هكذا تكلم المثقف الخليجي
علي داوود - 2012-06-03 - 8:04 ص
مرآة البحرين: كان من الممكن أن نفهم وقوف المثقف الخليجي في خانة المراقب لنزاع الأيدلوجيات في المنطقة، ونزوعه لممارسة دول المحلل والناقد لألوان السلطة التي تأسس لها مختلف القوى، فثمة هامش لفهم هذا الخوف من التحولات التي يبدو المثقف بعيداً عن الشراكة فيها، فضلاً عن التأثير في مسارها.
غير أن صورة المثقف الخليجي التي سادت خلال مرحلة الحراك العربي، وما صاحبها من تداعيات خليجية، كانت تميل إلى التأكيد على أن ثمة انتهازية عالية، وقابلية لإنتاج خطابات مضادة للمشاريع المنادية بمزيد من الحرية والكرامة والمساواة في مجتمعاتها، ويكفي النظر في سلسلة المقالات التي تصدرت الصحف الخليجية والتي لم تكتف بتخوين الخارجين على حدود السلطة السياسية، ولا التبخيس من هوياتهم الفرعية، بل مضت إلى تلميع صور الديكتاتورية، والحديث بابتذال عن التطورات الاقتصادية كبديل عن تطلعات حقوقية وسياسية، وفي ذلك تلخيص لتماهي المثقف مع مشاريع تسليع القيم الانسانية، وعبادة قوى السوق.
لم يكن صدفة مثلاً أن يتحدث المثقف السعودي (علي مكي) قبل أيام عن الملك عبدالله بأنه رجل كل العصور، في الوقت الذي تتصاعد فيه الانتقادات الحقوقية تجاه هذا البلد، وتتسع فيه ملفات الفساد، وأن يكتب بعده بأسبوع الصحفي البحريني (فريد أحمد حسن) الذي تجاوز كل حدود الذوق ليدعو إلى (منتدى عالمي عن «ظاهرة» خليفة بن سلمان)
الرجل الذي لم يجد العالم جواباً بعد يليق بعقل إنسان القرن الواحد والعشرين لتفسير استمراره في موقع رئاسة الوزراء، في حين كانت الحكومة البحرينية قد خرجت بحمولة 176 توصية من مجلس حقوق الإنسان بجنيف، توصيات ثقيلة لم يعرف الفريق الممثل للدولة معها إلا الوعد بالدراسة!.
هذان النموذجان يمثلان طبقة سميكة تعتلي المشهد الثقافي في الخليج، بنحو يؤكد على أن السلطة دائماً قادرة على تدجين المثقف واستعماله لتغطية سوءاتها، وتبرير كل الجفاف السياسي الذي يعيشه خليج التناقضات، خليج متنافر من قاعه إلى قممه السياسية رغم كل ألوان المكياج التي تظهر على وجوه قادته أمام كاميرات الصحفيين في الإجتماعات المشتركة.
سعت هذه النماذج الثقافية المعتلة إلى تصعيد الخوف من بدائل الممارسات السياسية القائمة، وتذرعت بعناوين التاريخ والجغرافيا والاجتماع لتغطية كل الاستحقاقات المؤجلة للإنسان الخليجي الذي أنعشت فيه وسائل الإتصال الحديثة رغبته في تطوير البنى السياسية لحكوماته المحلية، عبر توسيع دائرة المشاركة الشعبية، وتعزيز العدالة والمساواة وقوانين المحاسبة...كانت تهمة الإرهاب والخيانة والولاءات الخارجية أكثر الإجابات جاهزية وسهولة من قبل هذا الفريق من المثقفين الذي لم يتردد عن التباهي البغيض بذلك التماهي بين مصالحه ومصالح الأنظمة المستبدة، وراح يتجاوز عن التطلعات السياسية للناس باتجاه تحريف دلالة التحركات والنضالات السلمية في المنطقة.
هكذا يصبح المثقف أداة تعطيل وحجب، وجزءاً من عملية التآمر على حقوق الناس السياسية، حين يختار ممارسة أكثر الأدوار دناءة في تاريخه، وهو انتاج خطاب تبريري لكل أخطاء السلطة، والمساهمة في تكريس قيم القبيلة، وتوظيف كل ألاعيب اللغة لتمرير مصالحه الخاصة، والتي لا يصونها برأيه إلا بقاء سلطة تحفظ له امتيازاته الشخصية، وتزين له هشاشة خطابه الثقافي.
علي داوود