وليد نويهض في ندوة عن ثورة البحرين: تجاذب ’الفاتح’ و’الدوار’ أدخل البحرين في المشهد الإقليمي

2012-06-26 - 3:15 م


مرآة البحرين (خاص): في ورقته التي قدمها خلال ندوة بعنوان "ثورة الـبحرين: التكوين الداخلي والمؤثر الجيوستراتيجي"، راى الصحافي اللبناني وليد نويهض أن السلطة في البحرين تحرّكت فوقياً لاستيعاب المتغيّرات بالانتقال من نظام الإمارة إلى المملكة الدستورية"، مشيرا إلى أن "التدخّل الأجنبي وزّع القبيلة الواحدة إلى مجموعات أسرية مستقلّة ولعب دوره في تفريع المذاهب الإسلامية إلى مدارس ومراجع".
 
وقال نويهض خلال الندوة التي نظمت في  "قاعة مركز دلتا للأبحاث المعمقة" في منطقة الصنائع ـ بيروت، إن "حالات القبض والبسط التي كانت تحيط بالبحرين كانت ناتجة أصلاً عن موقعها الاستراتيجي وما يتشكّل منه وعنه من صراعات محلية قبلية بهدف مدِّ النفوذ والسيطرة على المواقع المطلّة على خطوط التجارة وصيد اللؤلؤ وغيرها من معارك سطو على القوافل والثروات"، واضاف "بسبب الجغرافيا تشكّلت سياسة تأسّست على فكرة الغزو وما يتضمّنه من تحالفات قبلية وائتلافات إقليمية كانت تستغلّ نقاط الضعف للعبور أو تستفيد من تنافس العائلات الأهلية على الزعامة المحلية للتدخّل والتحكّم بالجزر".
 
وأوضح أن "التدخّل الدولي وما نقله ومثله من تحديث فوقي في التعاطي التجاري والتعامل السياسي (إصدار الحاكم البريطاني قانون البحرين سنة 1913)، أسّس حالات من التعارض داخل القبيلة"، فـ"شهدت وحدتها الانقسام ما دفع القبائل المتجاورة إلى ترتيب تحالفات وفق قنوات وآليات أدخلت عليها تعديلات حتى تكون قادرة على الانسجام والتكيّف مع المتغيّرات في إطار تفاهمات نجحت في إعادة هيكلة منظومة علاقاتها الداخلية". ولفت إلى أن "القبيلة في البحرين لم تعد متماسكة اجتماعياً كما كان حالها، ما اضطرّها لاحقاً إلى البحث عن هوية جامعة تعوّض خسارة التماسك القبلي".
 
واعتبر أن "هذا التطوّر الناجم عن التدخّل الأجنبي واختلاف أنظمة المعاش (الدخل)، وزّع القبيلة الواحدة إلى مجموعات أسرية مستقلّة (علاقات متقلّبة) ترتبط بمنظومة علاقات شبه قبلية (زواج، مصاهرة) متجاورة في أصول الأنساب وموحدة في الأعراف (التقاليد السائدة) والعادات المعتقدية المحلية"، مردفا "هذا التنوّع في التكوين السكاني لعب دوره في تفريع المذاهب الإسلامية إلى مدارس ومراجع"، مشيرا إلى أن "الشيعة تقليدياً انقسموا إلى مدرستين: الإخبارية والأصولية. بينما السنّة توزّعوا على المذاهب المالكية والشافعية والحنبلية إضافة إلى أقلية من الأحناف".
 
واشار إلى أن التحوّل الاقتصادي ـ الاجتماعي الريعي الطارىء والسريع ما كان له أن يمرّ من دون أن يترك بصماته على العلاقات الأهلية والانقسامات الإثنية ـ المذهبية"، لافتا إلى أنه في الجانب السنّي ظهرت عائلات (أسر كانو، فخرو، بستكي، القصيبي،الهجرس، الدواودة) تمارس التجارة ما أتاح لها تلك الفرص لنمو فئات متعلّمة تطمح إلى التقدّم السياسي في اتّجاه السلطة"، مضيفا "في الجانب الشيعي ظهرت قوّة القضاء واستقلاله النسبي ما دفع العلماء إلى التعاطف مع الإصلاحات الإدارية والتنظيمية والتشجيع على تطوير سياسة التوظيف لكونها تشكّل القناة القانونية لكسر الاحتكار التجاري، وفك إطار العزلة".
 
ولفت نويهض إلى أن "انتقال البحرين من القبيلة (المجلس المحلي) إلى البرلمان لم يحصل فجأة ودفعة واحدة أو لعوامل داخلية فقط وإنّما جرى على دفعات ومحطات وبتأثير قوي من الحاكم البريطاني"، مشيرا إلى أن "العودة إلى القبيلة السياسية (الجماعة الأهلية) كان بمثابة خيار مفروض بالقوة السلطوية، لكنّه أيضاً جاء رداً على التهميش الذي تصادف عنفه مع ظهور تحوّلات إقليمية ونموّ تيارات الإسلام السياسي وما شكّله من قوّة استقطاب أخذ يجذب الجيل الطالع إلى صفوفه".
 
وتابع: "بعد العام 2000 شهدت البحرين بدايات تحوّل تمثل في الانفتاح على المعارضة الأهلية وإعطاء فرص للعودة إلى العمل السياسي في إطار الإتّحادات والنقابات والجمعيات والصحافة، تحت سقف قانون فرضته متغيّرات طرأت على البنية السكانية للمنظمات والهيئات، التي كانت مطاردة أو محاصرة في القرى والبلدات والأحياء"، مضيفا "البنية السكانية للقوى السياسية لم تعد متشابهة مع تلك الجمعيات (الوطنية أو القومية أو اليسارية) التي كانت تتحرّك ميدانياً في السبعينات والثمانينات"، مشددا على أن "السلطة التي تحرّكت فوقياً لاستيعاب المتغيّرات بالانتقال من نظام الإمارة إلى المملكة الدستورية لم تكتشف ذلك الاختلاف إلا بعد فوات الأوان في اعتبار أنّ البحرين لم تعد جزيرة العزلة واللجوء وبعيدة عن جغرافيا المحيط وسياساته الإقليمية".
 
ورأى نويهض أن "هذه التطوّرات ساهمت في إنتاج سياسات أحدثت انقلاباً في التصوّرات والتحالفات بعد إخراج العراق من معادلة التوازن في منظومة الخليج الإقليمية"، موضحا "حين جاء التحوّل البحريني وانتقال السلطة إلى الملكية الدستورية وإعادة فتح البرلمان بعد إغلاق قسري دام 27 عاماً كانت المصادفات المضادة أقوى من كل التوقّعات".
 
وذكر أن "البحرين عاشت خلال الفترة الممتدة من العام 2000 إلى مطلع العام 2011 حالات من النمو القلق في الاقتصاد الريعي المترافق مع استقطابات أهلية، أخذت تشد وتجذب قنوات التوتّر الإقليمي إلى الداخل"، مشيرا إلى أن "الجزيرة التي شهدت الانفتاح الجغرافي على الجوار أخذت بمعاصرة التحوّلات الإقليمية من خلال الفضائيات وشبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي، ما كان له أثره في رفع درجة التوتر والامعان في تفكيك عناصر التلاحم الوطني وبعثرة موازين القوى على مواقع الكومبيوتر التي انشطرت أهلياً إلى هيئات وجمعيات متجانسة محلياً مع مراكز النفوذ في القرى والأحياء". واكد أن "هذا المسار القلق والمتقلّب أخذ يتّجه رويداً إلى المزيد من الانغلاق وبدأ يفتح الباب نحو التصادم حين تتوافر الفرصة وتأتي المناسبة".
 
وقال إن "اللحظة الانفجارية في 14 فبراير/ شباط 2011 التي واجهت سلطة فاشلة ومنغلقة على التنوّع السكاني للجزيرة، جاءت في وقت انفرط فيه "عقد اللؤلؤ" وتوزّعت حبّاته إلى كرات متفرّقة على المجموعات الأهلية"، موضحا أن "انفراط العقد تاريخياً وانهياره تجارياً منذ ثلاثينات القرن الماضي احتاج إلى نحو قرن حتى يأخذ مداه الزمني ومجاله الحيوي لينفرط سياسياً ويتبعثر على بيئات مناطقية / طائفية".
 
واضاف أن "تبعثر حبات عقد اللؤلؤ أعطى مفعوله السياسي حين نجحت السلطة في توظيفه لفك الارتباط العفوي الذي انفجر فجأة ومن دون انتباه في يوم عيد الحب"، معتبرا أن "التوظيف السياسي أدى إلى تشكيل مواقع مضادة حاولت استقطاب مجموعات أهلية خارج الدوار (تجمع موازٍ في باحة جامع الفاتح)أخذت تتنافس على توزيع الحصص والمناصب في إطار برنامج إعادة إنتاج السلطة".
 
وختم نويهض بالقول: "هذا التجاذب لعب دوره في تشويش الصورة وأفسح الطريق لدخول البحرين مجدداً في المشهد الإقليمي"، معتبرا أن "هذه الجزيرة الملجأ / المحطة فقدت وظيفتها التاريخية ولم تعد كذلك منذ حين لكنّها حافظت في حدودها الدنيا على الجزيرة الجسر (طريق العبور ذهاباً وإياباً)"، موضحا أن "هذا ما كان حين دخلت قوات درع الجزيرة البحرين من جسر الملك فهد لتوقع حبة اللؤلؤ المحمولة على أعمدة دول مجلس التعاون الست في منطقة كانت تدعى في يوم ما: الدوار".
 
من جهته، قال رئيس "منتدى البحرين لحقوق الإنسان " يوسف ربيع أن إكثر "المرويات تؤكد أن عائلة آل خليفة  دخلوا البحرين بعقلية "الفاتحين"، مذكرا أن "أن الفتح صاحبه مجازر وأحداث دامية".
 
وأردف ربيع أن الطريقة التي أدارت بها عائلة آل خليفة الدولة أورثت "اشكالا طائفيا"، موضحاً نحن نقر بوجود "اشكال طائفي" ولكن لا توجد مطالب طائفية والثورة ليست طائفية، كما يروج لها ماكينة الإعلام الرسمي".
 
واشار إلى أن "الغالبية من سكان البحرين يعيشون ظروفا اجتماعية يشكل الاضطهاد طابعا مائزا لها"، مشيرا إلى أن "هذا الاضطهاد أخذ أشكالا متعددة، ومنها مظاهر الفقر./خط الفقر، قمع الحريات بمختلف أشكالها".
 
ولفت إلى أن "تقرير البندر الذي كشفه الدكتور صلاح البندر السوداني الأصيل البريطاني الجنسية، يكشف بعمق مدى تغلغل الطائفية في تفاصيل الدولة المبني على منظومة الولاء"، مشيرا إلى أنه "يهدف إلى تقوية الوجود السني وايقاف وتعطيل الوجود الشيعي وخصوصا المؤسسات الأهلية".
 
واعتبر ربيع أن التجنيس السياسي "جزء من منظومة الولاء يكشف أن النظام القبلي لم يستطع من الاندماج كما أنه ما استطاع أن يخل بالتركيبة الديموغرافية طيلة الفترة السابقة"، مضيفا "شعر النظام أن العدد في الانفتاح السياسي يشكل أهمية فلجأ إلى مخطط التجنيس السياسي (اللعب في التركيبة الديموغرافية)، ليس لصالح طائفة إنما لصالح تقوية منظومة الولاء برغم ما لهذا المخطط من تبعات اقتصادية، ثقافية، سياسية".
 
وتابع أن "غاية الثورة في البحرين هي كسر هذا التكوين في مملكة الاستحواذ لتصحيح صورة المساواة عبر المواطنة المتساوية، وتصحيح صورة الولاء ليكون منبعه (المواطنة)"، مشددا على أن "هذا يتطلب بناء منظومة جديدة لكون الثورة حراك اجتماعي وسياسي؛ ولذا فهي ليست انتاج اليوم بل أنها وليدة العشرينات من القرن".
 
وختم ربيع بالقول: "أثبتت تجربة البحرين أن (القبلية) في الحكم قد تتبنى الكثير من الأمور التحديثية في المجتمع كالمشاريع الاستعمارية وبرامج الانعاش والانماء، ولكنها ترفض التحديث السياسي كالتمثيل الشعبي والقانون المدني الموحد".


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus