جاسم السعيدي.. بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في عامين فقط

لكي تعرف كيف تسير الأمور في البلد يكفي أن تشهد استقبال وزيرا العدل والداخلية لجاسم السعيدي لتهنئته بالدكتوراه!
لكي تعرف كيف تسير الأمور في البلد يكفي أن تشهد استقبال وزيرا العدل والداخلية لجاسم السعيدي لتهنئته بالدكتوراه!

2018-08-25 - 9:45 ص

مرآة البحرين (خاص): إثر تداعيات أحداث 2011، تيقّنت السلطة من خطورة ترك الفجوة الكبيرة، بين البحرينيين المحسوبين عليها والمحسوبين على المعارضة في امتلاك الشهادات العليا. كان واضحاً أن الهوّة تنحدر بشكل سحيق لصالح كفّة المعارضة، فقد قطع أفرادها شوطاً كبيراً في تحصيل الشهادات العليا وفي تخصصات تتطلّب كفاءات علمية ومهنية عالية، الأمر الذي تسبب فعلياً في شلّ حركة البلاد خلال فترة الاحتجاجات. كان لا بد للسلطة من القفز لردم هذه الفجوة بشكل مكوكي، شرّعت لأتباعها ومواليها الحصول على الشهادات بأي شكل ممكن، وقامت بدفعهم ودعمهم مادياً ولوجستياً، لا تسأل كيف ولا من أين لك هذا، يكفي أن تأتيني بشهادة!

في يناير 2012 أعلن ملك البحرين عن تعديلات دستورية، تجعل من المؤهل الجامعي شرطاً من شروط الترشّح للانتخابات النيابية. اشترطت التعديلات الدستورية آنذاك أن يكون المرشح للمجلس النيابي حاصلاً على شهادة البكالوريوس أو الليسانس من إحدى الجامعات المعترف بها أو ما يعادلها، فيما كان كافياً حينها أن يجيد المرشح قراءة اللغة العربية وكتابتها فقط.

كان ذلك بمثابة جرس إنذار لعدد من البرلمانيين الذين قامت السلطة بدعمهم للفوز بمقاعد انتخابية منذ العام 2002، فيما هم لا يمتلكون مؤهلاً دراسياً، فضلاً عن المؤهل الجامعي، بينهم رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، والنائب السلفي جاسم السعيدي، الأمر الذي سيكون معه من المحال الترشح لدخول قبّة البرلمان مجدداً في الدورة التالية في حال إقرار هذه التعديلات.

في فبراير 2012 أقرّ النواب 21 تغييراً على التعديلات الدستورية، تم ضمنها رفض هذا التعديل، ورغم إسقاطه، إلاّ أن افتقار رئيس مجلس النواب أو النائب إلى المؤهل الجامعي بقى أمراً محرجاً للنظام والنائب معاً.   

على صفحته (الفيس بوك) يضع السعيدي في بروفايله أنه حصل على البكالوريوس من "جامعة أوروبا الإسلامية"، وهي جامعة مقرها هولندا، لكنه لا يحدّد تاريخاً لهذا المؤهل. ثم يخبرنا أنه حصل على الماجستير من جامعة "لاهاي الدولية" الغنية عن التعريف، وأن رسالته عنوانها "العقيدة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنّة"، وقد أشرف عليها الشيخ موفق الدليمي، وهو شيخ عراقي مقيم في البحرين، وممثل "جامعة أوروبا الاسلامية"، وقد شغل في البحرين منصب المستشار الشرعي بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وعمل أستاذاً للشريعة والفقه الإسلامي في الأكاديمية الملكية للشرطة.

قبل ذلك، لم يكن أحد يعرف أن السعيدي يمتلك شهادة جامعية، أو هكذا عرف الجميع من خلال سيرته التي ترشّح بها لانتخابات 2002، فضلاً عن شهادة الماجستير التي بدت وكأنها نزلت عليه من السماء. وكانت المفاجأة الأخرى حصول السعيدي في ديسمبر 2012، على شهادة الدكتوراة من جامعة "لاهاي الدولية" نفسها، بعد أن استضافت جامعة البحرين مناقشة أطروحته!!!

لكن المضحك أن جامعة "أوروبا الاسلامية" التي حصل منها السعيدي على شهادة البكالوريوس لم تفتتح رسمياً إلا في أكتوبر 2010، فيما حصل السعيدي على الدكتوراه في ديسمبر 2012، فمتى تمكن من إنهاء البكالوريوس، ومتى أنهى الماجستير، حتى يتمكن من إنجاز الدكتوراه؟ لا بد أن السعيدي هو أحد نوابغ الزمان بحيث تمكن من طي مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراة والتي تستغرق عادة ما لا يقل عن 10 سنوات، طواها في عامين فقط لا غير، ولا يسألن أحد كيف ولماذا وأي الجامعات تلك!!

وفي العام نفسه، تفاجأ الناس عبر خبر نشرته وكالة أنباء البحرين في 23 سبتمبر 2012 أن جامعة لاهاي الدولية نفسها قد منحت الدكتوراه الفخرية في القانون إلى خليفة الظهراني رئيس مجلس النواب، وقد أوضح الخبر أن هذه الشهادة منحت للظهراني "تقديرا لجهوده الوطنية ودوره التشريعي في المسيرة الديمقراطية والمؤسسة البرلمانية في مملكة البحرين". وكان رئيس الوزراء هو أول من هنّأ  الظهراني على هذه الشهادة.  

لم يكن ممكناً للظهراني الحصول على شهادة عليا وهو الذي لم ينه تعليمه المدرسي بعد، لهذا جاءت الدكتوراة الفخرية كواجهة بديلة عن المؤهل العلمي. وكان احتفاء رئيس الوزراء وتهنئته وكافة الشخصيات الرسمية بعده بمثابة الإقرار الرسمي لهذه الشهادة (الواجهة).

ونشرت «مرآة البحرين» تقريراً مفصلا حينها عن هذه الجامعة الوهمية التي أسسها مجموعة من الأكاديميين العراقيين في هولندا، ونقلت مطالبات أحزاب هولندية وزارة التعليم العالي هناك باتخاذ الإجراءات ضد هذه الجامعة وغيرها من الجامعات التي تمنح شهادات وهمية. لكنّ رئيس الوزراء ومن خلفه ظلّوا يصفقون للظهراني نيله هذه الشهادة الفخرية التي وصفوها بأنها أتت عن "جدارة واستحقاق"!

ولكي نعرف كيف تسير الأمور فيما يتعلّق بدعم الدولة الرسمي للمزورين من حملة الشهادات المزيّفة والجامعات الوهمية، يكفي أن نشهد استقبال كل من وزير الداخلية ووزير العدل للسعيدي بعد حصوله على الدكتوراه المزعومة، وتهنئتهما له بالحصول على هذه الدرجة العلمية العالية من تلك الجامعة الوهمية، وقبلهما رئيس الوزراء مع الظهراني.