسية والاقتصادية والمعيشية!
إن هذا التهافت يكشف عن استسهال البرلمان والاستخفاف به لا العكس. الاستسهال أمر ناتج عن انفراط عقد اللعبة لا عن إحكامها. فاللعبة البرلمانية في كل العالم لها قواعدها الصعبة والمكلّفة، هي عملية شاقّة قائمة على مشاريع سياسية سواءً استطاعت الوصول للسلطة أو كانت على مقاعد المعارضة. وكلّما كانت السلطة تعاني من فساد إداري ومالي وأوضاع سياسية واقتصادية متأزمة أكثر صار الشدّ والجذب بين النواب والسلطة أشقّ وأكثر، لهذا غالباً تكلّف الناس نيابة عنها ممثلين أشدّاء يقومون بهذا الدور، ويكونون قادرين على تحمّل تبعات هذه المسؤولية بما فيها ضربات السلطة وضغوطاتها الشديدة.
التهافت الذي نراه اليوم، يعبّر عن قول شاعر البحرين طرفة بن العبد "خَلاَ لك الجو فبِيضِي واصفري"، فمعظم المرشحين (النكرات) الذين يتهافتون الآن على انتخابات 2018، ما كانوا يجرؤون على الدخول في منافسة خاسرة لو أن منافسهم في الدائرة نفسها أحد الأسماء السياسية البارزة سياسيا وجماهيرياً، لكن الاستسهال ناتج عن عدم وجود من يُخشى منه، وهزالة أكثر الأسماء المتنافسة.
منذ أن غادرت كتلة "الوفاق" البرلمان في 2011، صار البرلمان وظيفة من لا وظيفة له، ومقصد من لا مقصد له، تحوّل البرلمان الفاقد للصلاحيات أصلاً، إلى مجرّد إلى جهاز بصّامين، وأداة مطلقة بيد السلطة لضرب كل من يعارضها أو يخالفها تماماً كما باقي أجهزة الدولة وصولاً إلى القضاء. صار متماهياً مع السلطة متطابقاً مع كل ما تريده السلطة.
الإسهال في عدد المترشحين يُخبر، أن المعترك السياسي في البحرين تحوّل من تكليف إلى تشريف، ومن استبسال إلى استهبال، ومن معركة مع السلطة إلى فرصة للتقرب إليها، ومن مهمّة شاقة إلى ترفيه، ومن مسؤولية جسيمة إلى مشروع لثراء. لقد صار سوقاً رائجة للتكسّب، طالما أنه ليس على النائب أكثر من البصم على ما تريده السلطة منه مقابل منحه راتب مغر ومخصص مكتب وسيارة وحصانة وامتيازات وهبات وعطايا ومكافآت. إنها الطريق الأسهل لتصير مقرّباً إلى السلطة ومن ورائها الثروة.
النائب لم يعد بحاجة إلى شهادة ولا كفاءة ولا خبرة ولا دراسة ولا اشتغال ولا انشغال بالسياسة، يكفيه أن يجيد شيء من اللغة العربية بالقدر الذي يعينه على البصم في المكان المناسب وهو ما لم يجده بعض المترشحين أصلا.
أي شيء أسهل من هذا؟!
ألا تستحق هذه الامتيازات المجّانية التهافت على كراسي المقاعد الانتخابية؟!