إلى وزارة الخارجية الأمريكية... هذا الأمر لا علاقة له بمكافحة الاتجار بالبشر
2018-09-03 - 3:15 م
مرآة البحرين (خاص): ربما تكون البحرين قامت بخطوات جادة لمكافحة الاتجار بالبشر، إلا أن تصريح العمل المرن لا يمكن اعتباره من بين تلك الخطوات في هذا المجال، لأنه ببساطة لا يحمي البشر (العمال الأجانب) وإنما يستغل حاجتهم المادية.
في (27 يونيو/ حزيران 2018) كرّمت الخارجية الأمريكية الرئيس التنفيذي لهيئة سوق العمل رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص أسامة العبسي لجهوده في هذا المجال، قبل أن يستقبله ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة (29 أغسطس/ آب 2018) مبتهجا بانجازه.
ووفقا لبيان رسمي فإن الإنجاز جاء «لقيام مملكة البحرين بمجموعة من الخطوات المهمة في مجال تعزيز وصون حقوق العمالة خلال السنوات الماضية وقد تم تكليف العبسي بإنجاز عدد من تلك الملفات منها إطلاق تصريح العمل المرن كأول مشروع على مستوى المنطقة لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة بما يجنبها الاستغلال أو الابتزاز أو الاتجار».
لم يشر البيان إلى الخطوات المهمة التي اتخذتها البحرين، واكتفى بالإشارة إلى تصريح العمل المرن، وهو نظام يشتري فيه العامل الأجنبي إقامة لسنتين من الحكومة مقابل 449 دينار و 30 دينار شهريا لمدة سنتين. نظام ببساطة ينقل استغلال العمالة الرخيصة من «تجّار الفيز» إلى الحكومة ممثلة بهيئة تنظيم سوق العمل التي يترأسها العبسي.
لقد سجّل مدافعون عن حقوق العمال ملاحظات على تطبيق النظام تشير إلى أن دوافعه لم تكن تتعلق بأي شكل من الأشكال بحماية العمال إنما باستغلال حاجتهم للبقاء في السوق البحريني. ووفقا لطبيعة المهارات التي يحملها هؤلاء العمال، فإن الرسوم التي تأخذها الحكومة عليهم تعتبر مرتفعة وهو ما قد يعرّضهم للاستغلال مجددا في سبيل تأمينها.
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال عملهم لساعات طويلة مقابل أجور منخفضة، فضلا عن اضطرارهم للعمل في أكثر من مهنة وبشكل مخالف للقانون. «عمال النظام المرن (...) يوميًّا يقومون بتغيير وظيفتهم من عامل بناء إلى عامل كهرباء وصباغة وغيرها من المهن» يقول أحد التجار البحرينيين.
دوافع مالية
وما يثير الشك بشأن الدوافع التي تقف وراء النظام الجديد أنه لا يشمل العمال الذين اضطروا لترك وظائفهم بسبب المعاملة القاسية أو الاستغلال من قبل الكفيل، كما أن النظام لا يسمح بانتقال العامل المكفول إلى تصريح العمل المرن.
ويقول أسامة العبسي مطمئنا التجار البحرينيين وأصحاب الفيز «لا يشجع (النظام) على أن يترك العامل صاحب العمل، ومن يدخل ضمن هذه الفئة سوف لن يقبل في النظام، كما أن النظام لن يقبل انتقال العامل من صاحب عمل ليصبح من العمالة المرنة».
ويضيف العبسي «النظام محدد فقط بالعمالة المخالفة من غير فئة تاركة للعمل، أي العمالة التي ألغى صاحب العمل تصريح عملها أو لم يجدده (...) إنه لن يؤثر سلبًا على القطاع التجاري، ولن يؤدي إلى تفريغه من العمالة الماهرة، كما أنه وبهذه الشروط لن يؤدي إلى هروب العامل أو تركه للعمل للانضمام للنظام».
إذا كان النظام لا يشمل العمالة الهاربة تحت الاستغلال، ويهتم بالترخيص لعمّال غير ماهرين لم يتم التجديد لهم من قبل أصحاب أعمالهم أو تجار الفيز، فما هو الهدف من هذا النظام إذن؟
تزيد تلك الاعتبارات القناعة بأن العوائد المالية هي أحد أبرز دوافع النظام الجديد، إذا ما عرفنا أن إجمالي الرسوم التي يدفعها العامل تصل إلى 1180 دينار (3129 دولار أمريكي)، إلى جانب استهداف النظام الجديد الوصول إلى 48 ألف عامل خلال عامين بمعدل 2000 عامل شهريا!
وفقا لهذه الأرقام، كانت هيئة تنظيم سوق العمل تأمل في أن تجني 56 مليون و640 ألف دينار خلال سنتين من وراء هذه العمالة الرخيصة، دون أن تجيب على تساؤلات محورية بشأن ما إذا كان سوق العمل يستوعب هذه الكتلة؟ وما هي الظروف الاقتصادية التي يعيشها هؤلاء العمال غير المهرة؟ كيف سيؤمّنون هذه الرسوم الضخمة وتحت أي الظروف؟ وما إذا كانوا سيضطرون لمخالفة قوانين أخرى في البلاد في سبيل دفع تلك الالتزامات المالية؟
حتى اليوم تظل تلك الأسئلة مفتوحة لترجّح أن المردود المادي الكبير هو ما كانت تفكر فيه حكومة البحرين التي تسعى بشتى الوسائل لزيادة إيراداتها لمواجهة الأزمة المالية ولو كان على حساب الاستقرار الاجتماعي أو استغلال حاجة العمال الفقراء.
ولعل الكلفة المرتفعة هي ما دفع العمال الأجانب المستهدفين لعدم الاشتراك في النظام، حيث كان من المقرر أن يصل عدد العمال مع نهاية شهر يوليو الماضي إلى 24 ألف عامل، إلا أن العبسي قال في مقابلة صحافية أمس الأحد «إن 5 آلاف شخص فقط حصلوا على تصريح العمل المرن منذ إطلاقه في يوليو2017، أي أقل من ربع العدد الذي أعلن عنه كعدد متوقع في بداية إطلاق النظام 2000 تصريح شهرياً».
وليس بعيدا عن الغايات المالية لهذا النظام، فقد أكدت الحكومة أن أحد آليات معالجة العجز الاكتواري الذي تواجهه هيئة التأمينات الاجتماعية يمر عبر مساهمة الأجانب في الصناديق مرة أخرى.
وضمّنت الحكومة خطة رفعتها إلى السلطة التشريعية (15 يوليو/ تموز 2018) لإنقاذ صناديق التقاعد مقترحا «بإعادة تفعيل التأمين على الأجانب في القطاع الخاص الذي تم إيقاف العمل به مؤقتًا منذ 14 مايو 1977، واستحداث نظام للتأمين على الأجانب في القطاع الحكومي أسوة بالمعمول به في القطاع الخاص».
ورأت الحكومة أن ذلك سيزيد في الملاءة المالية للصناديق التقاعدية، خصوصا أن هناك 503791 عاملا أجنبيًا في القطاع الخاص، و19310 عمال أجانب في القطاع الحكومي.
الحقيقة على العكس مما جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الذي اعتبر النظام المرن "إنجازًا نوعياً غير مسبوقٍ في مكافحة الإتجار بالأشخاص" و"أول مشروع على مستوى المنطقة لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة بما يجنبها الاستغلال أو الابتزاز أو الاتجار". فهذا النظام لم يسهم أبدا في وقف استغلال حاجة العمالة الآسيوية الرخيصة؛ إنما قام فقط بتغيير اسم المستغل من «تجّار الفيز» إلى الحكومة، ووضع قانونا متكاملا من أجل ذلك. إن البحرينيين يعاينون الظروف التعيسة التي يعيشها هؤلاء من أجل دفع الرسوم إلى «تاجر الفيز» الذي جلبهم للبحرين على أمل الثراء، ثم إلى حكومة جشعة تريد مواجهة أزمتها المالية على حساب تعاستهم. غير أنّ البحرين غدت تمتلك شهادة زائفة من حليف إستراتيجي يبصم على ما تقوم به من إجراءات ضدّ حقوق هذه العمالة.