هل ألقى وزير الداخلية خطاب الاستسلام نيابة عن الديوان الملكي؟
2018-03-27 - 5:00 ص
مرآة البحرين (خاص): في أكثر التصريحات دلالة على تفاقم الصراع بين الديوان الملكي ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، نفى وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة علاقة الديوان الملكي بحساب نائب تائب الذي استهدف على مدى أكثر من شهر خليفة بن سلمان ومقربيه.
حساب نائب تائب، الذي برز (3 فبراير/شباط 2018) بعد تسريب محادثات الوكيل المساعد بديوان رئيس الوزراء إبراهيم الدوسري والنائب أنس بوهندي، مارَس الدور الأبرز في نقل الصراع إلى الفضاء العام بعد نشر تلك المحادثات التي رأى فيها الديوان الملكي وجه خليفة بن سلمان.
أظهرت المحادثات المصوّرة هجوما عنيفا من الدوسري على وزير المتابعة في الديوان الملكي أحمد عطية الله ووصفه بـ "الكلب"، كما كشفت عن اعتقاد أنس بوهندي أن الديوان هو المسؤول عن الفساد في البلاد وأن الملك حمد بن عيسى آل خليفة (الذي يبدأ يومه عند الساعة الثالثة عصرا) ليس على علم بما يجري من حوله.
لقد اعتبر الديوان الملكي أن ما صدر عن الاثنين ليست آراءهما فحسب، بل هما مجرد ناطقين بما في نفس خليفة بن سلمان. لذلك جاء الرد من الديوان بتشكيل لجنة تحقيق في ملكية إبراهيم الدوسري لأرض مجمع الريم، ولم يكن الدوسري هو المقصود الوحيد!
كان يُراد للجنة التحقيق أن تثبت أن خليفة بن سلمان هو الذي وهب الدوسري أرضا كانت مخصصة لبناء مدرسة، إضافة إلى فتح الباب للتحقيق في هبات الأراضي التي كانت مخصصة للدولة، وهو الأمر الذي قد يكشف حجم الفساد الذي مارسه الرجل يوم كان يسيطر على عقارات الدولة قبل انتقالها بمرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2002 للديوان الملكي مع قدوم حمد بن عيسى للحكم ليسرقها هو الآخر.
عرف خليفة بن سلمان الرسالة التي كان يريد أن يبعثها له الديوان الملكي برئاسة خالد بن أحمد، وماذا وراء تلك اللجنة فقاوم تشكيلها بكل قوة حتى نجح في حلّها قبل أن تمارس عملها.
أعلن خليفة بن سلمان عن ذلك صراحة خلال مجلسه الأسبوعي الأحد (18 مارس/آذار 2018) "لقد زجَّ مجلس النواب بنفسه في أمور ليست من اختصاصه"، وقال مضيفا "إن اللجنة البرلمانية كانت قد ولدت ولادة غير شرعية وقامت على شائعات كيدية".
وأكد خليفة أنه وهب الدوسري الأرض كما وهب آلافا غيره، معلقا "خليفة بن سلمان لم يحدث منه طوال حياته أن استولى على أي أرض.. وأطمئنكم أن الاستيلاء على الأراضي ليس من عادات خليفة بن سلمان".
الحرب الإلكترونية
صحيح أن خليفة بن سلمان انتهى من عمل اللجنة، لكن حسابات تويتر التي أفسح لها المجال خالد بن أحمد وأحمد عطية الله استمرت في العمل. هذه المرة وسّع حساب نائب تائب دائرة الاتهامات لتشمل خليفة بن سلمان نفسه وعائلته لتورطها في الفساد إلى جانب اتهامه بالتخاذل فيما يتعلق بالصراع مع دولة قطر.
هاجم حساب نائب تائب الذي ظل يكرر أنه تابع للديوان الملكي، خليفة بن سلمان؛ لحمايته الفساد، وقام بتصوير ديوانه على أنه بؤرة لا يسمح فيها بمحاسبة الفاسدين فضلا عن قيامه بترقيتهم. كما قام باتهام حفيده خليفة بن راشد آل خليفة بإدارة الفساد في ديوانه.
اتهم صاحب الحساب خليفة بن سلمان بالتآمر على الملك حمد بن عيسى آل خليفة ووزير الديوان خالد بن أحمد بدلا من أن يقوم بمساندتهم، وشدد على أن الولاء للملك وحده، وأن لا بيعة في رقاب الناس إلى غيره.
وبالغ الديوان كثيرا في خصومته مع رئيس الوزراء حين حاول الحساب الإيحاء في سلسلة تغريدات أن الأخير ينأى بنفسه عن الصراع الدائر بين البحرين وقطر، وقال إن ديوانه مخترق من قبل الإخوان المسلمين وأنه "تجنب انتقاد قطر إلا ما ندر ومجاملة لدول المقاطعة".
كانت تلك الاتهامات على مرأى ومسمع خليفة بن سلمان منذ أن قام "نائب تائب" بتسريب محادثات الدوسري (مطلع فبراير الماضي)، وطالب رئيس الوزراء وزارة الداخلية بوضع حد للحساب واتهم إدارة الجرائم الإلكترونية بنشر الفتن إلا أن أحدا لم يستجب لطلباته.
وقال رئيس الوزراء في الحديث الذي نشرته أخبار الخليج "أما بالنسبة إلى ما حدث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فإن ما يؤلمنا أنه قد حدث من بعض موظفي وزارات الحكومة الذين لم يسيئوا إلينا نحن فقط، بل أساءوا إلى المجتمع بأسره".
وفي تصريحات في الاتجاه المعاكس قال مدير إدارة مكافحة الجرائم الالكترونية بالإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني أحمد الرميحي إن جميع الموظفين بالإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني يقومون بواجبهم دون الالتفات لأي ضغوطات خارجية.
مع كل التغاضي الذي مارسه الديوان الملكي ووزير الداخلية عن مطالبات خليفة بن سلمان يُعتقد أن الأخير لجأ إلى "الجارة الكبرى" لوقف الحملة التي شنّها الجناح الملكي عليه.
وصرّح رئيس الوزراء عن ذلك قائلا "لقد جعلونا حكاية يلوكونها بأفعالهم.. وحكاية تتردد ليس داخل البحرين فحسب، بل في خارجها في دول الخليج.. ووصل الأمر إلى عدم رضا بعض قيادات دول المنطقة.. لقد حدث كل ذلك فعلا"، قبل أن يترك المجال لصحيفته المقربة لتوضيح الصورة أكثر!
ختمت أخبار الخليج تصريحاته الأسبوع الماضي بالقول "وأخيرا.. أليس من حق سمو رئيس الوزراء إزاء هذا كله أن يغضب وهو يرى أن كل ما حدث قد تداوله بعض قادة المنطقة بغير رضا.. من بينهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه.. وهو الذي تناوله في أسىً مرتين!!".
أما هذا الأسبوع فلم يكن رئيس الوزراء غاضبا كما تخبرنا أخبار الخليج تحت عنوان "لماذا غمرت قسمات وجه سمو رئيس الوزراء مشاعر السعادة والرضا بمجلسه أمس؟"، وأجابت الصحيفة "لا تفسير لذلك غير أن خليفة بن سلمان هو على الحق دائما.. وأن الله ناصره على الدوام (...) وأن مَن يحاولون أن يعكروا صفوه أو يغضبوه هم دائما على الباطل.. وأن مروجي الباطل هم شياطينٌ خرس.. ولا يمكن أن تدوم دولتهم لأنها قائمة على الباطل.. ودولة الباطل ساعة".
لقد كان خليفة سعيدا راضيا منتصرا بالسعودية لذلك أفرد مساحة كبيرة من حديثه للثناء على عاهلها سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ونجله محمد بن سلمان ونجاح زيارته لواشنطن، وكأنه كان يردُ لهما دين "كفّ شر أعدائه" الذين قال إنه كفيل بهم.
لقد حدث ذلك بينما كان وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة ينصاع لمطلبه بالإعلان عن إجراءات لوقف ما وصفه بـ"الانفلات غير المسبوق والفوضى الإلكترونية"، لكنه بالتوازي مع ذلك حاول تبرئة الديوان الملكي من إدارة حساب نائب تائب التي حملت آخر تغريداته صورة خالد بن أحمد مع تعليق يقول بالشعر الدارج "اليا هرج غصبن عليهم يسكتون... واليا سكت تسكت معه كل الديار".
فهل كان وزير الداخلية يلقي خطاب استسلام خالد بن أحمد وسكوته صاغرا أمام خليفة بن سلمان؛ ليسكت معه حساب نائب تائب إلى الأبد؟ أم أن في الصراع الطويل بين الرجلين جولات أخرى؟!