هل تطيح "خليّة" الفوضى الإلكترونيّة بيوسف البنخليل من رئاسة "الوطن"؟
2018-04-04 - 3:09 م
مرآة البحرين (خاص): لطالما كان يوسف البنخليل عدوّاً لموجاتِ الفوضى المنظّمة. ويزعم في كتاب وضعه تحت اسم هزْلي "هكذا تمّ تجنيدي لإسقاط النظام" بأنه تلقّى تدريباً في العاصمة النمساويّة "فينا" جعله يتعرّف عن قرب على تكتيكات الأحداث الفوضويّة الّتي اجتاحت العالم العربي في العام 2011. لكن رئيس تحرير صحيفة "الوطن" المملوكة لرئيس الديوان الملكي على ما يبدو قد نسى قواعده في هذه المرة. إذ يظهر منخرطاً بعمق في واحدة من موجات الفوضى الخلاقة على صعيد البلاد والتي كرس قلمه للتحذير منها. ليس على طريقة "الرّبيع العربيّ" ولكن على طريقة فوضى "خريف البطريرك" والتي سنتعرّف على سماتها مع التقدّم في قراءة هذه المقالة.
لقد وقع في شرّ واحدة من أسوأ حركات الفوضى الّتي يقع فيها عاقل: التدخّل في معركة أسود مُتهارشة على فريسة. إنّها المقاربة المجازيّة الملائمة لتجسيد حالِ شخصٍ ساذج يتورّط عن عمد أو من قبيل الصّدفة في منتصفِ صراع أجنحة شرسة تمتلك السلطة والثروة.
ليس من قبيل الصّدفة أن يحضر اسم يوسف البنخليل على نحوٍ متكرّر في مدحيّات شبكة "نائب تائب". وعلى العكس، ليس من قبيل الصّدفة أيضاً أن يحضر اسمه، هو هو إيّاه على النحو المتكرّر نفسه في مذمّات شبكة "فاضح نائب تائب".
الأمر أبعد من طِباق لغويّ بين الشبكتين الصّغيرتين التافهتيْن والمتقاتلتيْن على تمثيل تنافسيّات رأسيّ هرم السلطة. فيوسف البنخليل هو أحد أجناد هذه التّفاهة الّتي تدور حربها "إلكترونيّاً"؛ لكن يتعدّى تأثيرها إلى حيث مصْطَبات القصور الفخمة الواقعة في الرّفاع والصافريّة.
لنعدْ إلى الوراء قليلاً، إلى بدايات ما أسماه بيان وزارة الداخليةّ "الانفلات والفوضى الإلكترونية". لقد كانت صحيفة "الوطن" الّتي يترأّس تحريرها أحد أبرز مداميك هذه الفوضى وصانعيها على الورق المحبّر جنباً إلى جنب صانعيها على الشبكاتِ الافتراضيّة.
فعلى مدى أسابيع كانت صفحاتها مسرح الغمز واللّمز من قناة الأرض الممنوحة من رئيس الوزراء إلى وكيله المساعد إبراهيم الدوسري والتشكيك في طريقة استحواذه عليها. كما كانت المصدر الفوريّ الأوّل لتغطية تطوّرات عزْل النائب أنس بو هنديّ عن إمامة مسجد "الغتم" بالرّفاع ورفع حصانته البرلمانيّة عقب تسريب المحادثات المصوّرة التي انتقد فيها الدّيوان الملكيّ. إضافة إلى أخبار تشكيل لجنة تحقيق في ملكيّة أرض مجمع "الرّيم". هذا في الوقت الذي التزمت فيه الصحف البحرينيّة الأخرى الخطّ المتحفظ في تغطية هذه الأحداث.
وعلى سبيل المثال، فإن البيان المُفبرك المنسوب لأهالي الدائرة السادسة في المحافظة الجنوبية الّتي يمثلها النائب بو هندي والّذي كان أحدَ المحطّات المهمّة في بداياتِ القصْف "التويتريّ" على "ملحقيّات" رئيس الوزراء في البرلمان كانت "الوطن" هي حاضنته. لقد صُنع البيان في شبكة "صوت البحرين" الإلكترونيّة الّتي يديرها الأعضاء الخمسة الموقوفون على ذمّة القضيّة (عبدالعزيز مطر ومحمد الشروقي). ثم وجد طريقه في اليوم التّالي إلى صفحات صحيفة "الوطن" بالذات من دون أيٍّ من الصحف البحرينيّة الأخرى (اضغط على الروابط).
لينتهي الأمر في اليوم التّالي بقرار وزير العدل عزْل النائب بوهندي عن إمامة مسجد "الغتم" وطلب رفع الحصانة البرلمانية عنه تمهيداً لمحاكمته.
لقد كان توزيع الأدوار بين الجانبين أشبه بالتّوزيع الهارمونيّ لعازفين في فرقة موسيقيّة واحدة. "ترفع" شبكة "نائب تائب" ثم "تكبس" صحيفة "الوطن" برئاسة تحرير يوسف البنخليل الّذي كان يُباشر بنفسه إعطاء التّكليفات الصّحفيّة إلى محرّريه والاجتماع بهم في مكتبه مثلما يؤكد ذلك عامل في الصحيفة، والعكس بالعكس. ويعترف أحد أعضاء الشبكة الإلكترونيّة في محادثات مسرّبة جديدة باشر فريق رئيس الوزراء الإلكترونيّ نشرها على مواقع التّواصل كنوع من الهجوم المعاكس بأنّ "يوسف البنخليل كان يغطّي لهم في صحيفة الوطن ويوفّر لهم الدّعم التقنيّ" (الصّور).
في رواية "خريف البطريرك" لغارسيا ماركيز يقع البطل في شرّ أفعاله. لقد عاش كديكتاتور كلّي محاطاً بشبكة من المستشارين الفاسدين وصانعاً فوضى عظيمة أعلن فيها الحرب على كلّ منافسيه ومن صادفه في الطريق بمن في ذلك الأطفال والكرسيّ البابوي. ووصلت به ذروة تضخم الأنا الواهمة إلى حدّ القول "عاش أنا". لكنْ حين حلّ الخريف وتداعت الإمبراطوريّة لم يجد "البطريرك" حواليْه أحد. ما عدا شبح بشر بلا رأس أو جسد أخذ يكرّر أمامه: "اخرج إلى الشارع وجابه الحقيقة يا صاحب السموّ، إننا نقترب من المنعطف الأخير".
ويبدو أنّ ما تعلّمه يوسف البنخليل في أكاديميّة التغيير بـ"فينّا" عن موجات الفوضى والحرب الشاملة على المنافسين لا يتعدّى ما تعلّمه "بطريرك" ماركيز؛ لكنْ متأخراً جدّاً مع نهايات مملكته. ولا يحتاج إلا أن يخرج إلى الشارع لمجابهة حقيقة مشاركته في هذه الفوضى والمآلات التي وصلت لها بعد أن صارت على كل لسان.
فهل اقترب هو الآخر من المنعطف الأخير!