البحرين: هل كسر قانون التقاعد «الصمت السياسي» في بلد يوشك اقتصاده على الانهيار!
2018-06-25 - 7:22 ص
مرآة البحرين (خاص): على امتداد التاريخ، تتصرف العائلة الحاكمة في البحرين فيما لا تملك. فإذا كانت الأراضي تسرق وتصادر وتفرض ضرائب بالإكراه على ملاكها الفقراء الذين يحرثونها ليقتاتوا منها في زمن عيسى بن علي، فإن الأموال التي تستقطع باسم اشتراكات التقاعد، على مدى 40 عاما من الكدح، كادت، ولا زالت، تتعرض إلى مخطط للاستيلاء عليها وسرقتها. كان، ولا زال، يمكن أن يخرج هذا المواطن المنهوك الذي ينتظر بفارغ الصبر سن التقاعد، بخفّي حنين، بعد كل التعب الذي عاناه في مسيرة حياته المهنية.
فجأة، ودون أي مقدمات، اقترحت الحكومة تغييرات جذرية على قانون هيئة التأمين الاجتماعي الصادر قبل 10 سنوات فقط، والذي صادق عليه بالمناسبة ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، بصفته ملك البحرين بالإنابة.
التعديلات على قانون التقاعد الجديد (قانون هيئة التأمين الاجتماعي) كانت ستعطي الحق لمجلس إدارة الهيئة (الذي يعينه الملك، والذي استبعد منه بشكل غير قانوني عام 2011 ممثلو عمال القطاع الخاص الذين يرشحهم الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين) صلاحيات مطلقة في تحديد امتيازات المتقاعدين.
وفقا للتعديلات فأنه يمكن للهيئة تحديد سن التقاعد وتغييره على مزاجه وقت ما يشاء، وبأن ترفض طلبات التقاعد المبكر دون محدّدات، وبأن تحدد مكتسبات المتقاعد وما يحق له من قبل مكافأة نهاية الخدمة والزيادة السنوية في الراتب (والتي ربما أيضا تنقلب إلى نقصان)، ومخصصات الورثة عند الوفاة، كما أنّها ستمتلك الحق أيضا في زيادة نسبة الاستقطاع من رواتب الموظفين، تحديد مدة احتساب متوسط الراتب (التي كانت آخر سنتين من العمل)، تحديد المدة المؤهلة لاستحقاق المعاش، تقرير السماح بضم مدد افتراضية وتحديد طريقة احتساب تكلفة ضمها وآلية سدادها.
كل هذا لن يكون منصوصا عليه بقانون حتى، بل سيكون لعبة تتداولها هيئة يعينها الملك، وتغيّر فيها بحسب ما ترى، كل مرة، من دون أن يكون لدافع هذه الرسوم أي حق بالمشاركة في هذا القرار، ولو عن طريق ممثّله الصوري في مجلس النواب.
وعلى الرغم من كل ما قيل عن مخاوف أن تواجه هيئة التأمين عجزا اكتواريا بسبب سوء إدارة الاستثمارات فيها أصلا، خلال كل هذه السنوات، أعلنت الدولة مؤخّرا نيتها أن تفتح الباب أكبر على المقامرة بأموال العمّال، أو ربما الاقتراض منها لأجل سد عجز ميزانيتها وميزانية مشاريعها مجهولة المصير، كمشروع توسعة مصفاة شركة بابكو، دون رقيب أو حسيب أيضا.
يبدو هذا طرازا جديدا من الاستحواذ الناعم على أموال الناس، وحقوقهم. ليست هذه الهيئة سوى صندوق مالي، يتشارك فيه المواطنون المسجلون كموظفين، وأرباب أعمالهم، لكي يحفظ لهم راتبا ثابتا بعد تقاعدهم. وعليه فإن الصندوق كله أموال الموظفين، لكنّه، وبحكم نظام هذه البلدان، يقع تنظيميا تحت إدارة وسيطرة الحكومة، مع أنه يجب أن يكون بطبيعته هيئة مستقلة غير حكومية، تمثّل إدارتها أصحاب المصلحة، وتضع قانونها ولوائحها الخاصة بها بنفسها، عبر جمعية عمومية ومجلس إدارة منتخب.
لقد شكّل سحب التعديلات المقترحة على القانون، عبر بيان صادر عن الديوان الملكي نفسه، شكلا نادرا من الرضوخ لضجيج الناس واحتجاجهم. فرغم أفول نجم المعارضة السياسية والرأي السياسي المقابل والناقد، تحرّكت آلات الإعلام الاجتماعي فيما يشبه الإجماع على رفض هذا التلاعب وعدم السكوت عنه، رغم توجّه النظام الجاد والصارم نحو تمريره عبر اقتراح مستعجل للبرلمان.
قد لا تشبه هذه الحالة من الضجيج والاحتجاج والتظلّم، تماما تظاهرات واحتجاجات الشارع ضد حكم عيسى بن علي وممارساته في عشرينيات القرن الماضي. لكنّها على الأقل خروج عن الصمت السياسي المطبق أمام سيل القوانين والإجراءات التعسفية، ومطرقة الصمت التي نزلت بها الحكومة على رؤوس الناس على مدى أكثر من عام، لتستطيع أن تمرر أجندتها السياسية الخارجية والداخلية، فضلا عن الاقتصادية، بكل هدوء.
ربما أعطت الاحتجاجات الواسعة على ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية في دول بينها الأردن والمغرب (أنظمة ملكية) إشارات جادة بأن هذا النوع من العبث بمصائر المواطنين قد ينسحب على أي رقعة جغرافية، خصوما وإن حالة الإجماع على رفض مثل تلك الإجراءات يمكن لها أن تتجاوز الخلافات السياسية أو القبلية أو الطائفية.
ولكن، في ظل غياب معارضة ممنهجة في البحرين، وسكوت قسري شبه كامل لتيار المعارضة التقليدي، هل يمكن أن تنكسر حالة الصمت السياسي في مواجهة نظام أوصل الدولة إلى حافة الإفلاس، وجعل اقتصادها المتعثر على وشك السقوط؟ الله وحده أعلم!