الاعتقالات النوعية والتواطؤ الغربي
إيمان شمس الدين - 2012-05-27 - 7:50 ص
إيمان شمس الدين
الرموز لهم فاعليتهم في الذهنية الشعبية وتأثيرهم الكبير، وخاصةً الرموز الدينية؛ لما للإنسان من علاقة دقيقة بالمقدّس ، وكثيرًا ما يروي لنا التاريخ عن أحداثٍ كان للرموز دورٌ بارزٌ فيها في تحريك الجماهير وصناعة وعيها.
ويتجلى ذلك في الثورات والحراكات الشعبية، إذ يُشكّل الرمز في ذهنية الجماهير المرجعية التي تتكئ عليها في القرار والتوجيه، ولسنا هنا بصدد التقييم لهذه الظاهرة بقدر ما نحن في مقام توصيفها.
وعبر التاريخ كانت الحملات الأمنية للسلطات ضد المعارضين تتركز بدايةً على الرموز ومن ثم الأتباع.
والثورة البحرينية كغيرها من الثورات لها رموزها وقياداتها النوعية، التي تحرّك الجماهير وتصنع وعيهم، وتحدّد لهم أولوياتهم.
ولكون الشعب البحريني ذا حضارةٍ ضاربة في عمق التاريخ، نجد أن منسوبه الثقافي مرتفع، لذا كانت النُخَب طبقةً عريضة من الشعب. ومنذُ قمع الثورة، كانت البداية مع رموزها، ومن ثم نخبها، وخاصةً النخب النوعية المؤثرة والموجعة في حراكها للنظام البحريني ولمن يقف معه.
واللافت أنَّه رغم كثيرٍ من الحراكات الحقوقية التي توثّق الانتهاكات في داخل السجون البحرينية، وداخل مؤسسات الدولة بحق المعارضين، إلا أنَّنا على مستوى الحكومات الغربية والحكومة الأمريكية، لم نجد موقفًا رسميًا حازمًا تجاه السلطة البحرينية لأجل هذه التعديات.
بل حينما يكون هناك ناشطون نوعيون بحرينيون مؤثرون في المنظمات الدولية الحقوقية، نجد أن خاتمتهم تكون الاعتقال وبصمتٍ غربي وأمريكي، إذ لا يصدر عنهما غالبًا إلا تصريحات تحمل في طيّاتها القلق والترقب بما يوحي أنه ضوء أخضر للنظام البحريني نحو المزيد.
رموز الثورة وقياداتها في السجون منذ بداية قمع الحراك، ثم بعد نجاح المعارضة البحرينية على المستوى الحقوقي وتأثيرها على المنظمات الحقوقية الغربية- التي بدورها مارست ضغوطًا كبيرة على الحكومات الغربية، بما أشعرها بالحرج أمام شعوبها- أوعزت أمريكا، وبقبولٍ غربي، وصمتٍ عربي، للنظام البحريني ببدء حملة اعتقالات نوعية وفي مراحل زمنية بعيدة، كي تمتص غضب الجماهير وتكون ردات الفعل وفق تلك المراحل يمكن السيطرة عليها.
فمن عبد الهادي خواجة، أستاذ الحقوقيين البحرينيين، الذي اعتُقل ورغم كل محاولات الدانمارك لإخراجه من البحرين، إلا أنَّ الصلف البحريني المتمثل بالسلطة كان يدلل على دعمٍ أمريكي لهذا التعنّت، بل بعض التقارير تفيد أنَّ القرار اتُحذ بترك الخواجة
يواجه الموت، وسيكون الأمن البحريني والسعودي قادرًا على استيعاب ردات الفعل وامتصاصها، ومن ثمَّ نبيل رجب الذي أرهق أمريكا، لتوثيقاته الدقيقة والموضوعية، ولتأثيره الفعلي في الواقع الغربي الحقوقي، وحتى الإعلامي، وبذلك تُغلق نافذة الحقوق الأكثر تأثيرًا، ومن ثمَّ اعتقلت الصحفي الإعلامي أحمد رضي، صاحب مدونة سلاحي قلمي، والذي كان ينشط إعلاميًّا في عدة محطات تلفزيونية، منها البي بي سي، ليقدِّم تصريحاتٍ تعكسُ واقع ما يجري في الداخل، إذ يمتلك موضوعية ومصداقية في الطرح باتت تزعج النظام البحريني.
فبهذا الاعتقال النوعي تُهَدد منافذ حقوقية وإعلامية نوعية في الثورة السلمية القائمة على ثلاث ركائز مهمة وهي:
- القيادات
- النشاط الحقوقي
- الإعلام
فقامت بضرب مرتكزاتها جميعًا على المستوى النوعي، ولكن بسبب وجود شريحة عريضة سقفها الثقافي عالٍ، كان ذلك يشكل الحصانة للثورة من التوقف أو التقهقر .
ورغم كل النداءات لإطلاق سراح الخواجة ورجب، والحراكات الحالية لإطلاق سراح رضي، إلا أن التعنّت البحريني مستمر والصمت الغربي الأمريكي يدعم صلفهم.
اعتقال شخصيات نوعية كالخواجة ورجب، وصمت مُدّعي الحقوق الغربيين والأمريكيين قد يمهِّد لاعتقالٍ نوعي كبير باتت ملامحه تلوح في الأفق بحق الشيخ عيسى قاسم.
خاصةً مع تكرار التهديدات بالاعتقال في حقه -أيضًا في ظل صمتٍ غربي أمريكي رسمي- وتحوُّل الشيخ عيسى قاسم لقيادة شعبية تمثِّل صمّام أمان لكافّة أطياف المعارضة، استطاعت أن تعوّض نقص الساحة من رموزها وحقوقييها وإعلامييها، من خلال خطبه وثقل شخصيته وما يمتلكه من دعمٍ من قبل الحوزات العلمية، وخاصةً النجف، ودعم السيد السيستاني له، وما يمثله من مرجعية دينية لها ثقلٌ عالمي مؤثر في القرار.
هذا ما ستكشفه الأيام وما يجب أن تتحضّر له المعارضة بشكلٍ لا يسمح لمزيدٍ من الاعتقالات النوعية.
*كاتبة كويتية.