يوسف المحافظة: البحرين... الحالة السوداوية والمجتمع الدولي

بقايا عبوات غاز ورصاص انشطاري اطلق على متظاهرين غرب المنامة (ارشيفية)
بقايا عبوات غاز ورصاص انشطاري اطلق على متظاهرين غرب المنامة (ارشيفية)

يوسف المحافظة - 2018-10-26 - 11:37 م

نزل شعب البحرين في العام 2011 إلى الشوارع، رافعين مطالبهم بإصلاحات سياسية تهدف إلى تحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. تم مواجهة تلك المسيرات والاعتصامات السلمية بوحشية. هاجمت القوات الأمنية المتظاهرين وتعرض المئات للاعتقال وقتل أكثر من 100 متظاهر. لم تكتف السلطات البحرينية بذلك، بل مارست أبشع صنوف التعذيب الممنهج بحق كافة المعتقلين والنشطاء السياسيين والحقوقيين. لم يسلم من ذلك أطباء قاموا بمعالجة جرحى المتظاهرين.

التقارير الدولية لم تتوقف حتى اليوم عن إدانة الحكومة البحرينية، إلا أنها مستمرة في إدعائها باحترام حقوق الإنسان. نتيجة لتلك الانتهاكات، يقبع في السجن ما يقرب من 5 آلاف معتقل سياسي من الرجال والنساء وحتى الأطفال، وهي نسبة كبيرة في بلد لا يتجاوز عدد مواطنيه 600 ألف نسمة، بينهم نشطاء بارزين في مجال حقوق إنسان كالسيد نبيل رجب، الذي تم تكريمه مؤخرا بالمواطنة الفخرية من قبل مدينة باريس.

تتسع قائمة المعتقلين السياسيين لتشمل قيادات الحراك السلمي المعارض، وصحفيّين، ومدونين ونشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم تعقّبها باستمرار واعتقال الناشطين عليها. شخصيا، تم اعتقالي وتعريضي للضرب ووضعي في سجن انفرادي في العام 2013 لمدة 35 يومًا، بسبب تغريدة قمت بنشرها حول عنف السلطات الأمنية. اضطررت بعدها إلى اللجوء إلى ألمانيا بعد أن واصلت السلطات استهدافي.

على مستوى المنظمات، عمدت البحرين إلى تفكيك المجتمع المدني، من خلال استهداف مؤسساته الفاعلة ومنعها من ممارسة نشاطاتها. ففي الوقت الذي يشهد فيه هذا العام انتخابات نيابية وبلدية، إلا أن أكبر تنظيمين سياسيين في البحرين، وهما جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي وعد، قد تم حلهما من قبل السلطة ومنع أعضائها من الترشح للانتخابات في انتهاك واضح وصريح للدستور الحالي للبحرين.

كما تم إغلاق مركز البحرين لحقوق الإنسان وصحيفة الوسط، وهي الصحيفة الوحيدة المستقلة في البحرين، مما يضع البحرين في أجواء مغلقة تحظر على المواطنين التعبير عن آرائهم بما في ذلك المتعلقة بالانتخابات، ما يفقدها المقومات الأساسية للانتخابات الحرة، المستقلة والنزيهة.  

زاد إعدام السلطات 3 معارضين أبرياء والحكم على 19 آخرين من الحالة السوداوية التي تعيشها البحرين منذ 7 سنوات. تستند غالبية تلك الأحكام إلى اعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب، وذلك بشهادة المجتمع الدولي ومنظمات حقوقية دولية مشهود لها بالنزاهة والاستقلالية. إلى جانب الأحكام المميتة، تقتل المحاكم مئات المعارضين معنويا بنزع جنسياتهم، ورصدت منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، تجريد 232 مواطن من جنسياتهم في العام 2018، ومنذ العام 2012 تم تجريد 749 مواطن من جنسيتهم البحرينية، في أغلب الحالات كان ذلك بسبب الانتقاد السلمي للحكومة.

حول ذلك تحدث السيد إيرك غولدستين، نائب مدير منظمة هيومان رايتس ووتش في الشرق الأوسط، بقوله «إنه في الوقت الذي تدعي فيه السلطات بأن هذه الإجراءات تتعلق بقضايا الأمن الوطني، هي في الحقيقة لمعاقبة الأفراد الذين يعبرون عن امتعاضهم من انتهاكات السلطة وسياساتها».

إن تجريد مواطنين من جنسياتهم يعارض حق من حقوق الإنسان الرئيسية، حيث تنص المادة رقم 15 من العهد الدولي لحقوق الإنسان على أن «للجميع الحق في الحصول على الجنسية ولا يجب على أي شخص أن يجرد من جنسيته، أو الحق في دخول بلده».

نتيجة لتلك الضغوطات، يوجد في ألمانيا اليوم عشرات النشطاء البحرينيين، يبلغ عدد من تمت الموافقة في طلبات لجوئهم 30 شخصا. ويزداد عدد اللاجئين السياسيين البحرينيين في بريطانيا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا والعديد من الدول الأخرى، وذلك في إشارة واضحة لسوء الوضع الحقوقي والسياسي داخل البحرين.

إن ألمانيا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي تحتفظ بعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع البحرين، نعتقد أنه يجب أن تُبنى تلك العلاقات على أساس مبادئ وأهداف أخلاقية، بالإضافة إلى فوائدها الاقتصادية، ولذلك فإنه على تلك الدول أن تمارس ضغوطاتها على الحكومة البحرينية بهدف تحسين حقوق الإنسان، ووقف عقوبة الإعدام وإلغائها، بالإضافة إلى حثها على إجراء إصلاحات سياسية تستند على أسس الديمقراطية والحرية.

من المهم أن يبني المجتمع الدولي سياساته الخارجية والاقتصادية على مبدأ احترام حقوق الإنسان، وأن لا يتم التغاضي عن جرائم بشعة بحق الإنسانية من أجل صفقات تجارية لا تساوي قيمتها حياة إنسان أو سلامته.

وعليه أدعو المجتمع الدولي إلى دعوة الحكومة البحرينية والضغط عليها لإطلاق سراح المدافعين عن حقوق الإنسان الذين لديهم مساهمات دولية في هذا المجال من أمثال نبيل رجب، وعبدالهادي الخواجة، الشيخ علي سلمان والحقوقي ناجي فتيل، وكافة المعتقلين السياسيين الذين تم سجنهم زورا وظلما بسبب تعبيرهم السلمي المطالب بحقوقهم وحقوق أبناء شعبهم. لدى المجتمع الدولي القوة والقدرة للتأثير الإيجابي على ما يحدث في البحرين، ويجب عليها استخدام ذلك.

* نائب رئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان