مذكرات 2017: قصة أخطر تعديل دستوري فتح أبواب المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين

2017-12-30 - 6:19 م

مرآة البحرين (خاص): لم يحتج ملك البحرين وحكومته سوى لأربعين يوماً فقط حتى يمرروا واحداً من أخطر التعديلات الدستورية والقانونية في تاريخ البلاد، وذلك  عبر تعديل المادة 105 من الدستور، الذي يجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية التي تفتقر لأدنى مقومات المحاكمة العادلة.

ونص التعديل الدستوري استبدال المادة (105/ الفقرة ب) بحيث  أصبح «ينظم القانون القضاء العسكري، ويبين اختصاصاته في كل من قوة دفاع البحرين والحرس الوطني وقوات الأمن العام»، بدلاً من النص السابق والذي ينص على أنه «يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التي تقع من أفراد قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يمتدُّ إلى غيرهم إلا عند إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يقررها القانون». .

وبعد التعديل الدستوري لم تحتج  الحكومة لتمرير مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكري الصادر بالمرسوم بقانون رقم (34) لسنة 2002، سوى عشرة أيام فقط ليمرر مجلسا الشورى والنواب.وبهذا أصبحت يد المحاكم العسكرية تصل بسهولة إلى لعقاب من تشاء من المواطنين.

بدأت رحلة التعديل الدستوري الخطير بتسلم رئيس مجلس النواب، يوم الثلاثاء 31 يناير/ 2017، وبعد 23 يوماً فقط وافقت الغالبية بواقع 31 نائباً على التعديل في جلسة عقدت يوم الثلاثاء 21 فبراير 2017.وامتنع 3 نواب عن التصويت هم  الشيخ مجيد العصفور، جميلة السماك، وعلي العطيش، ورفض محمد ميلاد.

وكان لافتاً زيارة قائد الجيش المشير خليفة بن أحمد آل خليفة لمجلس النواب يوم 6 فبراير برفقة حرسه الذين بينت الصور التي بثها مجلس النواب وكذلك وكالة بنا الرسمية، أنهم دخلوا بأسلحة أتوماتيكية إلى داخل المجلس، وبين خليفة بن أحمد للنواب أن التعديل الدستوري سيعقبه أيضًا تعديل على قانون القضاء العسكري.

بعد موافقة النواب، حط التعديل الدستوري بشأن القضاء العسكري أروقة مجلس الشورى في اليوم التالي، الأربعاء 22 فبراير 2017، وفي جلسة عقدت في 5 مارس 2017،  مرر مجلس الشورى التعديل أيضاً.

الملك من جهته لم يتأخر  إذ صادق على مشروع قانون التعديل الدستوري في 3 أبريل 2017، وأصدر تعديلًا للدستور، وذلك بعد أن وافق عليه مجلسا الشورى والنواب.

في اليوم التالي لصدور التعديل رسمياً، وافق مجلس الوزراء خلال جلسته الاثنين 4 أبريل 2017، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكري الصادر بالمرسوم بقانون رقم (34) لسنة 2002، وإحالته إلى مجلس النواب، وذلك استناداً إلى التعديلات الدستورية الأخيرة التي صادق عليها الملك وأصدرها.

وأقرّ مجلس النواب في جلسته يوم الثلاثاء 11 أبريل 2017، مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكريّ واحاله باستعجال الى مجلس الشورى، الذي  أقرَّه بدوره في جلسة عقدها  يوم الخميس 13 أبريل 2017، ليمر مشروع تعديل قانون القضاء العسكري في اليوم العاشر لإحالته من الحكومة.

وفي ردود الفعل الدولية،  عبرت الأمم المتحدة عن قلقها من عدد من القيود المعمول بها في البحرين، لا سيما المتعلقة بالحريات الأساسية.

وفي مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، بالمبنى الرئيسي في نيويورك بتاريخ 3 أبريل 2017، دعا دوجاريك حكومة البحرين لإجراء حوار وطني حقيقي لضمان الاستقرار في البحرين.

من جانبها وصفت منظمة العفو الدولية  التعديل دستوري بعد تصديق الملك عليه، بأنه «بمثابة كارثة تحيق بمستقبل المحاكمات العادلة ونظام العدالة في البحرين. إنه جزء من نمط أوسع تستخدم الحكومة في إطاره المحاكم في قمع كل أشكال المعارضة على حساب حقوق الإنسان».
وأضافت المنظمة «بدلاً من أن تسعى السلطات في البحرين إلى تصحيح العيوب التي اتسم بها تاريخها المشين من المحاكمات الجائرة والإفلات من العقاب، قررت المضي خطوة أخرى في طريق تقويض الثقة في استقلال ونزاهة المحاكم ونظام العدالة ككل».

من جانبها، امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن انتقاد التعديل الدستوري الذي أجرته البحرين مؤخراً، بالسماح للمحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين،  ففي المؤتمر الصحفي الذي عقد بمبنى الخارجية الأمريكية الثلاثاء 14 مارس 2017، قال المتحدث باسم الخارجية مارك تونر تعليقاً على التعديل الدستوري الذي مرره المجلس بغرفتيه المنتخبة والمعينة، ما نصه حين سؤاله عن الأمر«حسناً. نحن على علم بالتعديل الدستوري الذي أعتقد أنه تمر تمريره من خلال البرلمان كما تعلم، والذي يوسع صلاحيات المحاكم العسكرية. وحسب علمنا أن الأمر سيكون رسمياً حال مصادقة الملك عليه. أعتقد أننا نتفهم التهديدات التي تواجه البحرين من خطر الإرهاب في المنطقة. نحن نقف كتفاً بكتف مع البحرين وحلفائنا في الخليج لمكافحة أية تهديدات إقليمية.

ولكن، هذه الإجراءات يجب أن تكون وفقاً للالتزامات القانونية الدولية لحماية حقوق الإنسان، ولذلك نحن نحث حكومة البحرين على ضمان حق جميع المدنيين في المحاكمة العادلة في جميع الحالات، وفق إجراءات قضائية شفافة، بالإضافة إلى حماية الحق في حرية التعبير والتجمع».

وفي يوم الثلاثاء 9 مايو 2017 أحالت النيابة العامة معتقلا مدنيٍا للمحاكمة العسكرية بعد اعتقاله لأكثر من 200 يوما دون أن يحصل على زيارة واحدة للقاء عائلته، ليكون أول مدني يحاكم عسكريا منذ مصادقة الملك حمد بن عيسى على تعديل دستوري يسمح بذلك.

وذكرت عائلة المعتقل سيد فاضل عباس أن النيابة العامة أحالت ابنها لمحاكمة عسكرية، دون تقديم إيضاحات.

القضاء العسكري من جانبه أعلن أنه سيحاكم مدنيين اثنيين إضافة لمتهم عسكري تتهمهم الحكومة "بارتكاب جرائم لغرض إرهابي"، الأمر الذي أثار انتقادات منظمات حقوقية.

ابتدأ الأمر من ثلاثة متهمين لتكبر كرة الثلج عبر زيادة عدد المتهمين في كل جلسة ليصل إلى 17 متهماً ، وكان الأخطر هو اتهام المعتقلين في القضية بمحاولة اغتيال قائد الجيش خليفة بن أحمد آل خليفة.

بدا تعديل قانون المحاكم العسكرية، وكأنّه فصّل خصّيصا لأجل هذه القضية التي تم الإعلان عنها. إحدى مواد القانون جاءت لتضمن سلامة إجراءاتها، حين نصت على أن جميع الدعاوى التي أصبحت من اختصاص القضاء العسكري تحال عليه «ما لم تكن قد رفعت إلى المحكمة المختصة قبل العمل بأحكامه». مع ذلك، يبقى السؤال مفتوحا حول الوجه القانوني لاحتجاز متهمين في القضية مثل السيد علوي والسيد فاضل أكثر من 6 أشهر دون إحالتهم للمحاكمة، وهو ما يخالف حتى قانون الإرهاب، كما أنّه نفّذ على يد جهة لم تكن أصلا مخوّلة قانونيا لاعتقالهم، والتحقيق معهم، وهو ما يعني بطلان كل الاجراءات قانونياً.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus