«جزيرة الريتويت» فن النكتة القطري للسخرية من السياسة البحرينية
2017-11-17 - 5:34 م
مرآة البحرين (خاص): لخّص مرجع سياسي بحريني ذات مرّة النظرية السياسية البحرينية في العلاقات الخارجية بعد 2011 قائلاً - فيما يشبه الدعابة - إنها السياسة الخارجية السعودية نفسها؛ لكن بعد عشر دقائق. بيد أن القطريين وجدوا تعبيراً ساخراً أشدّ وقعاً من ذلك وأقرب إلى الكوميديا السوداء: "جزيرة الريتويت" كناية عن تبعية البحرين العمياء للسعودية. فما مواقفها إلا مجرد إعادة مشاركة "ريتويت" للمواقف الصادرة عن الأخيرة.
أطلق الوصف أول مرّة الصحافي القطري رئيس تحرير جريدة "الشرق" عبدالله حمد العذبة. ففي لقاء معه على شاشة التلفزيون القطري (3 يوليو/ تموز 2017) عقب اشتعال الأزمة الخليجية قلل العذبة من أهمية الموقف البحريني قائلاً "أصدق وصف على جزيرة البحرين هي أنها دولة ريتويت".
وأوضح "لنكن واقعيين جزيرة البحرين تابعة للمملكة العربية السعودية وتابعة لإمارة أبوظبي اللتين تمولانها مالياً. فليس لديها قرار مستقل ولذلك يصدق عليها بأنها جزيرة الريتويت". ومذّذاك تفنن القطريون في استخدام هذا التعبير للسخرية من مواقف القيادة البحرينية من الخلاف الخليجي كما حولوا #جزيرة_الريتويت إلى هاشتاغ.
أخرجت الأزمة الخليجية أسوأ ما لدى شعوب مجلس التعاون الخليجي كالكراهية والعنصريّة. لكنها أيضاً أخرجت وجها جديدا للشعب القطريّ لم يكن معهوداً. أظهرته محبّاً للنكتة وبارعاً في توظيف روح المرح والدعابة في السجال السياسي. "دول الحصار 3 + نص" هذا تعبير آخر صكّه القطريّون للتعبير عن الفكرة إيّاها. فعند العدّ قياساً مع مواقف الدول الثلاث الأخرى السعودية والإمارات ومصر فإن البحرين لا ترقى لأن تكون رقماً عددياً كاملاً؛ إنما هي نصف مُلحق بالسعوديّة.
ورداً على أغنيتي "علم قطر" و"قولوا لقطر" اللتين هاجم فيهما مطربون سعوديون وإماراتيون كبار دولة قطر، علق عادل اليافعي، وهو مغرد قطري "ننتظر فريق العمل في جزيرة الريتويت #هاللون_ياقطر". وما هي إلا أيام حتى قامت البحرين بإخراج نسختها وهي عبارة عن أغنية راب متواضعة يقول مطلعها "وقّفْ تمويل الإرهابْ ما تنفعك تركيا وإيرانْ والحل موجود عند سلمانْ فنصيحة سلّم الإخوانْ".
ولا يتفرد المواطن القطري العادي في نظرته الساخرة للسياسة الخارجية البحرينية؛ إذ تشاركه حكومته أيضاً. فحين سئل وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن موقف الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة من الأزمة، علق "البحرين لا ناقة لها ولا جمل. لو كان القرار لدى البحرين لكان من الممكن أن نرد عليها ولكن نحن نعرف أن القرار خارجها".
أما وزير خارجية قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني فقد اكتفى رداً على سؤال عن سر المواقف المتطرفة لوزير الخارجية البحريني بالقول "الشيخ خالد صديقي؛ لكن أنا أقول الله يعينه.. الله يعينه. هذا الذي أقدر أن أقوله".
ولا يبدو أن مثل هذه التعليقات الساخرة تثير مشكلة لدى البحرينيين عند سماعها. فهي تعبير عن واقع حال أصبح مثاراً للنكتة المحلية منذ التدخل العسكري السعودي في البحرين لقمع احتجاجات العام 2011. ولطالما سخروا هم أنفسهم في حواراتهم ونقاشاتهم الداخليّة من تبعيّة البحرين للسعوديّة. بدءاً من هلال رمضان ومواقيت عيديّ الفطر والأضحى والسنة الهجرية التي يتم تغييرها لتوافق الروزنامة السعودية؛ وانتهاءً بالأزمة الخليجيّة.
وعلى خلاف الشعوب الخليجية الأخرى في الدول الثلاث فقد نأى عامّة الشعب البحريني عن الزجّ بنفسه في الخلاف مع قطر والشعب القطري. وباستثناء الماكنة الإعلامية الحكوميّة وخلاياها الإلكترونيّة قليلة العدد والتأثير فإن الأزمة مع قطر لا تلتقي مع هوى غالبية نخب البحرين وفنانيها وقطاعاتها الشعبية العريضة. سواء أولئك الذين في المعارضة أو حتى كثير من الفئات الموالية للدولة. ذلك أن كثيراً من العوائل البحرينية تمتلك أواصر قربى مع عوائل قطرية. ولا يحظى الموقف الحكومي المتطرّف بأيّ صدى شعبي في الداخل.
وإذا كانت نكات القطريين أو غاز الأعصاب المسلط على المسؤولين البحرينيين ذا صدىً على مواقع التواصل فإن ردّ الأخيرين على ذلك عادة ما أتى "صبيانياً"، مزيجاً من التنمّر والاستعراض الفج للسلطة. فأمام سلاح النكتة الذي يجري توظيفه من جانب المغردين القطريين ردت البحرين بفرض تأشيرة دخول (فيزا) على المواطنين القطريين وباستثنائهم من ممرات الدخول المخصصة لمواطني مجلس التعاون في منافذ الجمارك. وهي الدولة الوحيدة من دول المقاطعة التي تقدم على مثل هذه الخطوة.
ويشرح وزير الخارجية القطري السابق كيف أن البحرين عادة ما تتصدر المشهد في كل أزمة مع أي دولة من دول الخليج. ويقول في مقابلته مع التلفزيون القطري إنه حين تهدأ الأمور وتتم مفاتحتهم بشأن ذلك يرد المسئولون البحرينيون "أنتم تعرفون ظرفنا وعلينا ضغط". ليس هناك ضغط على القيادة البحرينية يجبرها على التصرف كالأطفال أكثر من الضغط الناجم عن الحضيض الذي وصلت إليه ديكتاتورية صغيرة أفلست حتى تحولت إلى نكتة.