راهنت على ’إحيائية’ جديدة لمشروع كان ينهار.. ’الوقت’ في يوم إقفالها: إن أحداً لم يتصل... ولا أي أحد!

2012-05-03 - 9:48 ص




 مرآة البحرين (خاص):
قدمت صحيفة "الوقت" نفسها، وهلة صدورها (2006)، لقرائها، بما لن تكونه، وفقاً إلى الديباجة التالية:"لسنا صحيفة حزب سياسي. لسنا صحيفة شركات. لسنا صحيفة تكتل مصالح. لسنا صحيفة حكومية. ليست لدينا ادعاءات. نحن مشروع صحافي. لكننا لا ننسى أننا مشروع اقتصادي". لحسن الحظ، أن الديباجة، التي مُهرت على صفحتها الأولى، وأرفقت ببوستر طولي حوى زهرة الأوركيد، لم تتضمن استعارة رائجة آنذاك، وهي من نوع "الاستعارات التي تقتل"، على ما يعبر جورج لايكوف.

نعني بها "المشروع الإصلاحي"، رغم أن مجمل سلوكها اللاحق، فيما عبرت عنها سياسيتها التحريرية التي تولى رسمها رئيس هيئتها التحريرية إبراهيم بشمي بحذق "اللاعب على البيضة والحجر"، قدمها، ضمناً، على أنها واحدة من لواحق هذا المشروع.

وفي أحيان، وفقاً لاجتهاد "محسوب" لرئيس التحرير المسئول خولة مطر، إذّاك، بدا أن هناك "تكتكة" تقوم على التجريب في اللعب على "الحجر وحده". وكان من شواهد ذلك، ما لحظه مسئولون في صحف منافسة، وراحوا يداورون عليه كما يدوّرون "وشاية"، أن صور "القيادة" السياسية، امتنعت عن الظهور في الأعداد الأولى، بما في ذلك العدد الأول، وهي مناسبة ذات طابع خاص.

في حين جرى "لزْق" تهنئة "القيادة" في الصفحات الداخلية، مع "العادي" من الأخبار الرسمية. وإذا كانت هذه "التكتكة" قامت في الأساس على المحاولة في البناء على مبدأ مهني، يعطي للأهمية كثير أولوية على واجب "طقس النفاق"، فقد نُظر إليها، بأنها "قلة أدب" لاتراعي تقاليد "السنع" أو ما جرى تأديب عليه الصحافة!
 

نقول، لم تتضمن الافتتاحية الأولى لصحيفة "الوقت" أي إشارة من قريب أو بعيد لـ"المشروع الإصلاحي". وفي حين تُستبعد القصدية من وراء ذلك، أو "موقفاً" أريدت له دلالة، عن سبق وترصد، إلا أنه في الحقيقة لم يكن خلوّاً من دلالة.


محاولة "إحيائية" لمشروع كان يموت

في الواقع، لقد تواقت صدور "الوقت" بالذات (2006)، مع الموت الفعلي، والنهائي، لمشروع الملك. من جهة، فقد كفّ هذا المشروع عن الدوران والوعد بالجديد، تاركاً الملك متمتعاً بمركزية وسطوة طاغية. استثناء إنشائيات "الإصلاح"، واستعاراته "التي تقتل"، والتي   ظلت تهدر بسبب وبدونه، وتحولت إلى لوازم فجة تملأ كامل الخطاب الإعلامي، بما في ذلك الخطاب الصادر عن النخب الاجتماعية.

ومن جهة ثانية، فقد اتّضح وقتذاك، صعود جناح جديد في الحكم، هو جناح "الخوالد" الذي يقوده وزير الديوان خالد بن أحمد، ووجد ترجمته الفعلية بعد وقت قصير من انطلاق "الوقت"، في "خلية البندر". وقد أتيح للرأي العام استشعار سطوته لأول مرة، ورؤيته عياناً.

والشيئان انعكسا بدورهما على الصحافة اليومية، قيداً على الحريات في مرة، حيث منع بأمر قضائي التداول في الأزمة الناشئة. وفي مرة ثانية، ما شهدته أروقة المحاكم من جرجرة للصحفيين، كان قد تعذر رؤيتها في السنوات الأولى لمشروع الملك.

وقد أرادت "الوقت"، باديء بدء، الاستثمار في هذا الحدث بالبناء على بعض من وعودها للقراء في تقديم صحافة "مهنية"، فراحت تستجلي وجهات نظر أطراف المعركة الناشبة في التحقيق الذي نشرته والموسوم: "بلد على كف تقرير". ابتعدت عن التعبير عن موقف، واكتفت بجعل أطرافها تتحدث، غافلة تقدير حجم القوة الجديدة الآخذة في التشكل، ونفوذها المستشري في كافة مفاصل الدولة. وهي بالمناسبة، قوة، لاتفهم، بحكم السطوة المستطيرة التي كانت لها، كثيراً في تقاليد "الرأي والرأي الآخر".

فكانت أحد أبرز ملامح انعكاس هذا "النفوذ" أقسى عقوبة يمكن أن تواجهها صحيفة ناشئة، وهي حجب "الإعلان" عنها من جميع الهيئات والمؤسسات التابعة إلى رأس "خلية البندر" أحمد بن عطية الله. فيما تمدد الأمر لاحقاً إلى جميع الهيئات والأجهزة التابعة إلى رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، وابنه علي بن خليفة. وقد استمر حجب "الإعلان"، منذ اليوم الأول لصدورها إلى   اليوم الذي طار فيه نبأ توقفها نهائياً (2010).


جرأة فتح الملفات أغفلت جرأة أخرى نامية

كانت أولى الملفات التي فتحتها "الوقت" على صفحاتها، هو ملف انتفاضة التسعينات: "التسعينات.. العقد المر". وعلى حين عُدّ طرح الملف، جريئاً بالنسبة إلى جريدة ناشئة. إلا أن هذه "الجرأة" أخفقت في قراءة "جرأة" أخرى نامية في شارع التسعينات نفسه، وكانت الحاضنة لما سيكون لاحقاً "ثورة اللؤلؤ".
 
وقد تمثل ذلك، في إعادة تموضع بعض من قيادات الحركة التسعينية كعبدالوهاب حسين وحسن مشيمع، وهم من بين من تولوا تسويق مشروع الملك في بداياته، في مواقع جديدة، وعودة الاشتباكات الدورية، بوحي من إلهام التسعينات، في القرى مع رجال الأمن. ثم كان أن انتهى كل ذلك إلى زلزال 14 فبراير/شباط. لكن لسوء الحظ بعد سنة من اختفاء "الوقت"، حيث لن يكون بوسعها كتابة روايته، على غرار ما فعلت مع انتفاضة "التسعينات"!

وقد عكس هذا "الإخفاق" في نأي "الوقت" عن تثمير مقاربة رصينة، "من فوق"، إزاء هذه الظاهرة، قادرة على   استشراف نهاياتها أو المدى الذي يمكن أن تبلغه. فإلى وقت توقفها، ظلت افتتاحيات رئيس هيئة التحرير نادرة. في حين أفسح المجال، "من تحت"، لظهور مواقف تقترب من المسألة بوعي تفهمي إزاء الظاهرة.

حاولت "الوقت" في البداية، نقل وجهات نظر الفاعلين الرمزيين فيها، عبر تمرير حوارات معهم (حتى العام 2009 كانت تصريحات زعيم حركة "حق" حسن مشيمع تظهر في "الوقت"، وبدرجة أقل عبدالوهاب حسين). كما فتحت نسبياً المجال إلى كتّاب "مخصوصين" تمكنوا بخلفيتهم الأكاديمية من وضع اليد على أسبابها (كتابات عبدالهادي خلف المستثناة تقريباً من مقص الرقيب).
ذلك طبعاً، إلى جوار من أفسحت لهم التعبير عن وجهة نظر السلطة، ممن لديه القابلية، أو حتى المصلحة، في تفهم   تدبيراتها إلى أقصى مدى، فريد حسن (رئاسة الوزراء) أو تمام أبو صافي (الداخلية).


غضب العين الحمراء


إلا أن ضاغط القوة الجديدة، الصاعدة على وقع صراعات أجنحة الحكم، كانت له اليد الطولى. ومرة أخرى، إنها قوة، لاتفهم كثيراً في تقاليد "الرأي والرأي الآخر"، مما يدخل في حسابات المهنة، قدر فهمها لجوهر الطاعة أو الولاء، مما يدخل في حسابات الهيمنة.

وقد رأى رئيس هيئة التحرير بعضاً من سطوة "طول اليد"، مرة على شكل "غضب العين الحمراء"، حسب التعبير الذي ورد في افتتاحية اليوم الأخير 3 مايو/ أيار. مثال ذلك، النظرة المستعرة التي نُقل أنه استشعرها من رئيس الوزراء خليفة بن سلمان (وقد كان أحمد بن عطية الله رئيساً لشئونه آنئذ)، في أحد اللقاءات معه، من جراء نشر حوار من 3 أجزاء مع أمين عام جمعية "الوفاق" الوطني الشيخ علي سلمان، عبر فيه عن طموحات جديدة في خطاب المعارضة، مثل تداول السلطة.

ومرة على شكل ما يشبه "صحيفة اتهام"، مثل ذاك الملف الذي سلمه إياه وزير الديوان الملكي بخصوص أحد كتاب الرأي في "الوقت"، وهو عباس المرشد، الأخ غير الشقيق لأمين عام "الوفاق". وقد حوى كافة كتاباته التي ينشرها خارج صحيفة "الوقت".

بطبيعة الحال، فقد كانت استجابة "الوقت" إلى ما دعته "غضب العين الحمراء" تختلف بحسب قوة الظرف الخارجي. مقارنة بسنة صدورها نجد أنها اكتفت بـ"بقصقصة" مقالات أمين عام جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" السابق المرحوم عبدالرحمن النعيمي. لكن بعد سنتين، سنجد أنها، ازدادت قسوة مع أمين "وعد" اللاحق إبراهيم شريف. وهي المحاولة التي انتهت سريعاً إلى "قصّ" طلته، كلية، من الظهور في "الوقت".

وكان هذا مؤشراً، بين عديد المؤشرات الأخرى، إلى الحال الذي وصل إليه ضيق الأفق السياسي، في الخارج، وهو ما انعكس بدوره، على الأفق الصحافي بعمومه، وفي الداخل، في "الوقت". وبتلاحم "الضيقين" معاً، إضافة طبعاً إلى "ضائقة" مالية استفحلت مع الأزمة المالية، و"دزينة" أخطاء إدارية يعرفها كل عامل فيها، تكون قد اكتملت كامل "تراجيديا" الصحيفة التي وعدت قراءها منذ اليوم الأول بأن تكون "مشروعاً صحفيا" يلتزم ب"الاستقلالية".

وبحكم الطابع المأسوي الذي ينطبع في الأجواء ساعة حلول "التراجيديا"، ومثال ذلك اختيار يوم الصحافة العالمي توقيتاً لإعلان تصفية الصحيفة، سيجلس مؤسس "الوقت" إبراهيم بشمي في مكتبه، بعد يوم من إغلاقها، محاطاً بأكوام الأوراق ورزم المجلات والكتب، مندهشاً لأن أحداً من أولي القرار، أو زملاء "الكار" لم يتصل ليعبر عن تضامنه. إن أحداً لم يتصل.

...استثناء مكالمة هاتفية يتيمة من الشيخ علي سلمان!


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus