البحرين: انتخابات تشريعية بلا أحزاب!
2018-09-24 - 4:13 ص
مرآة البحرين (خاص): في مشهد استعراضي آخر، قام ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بترأس جلسة مجلس الوزراء للإعلان عن موعد الانتخابات التشريعية الخامسة في البلاد، منذ إعادة العمل بالدستور مطلع الألفية الجديدة.
ساهم اتفاق بين حمد بن عيسى والمعارضة 2001 بإعادة العمل بالدستور لتجري أول انتخابات تشريعية في العام اللاحق. وعلى الرغم من أن أحزاب المعارضة الرئيسية قاطعت الانتخابات الأولى، لعدم وفاء الملك ببنود الاتفاق، إلا أنها عادت العام 2006 للمشاركة.
إلى جانب الأحزاب الموالية الرئيسية المنبر الإسلامي والأصالة الإسلامية، شهد برلماني العام 2006 و2010 أكبر تمثيل للأحزاب السياسية بعد مشاركة واسعة لأحزاب المعارضة الرئيسية: الوفاق الوطني الإسلامية، العمل الوطني الديمقراطي (وعد) في الانتخابات.
في برلمان 2006 حصدت الوفاق المعارضة 18 مقعدا، المنبر الإسلامي 7 مقاعد والأصالة الإسلامية 7 مقاعد. حصدت الأحزاب الثلاثة ما نسبته 80% من مقاعد المجلس. وعلى الرغم من انسحابها لاحقا من أعمال البرلمان بعد اندلاع ثورة 14 فبراير العام 2011، إلا أن الوفاق حصدت في انتخابات 2010 ذات المقاعد، فيما تقلّص عدد المنبر الإسلامي إلى 3 مقاعد والأصالة إلى 4 مقاعد لتشكّل مجتمعة ما نسبته 62.5%.
الأحزاب الموالية
مع مقاطعة المعارضة للانتخابات التشريعية الأخيرة نوفمبر 2014 وتزايد الضغوط على الأحزاب الموالية، انحدرت نسبة تمثيل الأحزاب في مجلس النواب إلى 7.5% فقط، وذلك بعد أن فاز كل من المنبر الإسلامي، الأصالة الإسلامية والرابطة الإسلامية بمقعد واحد فقط لكل منهم.
وضغط انضمام البحرين لتحالف خليجي يضم السعودية والإمارات في مواجهة التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين على الجناح البحريني (المنبر الإسلامي). وقد دفع تأييد التحالف الخليجي انقلاب المشير عبدالفتاح السيسي على حكم الرئيس محمد مرسي يوليو 2013 لانكفاء الجماعة البحرينية.
قبيل الانتخابات بشهر أعلن رئيس الجماعة علي أحمد عن عدم ترشحه للانتخابات التشريعية 2014 وكذلك فعل النائب عن الجماعة عبدالحميد المير. وبرر النائبان قرارهما بأنه جاء لإفساح المجال لكفاءات أخرى للدخول للبرلمان، لكن الجماعة، في الحقيقة، تخلّت حتى عن المنافسة في الدوائرالتي احتكرت تمثيلها منذ 2002 ومنها دائرة علي أحمد (ثالثة المحرق).
وزادت الأزمة الخليجية بين التحالف من جهة وقطر من جهة أخرى من عمق الضغوط على المنبر الإسلامي الذي انسحب من الساحة السياسية ومن النقاشات العامة بهدوء، وعمد فقط لدفع الاتهامات التي باتت توجه له بالعضوية في التنظيم الدولي والوقوف على الحياد في النزاع مع قطر.
أما جمعية الأصالة فقد تخلّت هي الأخرى عن المنافسة على مقاعد البرلمان في دوائر كانت مغلقة عليها بالكامل، ومن بينها الدائرة الأولى في المحرق التي احتكرها الزعيم السلفي البارز عادل المعاودة (تم تعيينه في مجلس الشورى)، والدائرة الثامنة في المحرق التي فاز عنها 3 مرات رئيس الجمعية غانم البوعينين قبل تعيينه وزيرا لشؤون مجلسي الشورى والنواب.
هكذا إذن، على الرغم من الصلاحيات المحدودة التي منحها الملك لمجلس النواب بموجب الدستور الذي أصدره العام 2002، إلا أن السلطة دفعت حتى الأحزاب الموالية للوراء، وباتت تفضّل لاعتبارات خارجية وأخرى محلية إنهاء التجربة البرلمانية الحزبية واستبدالها بـ «برلمان مستقلين» كما حدث في المجلس الأخير الذي هيمن على تشكيلته 37 نائبا مستقلا ليس لديهم تجارب سياسية أو حزبية.
وعلّق قيادي معارض لـ «مرآة البحرين» بالقول «لم يفِ الملك بوعوده في تطوير التجربة البرلمانية. هو يتراجع عن مشروعه الذي بشّر به (...) بدلا من الوصول إلى الملكيات العريقة أصبحت السلطة تفضّل برلمانا من المستقلين، لا مكان فيه حتى للأحزاب الموالية».
أحزاب المعارضة
أما أحزاب المعارضة فكان لها النصيب الأكبر من الاستهداف. بعد شهر من الانتخابات النيابية التي جرت في نوفمبر 2014 وقاطعتها الوفاق، اعتقلت السلطات البحرينية زعيم أكبر الأحزاب السياسية في البلاد الشيخ علي سلمان ووجهت له تهم من بينها عرقلة العملية السياسية والتحريض على كراهية النظام.
قضت محكمة بحبس الشيخ علي سلمان بالسجن 4 سنوات، قبل أن تقوم السلطات بحل جمعية الوفاق لاتهامها بـ «استهدفت مبدأ احترام حكم القانون وأسس المواطنة المبنية على التعايش والتسامح واحترام الآخر وتوفير بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف والعنف فضلا عن استدعاء التدخلات الخارجية في الشأن الوطني»، وهي اتهامات باطلة تناقضها ممارسات الوفاق.
بعد عام تقريبا من حل جمعية الوفاق، لجأت السلطات إلى حل جمعية وعد (علمانية)، ثاني أكبر فصائل المعارضة السياسية. وألحق الملك تلك الإجراءات القاسية بحق المعارضة بمرسوم (11 يونيو/ حزيران 2018) يقضي بمنع قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية المنحلة من الترشح لعضوية مجلس النواب، في ما بدا محاولة جديدة للتضييق على المعارضة السياسية قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية.
وقال القيادي في المعارضة علي الأسود في حينه، إن الهدف من المرسوم إلغاء المعارضة. وأضاف «الاستهداف هو بالدرجة الاولى لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية».
لقد ألغى المرسوم الملكي فكرة المشاركة السياسية بالكامل. فليس من حق أحزاب المعارضة ولا أعضائها الترشح للانتخابات التشريعية التي أعلن الملك عن إجرائها في 24 نوفمبر المقبل. ومع انكفاء الأحزاب الموالية لاعتبارات التحالف الخليجي ضد الإسلاميين بشكل عام والإخوان بشكل خاص، فإن البحرين البلد الوحيد في العالم الذي ينتظر انتخابات تشريعية بلا أحزاب!