» رأي
البحرين.. كلفة الإصلاح باتت مضاعفة
عباس بوصفوان - 2012-04-30 - 4:01 م
عباس بوصفوان*
بالنسبة للنظام في البحرين، فإن كلفة الإصلاح باتت مضاعفة، وغالية "الثمن". السبب في ذلك قد يعود إلى أسباب متعددة، بيد أن أي قراءة موضوعية للحالة البحرينية، لابد وأن تحمل أقطاب النظام الأسباب التي أدت إلى بلوغ المواجهة بينه (النظام) وبين قطاعات شعبية واسعة إلى هذه الدرجة من التوتر غير المسبوق.
طالما ظلت البحرين تعيش صراعا وتوترا، خصوصا في السنوات العشر الماضية، لكن طالما كان هذا التوتر محسوب النتائج، ومعلوم النهايات، إجمالا. إذ حرص الحكم على إبقاء التصعيد الأمني إلى الدرجة التي لا يفني "القطيع"، كما ينظر آل خليفة إلى المواطنين، فيما ظلت المعارضة حريصة على التعاطي بقدر كبير من ضبط النفس، تحسد عليها.
بيد أن المعالجة الأمنية الغبية لتجمعات دوار اللؤلؤة الحاشدة، أفضت إلى خلق جبهة معارضة واسعة، تضم شتات الجمهور، حتى أولئك الذين لا يحسبون، تقليديا، على الجماعات السياسية المعارضة.
لقد فتح العسكر، الذين قادوا مرحلة الطوارئ بين منتصف مارس ونهاية مايو من العام الماضي جبهات متعددة لم يكن معتادا فتحها، إذ شن الجيس بقيادة المشير خليفة بن أحمد حربا ضروسا ضد التجار والتكنوقراط والعوائل التقليدية، التي طالما نظر إليهم كجزء من نسيج النظام، أو على الأقل قريبين منه، كما تشير إلى ذلك حوادث انتفاضة التسعينات (1994ـ 1999)، والأحداث التي تلت حل برلمان 1973.
ولا يعرف فيما إذا كان التيار المتشدد، برئاسة وزير القصر خالد بن أحمد، قد أخطأ تقدير الموقف في فبرابر من العام الماضي، أم انه اعتبر التظاهرات الحاشدة فرصة لإكمال برنامج التطهير الذي دشن منذ حطت رجلا الملك حمد قصر الصافرية في مارس 1999.
لقد توقع البعض أن يدرك الملك حجم الأخطاء التي وقع بها، جراء سياسة التطهير والاستئثار والاقصاء التي طبعت نمط حكمه، والتي أفضت ـ حقيقة ـ إلى خروج تظاهرات 14 فبراير. وفق هذا التصور فإنه وإن كانت في نية الملك ـ كما هو معروف عنه ـ عدم التعاطي بإيجابية مع مطالب المحتجين، فإنه قد يقابل التظاهرات بقدر من ضبط النفس، ومعادلة العصا والجزرة، وسياسة "حذقة" تتمكن من التفريق بين شتات المتجمعين في دوار اللؤلؤة، كما فعل خليفة بن سلمان في عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات.
بيد أن الملك بدأ مباشرة، وفي 17 فبراير 2011، بإطلاق النار على النائمين في الدوار، وأكملها بسياسات عنيفة بعد منتصف مارس، أفضت إلى مأساة إنسانية، صعب على تقرير بسيوني الإلمام بها كاملة.
والقراءات المتوافرة الآن، تفيد بأن ما يحرك الملك، منذ حل ضيفا (لأن الملك لا يدوم) على قصر الصافرية، وهو يحمل في دواخله سياسات وفق العقيدة التالي: المواطنون أعداء، علينا تطهير البلد منهم، لذا أمر مستشاريه بوضع سياسات عملية ـ وثق الكثير منها تقرير البندر (أغسطس 2006) ـ تحيل الشعب ثانويا في الحياة العامة، وتحول البحرين "ديمقراطية مستبدة" و"ليبرالية دكتاتورية".
وخلاصة القول هنا، إن القمع الذي طال جمهور الدوار، كان أساسا جزءا من نهج أصيل داخل أروقة السلطة، وكان ذلك النهج الدكتاتوري وراء خلق دوار اللؤلؤة.
وبدل أن يتراجع الحكم، أو يلتف على الدوار ومطالبه وجمهوره، ويعمل على محاصرته واحتوائه، راح يمعن في قمعه، مما أفرز دوارا في كل فرد وبيت ومنطقة. لقد بات كل واحد من الناس دوار لؤلؤة، على النظام أن يقتلهم جميعا كي يمحي الذكريات السيئة، وهو التعبير الذى اختاره رئيس الدبلوماسية البحرينية لتفسير أسباب هدم نصب اللؤلؤة الشهير.
رغم ذلك، فإن القول بأن الناس يرفضون الحوار والتسويات يبدو تعسفا. إنهم مستعدون، كما أتوقع، لقبول حلول سياسية، بيد أن المشكلة ستظل في السلطة التي عليها أن تقدم مبادرة جريئة يتنازل بموجبها حكام آل خليفة عن جزء من صلاحياتهم للبرلمان، ولحكومة لها معطى شعبي.
إن الفرق كبير بين ملك المغرب الذي اشترى عشر سنوات من راحة البال، بتقديم تنازلات يشكك كثيرون أنها ستطبق على الأرض، وبين ملك البحرين الذي اختار أن يرجع بالبلد ثلاثين سنة للوراء، وربما أكثر.
*صحافي بحريني.