ألف مبروك للحمادي... "دكتوراه في حماية الجواسيس"
2018-08-13 - 12:59 م
مرآة البحرين (خاص): ربما بات التبريك واجباً للمحامي العام رئيس نيابة الجرائم الارهابية أحمد الحمادي الذي نال شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، ولكن كون رسالة الدكتوراه الخاصة بالحمادي عن حماية الشهود، فإنها تستحق بعد التبريك تقريراً كاملاً عن حماية الشهود في القضاء البحريني.
الشهود نوعان مثلما يعرف (الدكتور)، نوع مثل الشاهد المعتقل محمد المحاسنة وهذا يستحق العقاب لا الحماية، ونوع مثل الشهود السريين الذين تمتلئ أضابير القضايا السياسية في البحرين بهم.
للتعرف على موضوع الشهود من النوع الثاني يستلزم التعرف على نموذج بناء دولة الجواسيس في البحرين، وهذا الكلام ليس بعيدا عن النيابة العامة. وقبل الخوض في ذلك، لنعرف من هو (الدكتور) رئيس نيابة الجرائم الارهابية؟
لقد مر (الدكتور) بمرحلتين، الأولى كان فيها اسم عائلته بوجيري، والثانية صار اسم عائلته الحمّادي، هذا الأمر ليس مزحة ولا سخرية من الرجل، بل هي أمور موثقة، فأحمد بوجيري كان رجلا سمينا، اسمه أحمد بوجيري وهذا الاسم استمر حتى العام 2012 تقريبا، الرجل حينما كان لديه وزن زائد كان شكله هكذا (أنظر الصورة)، وبعدها اشترك في ناد صحي في مدينة عيسى، وكان جاداً، فصار وزنه أقل وأصبح رجلا رشيقا، فحوّل لقب عائلته للحمادي، فصار أحمد الحمادي وأضاف كلمة المستشار قبل اسمه وصار شكله هكذا!
الحمادي الضابط في الأمن الوطني
بوجيري الحمّادي كان "من رجال" وزارة الداخلية، ويقول بعض الحقوقيين إنه كان من أفراد جهاز الأمن الوطني السيء الصيت، وبعد تصويت الشعب على ميثاق العمل الوطني في العام 2001، ابتعث الجهاز عددا من أفراده، ليدرسوا القانون داخل البلاد أو عبر الانتساب لجامعات عربية، لم يكن كثيرون يعرفون المغزى حتى تم إنشاء النيابة العامة، لتكون (كما يفترض) سلطة تحقيق قضائي مستقلة، لكن الديوان الملكي كان يفكر في دولة ونيابة من نوع آخر، دولة جواسيس، ونيابة يرأسها جمع منهم، لذا ملأ الملك -الذي يملك وحده حق التعيين- النيابة بالضباط السابقين، وأفرادا من جهاز الأمن الوطني، باختصار ملأها بالعسكر والجواسيس، ويكفي النظر في السيرة الذاتية للنائب العام علي فضل البوعينين، لقد تخرج من كلية نايف الأمنية في المملكة العربية السعودية، وصار عضوا منذ الثمانينات في جهاز الادعاء العام السيء الصيت التابع لوزارة الداخلية في أيام سيادة قانون أمن الدولة، ثم مديراً للشؤون القانونية برتبة عقيد في وزارة الداخلية لمدة ثلاث سنين، ليتم بعدها تعيين العقيد السابق محاميا عاما للنيابة العامة، ليخلف النائب العام السابق عبدالرحمن بن جابر آل خليفة الذي كان قاضياً في محاكم أمن الدولة قبل وفاته، واستطرادا فإن نايف بن عبدالرحمن تم تعيينه قاضياً بالمحكمة الكبرى المدنية من الفئة (أ) ورئيساً للنيابة العامة من الفئة (ب) ليرث مقعد أبيه كقاض.
أما الدكتور أحمد الحمادي وبعد أن تعلّم أخيرًا في أواسط الألفينات، أصبح وكيلا ثم رئيس نيابة، ثم أصبح رئيس نيابة الإرهاب بعد إنشائها، ثم بعد فترة من ارتكاب جميع الموبقات في نيابة الإرهاب تم ترقيته ليكون - إضافة لمنصب رئيس نيابة الإرهاب- محامياً عاماً في النيابة العامة ومعه ثلاثة آخرون يحملون نفس المسمى، بينهم أسامة العوفي الذي له قصة صعود أخرى.
الحمادي حين كان اسمه بوجيري، ظل يعمل في البداية في نيابة المحافظة الوسطى، وقد تنقل من نيابة لأخرى، ثم أصبح في 11 ديسمبر من العام 2014 رئيساً لنيابة الجرائم الإرهابية ويعمل تحت إمرته ثمانية من وكلاء النيابة العامة.
هناك قصة رائعة تبيّن كفاءة الحمادي في الحفاظ على أسرار عمله وحماية معلومات الضحايا، ففي العام 2006 حيث تم قتل شابة من منطقة سار وهي من عائلة الجلاهمة، كان القاتل يعمل طباخاً لدى الأسرة وبسبب خلافات تتعلق بشؤون المنزل قتل الطباخ الفتاة الشابة، وقد اعترف القاتل بجريمته أمام الحمادي (حينها كان لقبه بوجيري). انتهى الدوام وغادر الحمادي مقر العمل لكنه حمل معه ملف القضية، وهناك أتاح للمقربين منه مشاهدة صور جثة الشابة القتيلة، وهو الأمر الذي يشكل خطيئة مهنية مدمرة، وصلت المعلومات للنائب العام الذي استدعى الحمادي (بوجيري) ووبخه بشدة، قبل أن يقوم باستبعاده من القضية وإسنادها لرئيس نيابة آخر.
الشهود السريين ليسوا إلا جواسيس
بالعودة لعنوان رسالة الدكتوراه (حماية الشهود) يجب معرفة كيف تجري حماية الشهود من النوع الثاني (الشهود السريين). آلاف معتقلي الرأي في البحرين، تمت إدانتهم عبر الشهود السريين.
القضاة البحرينيون المعينون من قبل الملك، والذين اعتادوا تكييف القانون بما يخدم أحكامهم المسيّسة، يلجؤون إلى التلاعب بتطبيق مراحل اليقين القضائي باستخدام (الاطمئنان). فالقضاء الجنائي في البحرين يستخدم صلاحياته في (الاطمئنان) لأقوال المصادر السرية والشهود السريين لتثبيت الإدانة ضد المحكومين السياسيين وإدانتهم.
أحد المحامين، قال لمرآة البحرين "أعتقد أن هذه الدراسة مدفوعة الثمن مثل شهادة الدكتوراه الخاصة بالنائب العام علي فضل البوعينين، فكل العاملين في النيابة العامة من صغيرهم لكبيرهم يعرفون أن رسالة الدكتوراه الخاصة بالنائب العام كتبها أستاذ قانون تونسي كان يأتي يوميا لمكتب البوعينين، ليفصل معه الرسالة ويدربه كيفية تقديمها".
ويضيف "وبغض النظر عن ذلك فإن المضحك أن الحمادي قدم الدراسة حول موضوع الشهود السريين، يالها من مفارقة، صحيح أن حماية الشهود أمر نص عليه قانون الإجراءات الجنائية في البحرين، وحماية الشهود منصوص عليها، لكن ليس إلى درجة حجب الشهود عن المحامين وعن المتهمين، وهذا ما يجري في محاكم البحرين، إذ وصلت المسألة إلى حجب الشهود عن المحكمة، وكل من يتابع من المحامين يعرف أن القضاة رفضوا عشرات المرات حضور الشهود للمحكمة، ثم تتم الإدانة اطمئنانا من المحكمة لشاهد لم تره ولم يره المحامون ولا المتهمون الذين يتم إيداعهم السجن بالآلاف استناداً إلى هذه المسخرة التي تسمى الشهود السريين".
ويواصل "حين لا يتذكر بعض الشهود السريين أي شيء عن القضية التي جاءوا للشهادة فيها، يتم حجب معلومات الشهود السريين كلها عن القاضي والمحامي والمتهم، وهذه بدعة ما بعدها بدعة، إذ كيف يحكم قاض على متهم بناءً على اطمئنانه لشاهد سري لم يره، وكيف يقبل محام بمثل هذا الحكم وهو لم يستطع مناقشة الشاهد السري".
ويؤكد "الشهود السريين قانونيا هم أشخاص يجب أن يسجلوا لدى النيابة العامة كشهود ويعملون بعلمها، وكل من هو غير مسجل مثل موظفي الداخلية أو جهاز الأمن الوطني الذين يأتون كشهود سريين هم ليسوا إلا جواسيس مظفون يعملون لهذه الجهات، فهم يستلمون رواتبهم وأوامرهم من الأجهزة الأمنية وهؤلاء قانونا يسمون جواسيس وليسوا شهودا سريين، إذ لا يوجد أحد يعرفهم سوى الأجهزة الأمنية التي تديرهم، وأحيانا النيابة العامة تأخذ إفادتهم فقط في جلسات لا تدري هل هي حدثت فعلا أم لا".
يقول محام آخر "في قضية التخابر التي أتهم فيها زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان وآخرون بالتخابر لصالح دولة قطر، قدمت هيئة الدفاع طعناً في دستورية تفسير النيابة والمحكمة لعدم الزامية حضور الشاهد السري أمام المحكمة وهيئة الدفاع، لكن تم رفضه (...) تصوروا قضية بهذا الحجم يتم فيها رفض حضور الشاهد السري".
قانوني آخر عمل معه يقول "بسيرته (الحمادي) يُعد أوضح دليل على فساد النيابة العامة في البحرين، هناك حقائق حول ما فعله الحمادي، ومن الثابت لدينا وجود عدد من المتهمين الذين لا نستطيع إعلان أسمائهم حالياً، لم يكن الحمادي يحقق معهم إلا بعد منتصف الليل، حينها يكون المعتقلون متعبين ومنهكين من التعذيب على أيدي جلادي وزارة الداخلية، يبدأ التحقيق معهم في هذا الوقت المتأخر، بعد أن يضع مسدسه الشخصي على الطاولة، وحينما ينكر المتهم ما هو مكتوب له في الإفادة ويرفض التوقيع، يهدده الحمادي بمسدسه قائلا: سوف أفرغ هذا الرصاص في رأسك إن لم تعترف، طبعا قد تتساءلون: أين محامو هؤلاء المتهمين؟، باختصار الحمادي لا يعترف بهذا ولا يسمح للمتهم بالاتصال بمحاميه كي يحضر معه التحقيق، ولا هو يبادر كجهة تحقيق بالاتصال بمحامي المتهم، وحينما يعجز الحمادي عن إخضاع أي متهم، فإنه يأمر رجال الداخلية بإعادة المتهم للتعذيب وله جملة معروفة: نَضْجُوه ورَجْعُوه".
يتابع "حتى مع العاملين لديه في النيابة، نسمع شكاوى منهم من تعامله الصلف بحسب تعبيرهم، هم يصفونه بأنه شخصية حقيرة جداً في التعامل، فإذا كان العاملون في النيابة التي يرأسها يشكون منه، فكيف بالمتهمين".
واحد من أهالي المعتقلين التقت به مرآة البحرين، أكد أن أخاه المعتقل أكد له خلال إحدى الزيارات أن أحمد الحمادي حضر شخصيا جلسة تعذيب تعرض لها، وأن الحمادي هددهم عدة مرات في النيابة العامة أنه سيعيدهم للتحقيق والتعذيب مجدداً.
قد يسأل أحد، هل يمكن للتقارير الدولية عن القضاء والنيابة العامة في البحرين من تغيير شيء في هذا الجهاز. الجواب تجدونه عند النائب العام العقيد السابق علي فضل البوعينين الذي قال: مستمرون في عملنا مهما قيل.
يعرف القريبون من الحمادي أن لديه حالة من الحقد تجاه ترقية زميله وائل بوعلاي الذي تم تعيينه وكيلا لوزارة العدل والشؤون الاسلامية، ولديه حالة تنافس مع عدد من زملائه المحامين العامين، لذلك فعل ويفعل وسيفعل كل شيء ليترقى، ولهذا ربما بادر لنيل شهادة الدكتوراه بأقصر الطرق ليصبح مثل رئيسه البوعينين دكتورًا، لعل وعسى تأتي رياح التعيينات بما تشتهيه نفسه ويصبح هو النائب العام.
أحد الحقوقيين علّق مازحًا على خبر نيل الحمادي الدكتوراة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، بقوله "الرسالة باعتقادي ستكون جيدة أكثر لو جعل عنوانها: حماية الجواسيس".