مهدي حسن: كلمات دونالد ترامب ضوء أخضر للمستبدين والجلادين في العالم

مهدي حسن - موقع ذا إنترسبت - 2018-06-07 - 5:18 م

ترجمة مرآة البحرين

كلمات دونالد ترامب ليست مضحكة، فهي تتسبب بتعذيب واغتصاب وقتل الناس في بلدان بعيدة.

فلننظر إلى حالة البحرين، وهي ليست فقط موطنًا للأسطول الخامس الأميركي، بل لما أُطلِق عليه أيضًا "الثورة المنسية" في الربيع العربي. منذ أكثر من سبعة أعوام، كانت قوات الأمن في الجزيرة الخليجية الصغيرة تطلق النار على مئات وآلاف المحتجين المطالبين بالديمقراطية وتشوههم وتخفيهم. وقد أكّد تحقيق مستقل [أُجرِي] بتفويض من الحكومة البحرينية استخدام القوة "المفرطة" و"العشوائية"، ناهيك عن الاستخدام الممنهج للتعذيب.

ولأكون واضحًا، لم تفعل إدارة أوباما للأسف شيئًا يُذكَر لإيقاف العنف في البحرين. ومع ذلك، بصفته رئيسًا، واصل أوباما على الأقل إدانة "الاعتقالات الجماعية والقوة الوحشية" وفرض حتى مجموعة من القيود على مبيعات الأسلحة الأميركية إلى المملكة.

غير أنه، وتحت إدارة ترامب، تم حتى رفع تلك القيود القليلة -وتحول الخطاب. وأعلن الرئيس الأميركي الجديد منذ عام مضى، خلال لقاء مع ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، في قمة في الرياض، في السعودية، إن "هناك علاقة رائعة بين بلادنا، لكن كان هناك القليل من الضغط. لن يكون هناك ضغط مع هذه الرئاسة".

بعد أقل من 48 ساعة، في 23 مايو / أيار 2017، داهمت قوات الأمن البحرينية قرية الدراز وأطلقت النار على اعتصام من قبل مناصري رجل الدين الشيعي الأبرز في المملكة التي يحكمها السّنة. قُتِل خمسة أشخاص، من بينهم ناشط بيئي محترم، وأصيب أكثر من مائة بجروح، واعتُقِل 286 شخصًا. وكان ذلك الهجوم الأكثر دموية على المحتجين البحرينيين منذ بداية الثورة في العام 2011 - وقد أُنجِز بمباركة رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

ولفت نيكولاس ماكجيهان، الذي كان آنذاك باحثًا كبيرًا في منظمة هيومن رايتس ووتش في شهر مايو / أيار من العام الماضي، إلى أن "توقيت العملية -يومان بعد اللقاء الودي بين الملك حمد والرئيس ترامب-  لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة".

لكن يبدو أن آل خليفة ليسوا المستبدين العرب الوحيدين الذين حصلوا ضوء أخضر في خطاب الرئيس ترامب. فلننظر إلى مصر. لقد أشاد ترامب بالرئيس عبد الفتاح السيسي على أنّه "رجل رائع"، وفقط بعد ساعات من لقائه مع ملك البحرين، تم تصويره وهو يلمس كرة متوهجة مع الرجل المصري القوي في افتتاح مركز لمكافحة التطرف في الرياض. لن تخمنوا أبدّا ما الذي حصل لاحقًا: نقلت صحيفة النيويورك تايمز في مايو / أيار من العام الماضي أنّه "عند عودته [السيسي] إلى مصر، دفعت حكومة السيسي باتجاه فرض قيود جديدة على وسائل الإعلام، ولاحقت زعيمًا سياسيًا منافسًا في المحاكم، ما أدى إلى المزيد من الضغوط على الحقوق السّياسية وحرية التّعبير".  

فلننظر إلى السعودية أيضًا. في مارس / آذار، رحب ترامب بولي العهد محمد بن سلمان، في المكتب البيضاوي، حيث وصف العلاقات الأميركية السعودية بأنها "على الأرجح أقوى من أي وقت مضى"، وقال لمحمد بن سلمان إنّ والده، الملك سلمان، قد "اتخذ قرارًا حكيمًا جدًا" بتعيينه كولي عهده وأيضًا كحاكم فعلي في البلاد. الأسبوع الماضي -بعد أقل من شهرين من زيارته إلى البيت الأبيض- أمر محمد بن سلمان باعتقال عشرة نشطاء سعوديين بارزين، بمن في ذلك مجموعة من المدافعات السعوديات عن حقوق الإنسان. (الأمر الذي يُعد ثقيلًا جدًا على الربيع العربي السعودي).

للكلمات أهميتها، ومجددًا، يبدو أن كلمات ترامب تقدم المساعدة والراحة لبعض أسوأ الحكام في العالم. في حالة البحرين، على سبيل المثال، لا جدال في أن ترامب منح المملكة الخليجية الضوء الأخضر العام الماضي لتعذيب وقتل معارضيها. وليس عليكم أن ترجعوا إلى كلامي أو حتى إلى كلام هيومن رايتس ووتش للتأكد من ذلك. استمعوا إلى شهادات ضحايا التعذيب البحرينيين أنفسهم.

في 24 مايو / أيار 2017، بعد ثلاثة أيام من التقاط صور للرئيس الأميركي مع الملك البحريني، استُدعِي المحامي في مجال حقوق الإنسان إبراهيم سرحان إلى مقر جهاز الأمن الوطني البحريني، الأكثر إخافة. ولدى وصوله، وفقًا لما وثقه خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لاحقًا، فلقد "زعم أنّه ضُرِب لحوالي نصف ساعة من قبل عناصر الأمن، الذين أجبروه على إبعاد ساقيه عن بعضهما البعض لركله على أعضائه التناسلية"، كما "تعرض لصدمات كهربائية ولإهانات متكررة". وحين حاول سرحان تذكير العناصر بحقوقه القانونية، سخروا منه واستشهدوا بشكل صريح بترامب. ووفقًا للشهادة المكتوبة لسرحان، قال له أحد العناصر:  "هاهاها، عليك أن تنسى القانون وحقوق الإنسان، لقد تغير الرئيس الأميركي، وتغير الوضع، ولقد حظي الرئيس الأميركي بما يريد الحصول عليه، ومنذ الآن، سنفعل بك كل ما نريده".

وفي 26 مايو / أيار من العام الماضي، بعد خمسة أيام من لقاء ترامب / آل خليفة، طُلِب من المدافعة عن حقوق النساء ابتسام الصائغ تقديم إفادة إلى جهاز الأمن الوطني البحريني، حيث "ضربها [العناصر] وجردوها من ثيابها واعتدوا عليها جنسيًا وأجبروها على الوقوف لساعات، وهدّدوها باغتصاب ابنتها وبتعذيب زوجها"، وفقًا لتقرير حقوق الإنسان للعام 2017 الصادر عن الخارجية الأميركية. وقالت الصائغ أن المحقق سخر منها وسألها: "هل تعلمين أنه لدينا ضوء أخضر من ترامب؟"، ولذلك، هي ترى أن  مسؤولية كل ما حدث لها تقع على عاتق الإدارة الأميركية. (وقد تم حذف أي إشارة إلى اسم ترامب في تقرير الخارجية الأميركية عند الحديث عند قضيتها).

الحقيقة هي أنّه، بترخيص من ترامب، صعّد النظام البحريني الوحشي الهجمات على المحتجين السلميين في حين كان يصدر عقوبات جماعية ضد شخصيات المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان. وتقول الناشطة البحرينية من أجل حقوق الإنسان مريم الخواجة، والتي سجن والدها عبد الهادي الخواجة مدى الحياة بسبب دوره في الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، إنّ "عدد الأحكام بالإعدام والسجن المؤبد وإسقاط الجنسية تزايد بشكل كبير منذ وصول ترامب إلى السلطة. لقد شجع ترامب البحرين ومجلس التعاون الخليجي".

وقال سيد أحمد الوداعي، وهو المدير التنفيذي لمعهد البحرين للحقوق والديمقراطية ومركزه لندن، إنّه "حين لا يستطيع النظام معاقبتنا بشكل مباشر، يلاحق عوائلنا"، مضيفًا "لقد تم التحقيق مع زوجتي أولًا وفصلها عن طفلنا. بعد ذلك، اعتقلوا أخاها البالغ من العمر 18 عامًا، وجردوه من ملابسه ليومين، وهددوه بالاغتصاب، وبعدها حكموا عليه بالسجن 13 عامًا بسبب جرائمي المزعومة".

ويواصل الكلام: "تم التحقيق عدة مرات مع والدة زوجتي، واضطروا لعلاجها في المستشفى جراء ذلك. وقد سُجِنت لثلاثة أعوام، أيضًا بسبب نشاطي".

منذ عام مضى، تعهد ترامب لملك البحرين أنّه "لن يكون هناك أي قيود مع هذه الإدارة". هذا ما يبدو عليه غياب "القيود": قتل المحتجين في اعتصام؛ معاقبة العوائل بشكل جماعي، سجن وتعذيب رجال ونساء وأطفال أبرياء.

قد نرغب بالضحك بصوت عالٍ، أو حتى بالتحديق جيدًا عندما يغضب ترامب أو يغرد، لكن حقيقة الأمر هي أنّ كلماته لها عواقب مميتة. أيدي الرئيس الأميركي ملطخة بالدماء، من البحرين إلى السعودية ومصر، وفي أرجاء المنطقة، وتقول لي الخواجة إن "الشعوب ستتذكر أي حكومات ساعدت في دعم أنظمتهم حين كانوا يناضلون من أجل التّغيير".

 

النص الأصلي