الشقاق مع قطر صنيعة جيل جديد من الزعماء في الخليج

2017-06-20 - 5:23 ص

مرآة البحرين (رويترز): بعد عامين من الاندفاع في صراع يمني لا تلوح له نهاية في الأفق فاجأت السعودية والإمارات العالم مجددا بقطيعة قاسية هذه المرة لدولة قطر المجاورة.

ومثلما هو الحال مع حرب اليمن التي راح ضحيتها ما يربو على عشرة آلاف شخص فإن الشقاق مع قطر يرتبط إلى حد أكبر بجيل جديد من الزعماء في الخليج الغني بالطاقة يميل أكثر إلى المواجهة بالمقارنة مع سابقيهم المحافظين الذين جنحوا أكثر إلى السياسة التوافقية الحذرة.

وعلى الرغم من أن الخلاف قد يلحق خسائر كبيرة بقطر في نهاية المطاف فإن له تداعيات أيضا على السعوديين والإماراتيين الذين يرى منتقدون أن نشاطهم يؤجج حالة التشكك في جوار غير مستقر بالفعل بل وقد يدفع المنطقة صوب صراع شامل مع العدو اللدود إيران.

وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر قبل أسبوعين واتهمتها بدعم "الإرهاب" والتدخل في شؤون الدول الأخرى والتقارب مع إيران وجميعها اتهامات تنفيها قطر.

وفشلت جهود الوساطة بما في ذلك جهود أمريكية.

وتتجسد سياسة استعراض العضلات في زعيمين شابين قويين هما ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 31 عاما والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي البالغ من العمر 56 عاما.

ويقف الاثنان على النقيض مع زعماء خليجيين عرب سابقين تجاوزوا الأزمات على مر عقود بإتباع سياسة تصالح تستهلك الوقت.

ونظيرهما على الجانب الآخر شاب أيضا هو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي خلف والده في 2013 وهو في سن الثالثة والثلاثين وورث سياسة خارجية بارزة تجعل الدولة الصغيرة الغنية تمارس نفوذا يفوق حجمها في المنطقة.

وقال مأمون فندي وهو محلل سياسي مقره لندن "يبدو أن قواعد اللعبة تغيرت. تغيرت القيم التي تحكم العلاقات بين الأسر في الخليج".

وأضاف "نتحدث الآن عن شبان. لا أعتقد أن الأمر سيحل قريبا".

 

الأمير محمد والشيخ محمد

ويدير الأمير السعودي محمد بن سلمان استراتيجية اقتصادية ودفاعية ونفطية وهو على اتصال مباشر بالعاهل السعودي الملك سلمان والده البالغ من العمر 81 عاما. وفي مملكة يحكمها ستة أشقاء بالتتابع فإن الأمير محمد وابن عمه ولي العهد هما أول أبناء الجيل الجديد في الوصول إلى أعلى دوائر السلطة في البلاد منذ 64 عاما.

ويقود الأمير محمد مسعى طموحا لإصلاح الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط وبذل جهدا كبيرا للتدخل في اليمن عام 2015 بهدف التصدي لسيطرة مقاتلين متحالفين مع إيران من جماعة الحوثي.

لكن وبعد شهور من القصف لم يفرض أي طرف هيمنته في حرب شردت أكثر من ثلاثة ملايين شخص وجعلت الكثيرين على شفا المجاعة وسمحت لجناح قوي في تنظيم القاعدة بتوسيع عملياته.

والآن يبدو أن الأمير محمد بن سلمان تولى تنسيق الخطوة ضد قطر والتي جاءت بعد أيام فقط من عقد قمة في الرياض دعا فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التحرك الجريء.

وقالت جين كينينمونت وهي باحثة في شؤون الشرق الأوسط بمعهد تشاتام هاوس "إنها تحمل البصمة الوليدة لتصرفاته وهي مفاجئة واستعراضية لكنها ليست بالضرورة استراتيجية. إنه موقف متطرف دون نهاية واضحة".

والأمير محمد بن سلمان على علاقة طيبة بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ونائب رئيس أركان القوات المسلحة في الإمارات. وتقر حاشية الأمير السعودي بأن بإمكانها الاقتداء كثيرا بتنويع الإمارات لاقتصادها بعيدا عن النفط.

ويتبنى الشيخ محمد بن زايد موقفا صارما ضد قطر وإيران منذ وقت طويل وهو موقف انتقل فيما يبدو للأمير محمد بن سلمان الذي صعد الخطاب. وفي الشهر الماضي استبعد الأمير السعودي الحوار مع إيران وتعهد بحماية السعودية مما وصفها بمساعي طهران للهيمنة على العالم الإسلامي.

وفي تصريحات جريئة قال إن أي صراع على النفوذ بين المملكة السنية والجمهورية الإسلامية الشيعية يجب أن يكون "في إيران وليس في السعودية".

وبعد هجومين في طهران هذا الشهر ألقى الحرس الثوري الإيراني باللوم فيهما على السعودية، وصف وزير الخارجية الإيراني هذه التصريحات بأنها "تهديد مباشر واستفزاز خطير".

وقال تشاس فريمان وهو سفير أمريكي سابق في السعودية إن الرياض وحلفاءها "لا يحجمون عن المخاطر بعد الآن. كانوا متعقلين ويحترسون من الخطأ. والآن هم مستعدون لممارسة نفوذهم".

 

داخل قطر

وتجاوز الشيخ تميم أمير قطر نزاعا أصغر مع جيران خليجيين في 2014. وتعهد بالنأي بنفسه عن السياسات المناهضة للسعودية لوالده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي تولى السلطة عقب انقلاب في 1995 وصاغ السياسة الخارجية قبل أن يتنحى لإفساح المجال أمام ابنه قبل أربع سنوات.

لكن الشيخ تميم واصل مواقفه الاستقلالية وطور علاقات مع حركات إسلامية مثل حركة طالبان الأفغانية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) سعيا وراء النفوذ.

ويبدو أن السعودية وحلفاءها مستعدون لاستخدام كل السبل باستثناء قوة السلاح لكبح جماح قطر لكن هشاشة الأجواء أثارت المخاوف من إمكانية حدوث عنف.

ودب الخلاف بين الدول الخليجية على مر عقود وكان في الأغلب شفهيا بسبب ترسيم الحدود أو السياسة الخارجية. وفي 1992 سقط عدد من القتلى في اشتباكات على الحدود السعودية القطرية.

ويقول محللون إن الرياض وأبوظبي ليستا راضيتين هذه المرة عما تصفانه بالنفوذ المستمر للشيخ حمد بما في ذلك شبكة الجزيرة الفضائية التي يتهمها الجانبان بالتدخل في شؤون الدول الأخرى.

وإذا رضخ الشيخ تميم كثيرا فإنه قد يواجه تحديا من داخل أسرته وإذا ظل صامدا فإن أفراد الأسرة الحاكمة قد يبدأون في التذمر.

وقال دبلوماسي غربي في المنطقة "قد يبدو هذا كمجلس إدارة ساخط يغير رئيسا تنفيذيا لم يعد يحقق أرباحا للشركة أكثر منه انقلاب".

وتقول الرياض وأبوظبي إنهما أوضحتا ما تتوقعانه من الدوحة لكنهما ليستا متأكدتين مما إذا كان الشيخ تميم سيستجيب ببساطة. وعلى عكس اليمن الفقير بشدة بالفعل حتى قبل الحرب فإن قطر متصلة بالاقتصاد العالمي ونصيب الفرد فيها من الدخل هو الأكبر في العالم.

وتستضيف قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وتتباهى باستثمارات من بينها مبنى إمباير ستيت في نيويورك وبرج شارد في لندن ومتجر هارودز.

وتمثل عرقلة حركة العبور الجوي تهديدا كبيرا للأعمال وهناك حديث يفيد بأن المقاطعة قد تستهدف في نهاية المطاف استضافة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.

وقال فندي "يمكن أن تخرج العواقب غير المقصودة لهذا عن السيطرة. ليس من مصلحة أحد أن تبلغ مداها".

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus