نبيل الحمر: أنا "كارلوس" الثعلب الّذي حاولوا اغتياله
2018-04-10 - 10:19 م
مرآة البحرين (خاص): من يسمع نبيل الحمر يتحدّث عن محاولة اغتياله بعبوة ناسفة سيُخيّل له أنه يستمع إلى "كارلوس" الثعلب. مستشار الملك البحرينيّ الّذي ما تزال خزينة الدّولة تنتظر تسديده نصف مليون دينار رأس مال الصحّيفة التي أسّسها في العام 1986، وأُقرض إيّاه من وزارة الماليّة، يقول كلاماً هذه المرّة يناسب الرّجال الخطرين الّذين تترصّدهم العيون ويكمِنُ لهم الأعداء والجواسيس بالمناظير؛ وليس كسارق صغير تافه.
يسأله مذيع "إم بي سي" في حوار حديث معه: تعرضّتَ لمحاولة اغتيال، أليس كذلك؟ فيقهقه قهقهتيْن صفراويْن تفضحان معاً خيشة الكذب الّتي ستليهما قبل أن يجيب متردّداً: "يعني تقريباً". هل تمّ تفجير سيّارتك؟ "نعم نعم؛ عندما كنت رئيس تحرير جريدة الأيام".
بإمكان أيّ معالج نفسيّ أن يعيد تدوير هذا المقطع الفكاهيّ من الحوار مرّتين ليكتشف الأقانيم البرزخيّة التي عبرتها هذه الكذبة المصنّعة في ظرف ثوان. من صدمة استقبال السؤال في القهقهتين الأولتَيْن هاق هاق ثم هاق هاق الثانية، إلى الحال المتشككة في إجابته الأولى "يعني تقريباً"، إلى أخيراً وصوله بعد تردّد إلى اليقين التّام عبر صيغة التوكيد اللّفظيّة "نعم نعم".
يكادُ المستشار السُّبّتيّ البذيء أن يجعل نفسه أضحوكة. إذ يفضحه اللّاوعي كلما اجتهد في تزييف الوعي.
لكن كيف كان سيتمّ اغتياله؟ لم تكن إجابة الحمر أقلّ تشككيّة ولا يقينيّة من الإجابة سابقتها. "وضعوا العبوة الناسفة تحت مقعد السيارة". يقول، ثم يستدرك "لا، تحت السيارة". ولو أمهله المذيع بُرهةً لأخذ العبوة الناسفة الذكيّة التي تتنقّل بخفّة أرنب من موضع لآخر، إلى فردتيّ الحذاء. "اهتزّ مبنى الجريدة"، يقول. ما شاء الله. مبنى وزارة الإعلام السابق في الجفير الذي لم يسدّدْ هو الآخر ثمن إيجاراته إلى الحكومة على مدى عقدين من الزّمان، اهتزّت أركانه هزّاً؛ أما السيارة نفسها فلم تتزحزح أو تترنّح.
انحصرت تلفيّاتها رغم كلّ هذا الهرْي المنضّد على لطختين دخانيتين لزجاجتيّ "مولوتوف" ضلّتا طريقهما على الطّلاء الملمّع. هذا كل ما استطاعت صحيفته الفلتة تصويره وتطويبه لقرّائها.
تتنوّع الأسباب وراء رغبة أحد في اغتيال نبيل. لمَ هو بالذّات؟ "قمتُ بسلسلة تحقيقات استقصائيّة مثيرة جداً آلمتهم". يستلّ قنبلة أخرى من الخيشة. من سمع عن تحقيق استقصائيّ لنبيل "هيرش"؟ هاتوه في الحال! لا علينا، لنواصل الاستماع له وهو يعرض المزيد من التفاصيل عن تحقيقه الأبهر الّذي حفّز أحدهم كي يكمِنَ له محاولاً اغتياله "يبدو أنهم كانوا يرصدون تحرّكاتي". يقول "قمت باستقصاء صحافي حصلت فيه على معلومات كثيرة جزء منها يتعلق بمراكز تدريب للإرهابييّن في بريطانيا وسوريا والعراق ولبنان". العراق! العراق يا نكتة أبريل؟ شكراً لصدّام حسين أن كان عوناً لشيعة ولاية الفقيه!
لم نعرف ذلك إلاّ الآن؛ هذا كشْف تاريخي جديد عن العراق البعثيّة يستحق التدوين. كدنا ننسى شبح الديكتاتور المهيب فجاء من يذكّرنا بأنه في زمانٍ ما خلال فترة حكمه بالتّسعينات، عندما قام أحدهم بتنفيذ مخطّط اغتيال الصّحافي الاستقصائيّ الفذّ، كانت بلاده هي التي تحتضن "نفق أبو رأسين" الذي تنطلق منها جحافل الإرهابيّين. من بغداد الصدّامية إلى مواقف صحيفة الأيّام "دايركت" من أجل اغتيال الليبراليّ الثوريّ الخطر.
ولم يكن ذلك بلا تمهيد أو مقدِّمات. "حصلتُ على تهديد في البداية". أي مشوا معه بالتدرّج. توضيب فلتة آخر للحبكة "المضروبة".
وكيف انتهى العرض الفكاهي؟ "رجعت إلى المكتب خلال عشر دقائق"، يقول نبيل "كتبت أقوى مقالة في حياتي". "لن ترهبونا ولن تسكتوا صوت الحق"، كان هذا عنوان المقالة التي يخبرنا مستشار الملك العبقريّ أنه كتبها في عشر دقائق أيضاً. سيكتب التاريخ أنه خلال عشر دقائق من محاولة اغتياله بعبوة ناسفة عاد مستشار الملك نبيل الحمر إلى مكتبه الذي كان في منتصف الطريق على مسافة لحظات من السيارة قبل أن تنفجر بواسطة عبوة ناسفة. وخلال عشر دقائق مثلها كتب أقوى مقالة في حياته. "كانوا يتوقّعون أنني سأخاف". ببساطة، هو لم يخف. هذا نوعٌ من العبوات الناسفة يرسل الوحي إلى المنسوفين بدلاً من الهلع والدّمار.
ألم نقل إن من يسمعه يخيّل له أنه يستمع إلى "كارلوس". الإرهابي الفنزويليّ الذي جسّد العنف السياسي خلال مرحلة السبعينات والثمانينات كان قد عرف عنه هو الآخر بكونه مقاتلاً جريئاً هادئاً قويّ القلب. كان من العاديّ أن يَقتل هدفه ثم يجلس بعد دقائق من ذلك ليتناول قالباً من الكعْك في مقهى مجاور ليشاهد ببرود أعصاب قدوم الشرطة ومعاينتها مسرح الجريمة. ويبدو أنّ "كارلوس" آخر ولد في صحيفة "الأيام"!