» رأي
غزوة جواد على خطى خليفة بن سلمان
عبدالهادي خلف - 2012-04-15 - 11:15 ص
* عبدالهادي خلف
بعد خمسة أسابيع على دخول القوات السعودية إلى البحرين في 15 مارس 2011 لإخماد ربيعها إستدعى خليفة بن سلمان حشداً كبيراً من التجار ورجال الأعمال البحرينيين ليوجه لهم اللوم على ماسماه بمواقفهم المترددة طوال فترة الشهر السابق مؤكداً أن الولاء هو المعيار الذي سيستخدمه في علاقته بهم. و سمع الحاضرون منه تصنيفهم إلى ثلاث فئات حسب مواقفهم في فترة إحتجاجات دوار اللؤلؤة. أما الفئة الأولى فتضم من سماهم خليفة بن سلمان تجارا وطنيين مؤكداً أنه لن ينسى إنهم أثبتوا إخلاصهم وولائهم ولهذا فلهم أن يتوقعوا الخيرات. أما الفئة الثانية فهم غالبية التجار ورجال الإعمال الذين تعودوا على الوقوف على الحياد في أوقات الأزمات التي تمر بالبلاد ولهذا لم يروا سببا لأعلان موقف مع الإحتجاجات أو ضدها. أما الفئة الثالثة فهي تضم من سماهم خليفة بن سلمان بالتجار “الضد” أي الذين تعاطفوا بأشكال مباشرة أو غيرمباشرة مع المعتصمين في الدوار. فعلى أفراد هذه الفئة أن يتوقعوا أن تقاطعهم “الدولة” وأن تعاملهم كأعداء فالبحرين ”لن تنسى من حاول ايصالها إلى الهاوية” كما قال.
كان خليفة بن سلمان متوتراً وكانت عباراته قاسية مما أوحى للحاضرين بأنه ينوي أن يقوم بحملة “تطهيرية” في صفوف التجار ورجال الأعمال على غرار الحملة ”التطهيرية”التي كانت أجهزة الأمنية تشنها في صفوف موظفي الحكومة والمؤسسات العامة علاوة على مؤسسات المجتمع المدني بما فيها النقابات العمالية والجمعيات االمهنية. وبالفعل قامت الهيئة الإدارية في غرفة التجارة والصناعة في البحرين بإقال إثنين من أعضاء هيئتها الإدارية وعددا من موظفيها. وهو إجراء غير مسبوق في تاريخ الغرفة. ولكن خليفة بن سلمان كان يطلب ما هو أكثر. فلقد أعلن في ذلك الإجتماع بداية رسمية لحقبة جديدة في العلاقة بين السلطة الخليفية والناس بمن فيهم التجار ورجال الأعمال.
في هذه الحقبة الجديدة التي دشنتها المدرعات السعودية وهي تفتح البحرين وتقمع ربيعها لن تقبل السلطة الخليفية أن يقف احدٌ على الحياد.¨ فمن ليس معها فهو ضدها. ولم يعد مقبولاً أن يكون إعلان الولاء مكتوماً في القلب أو محصوراً بين جدران المجالس كما كانت الحال عليه طوال العقود الماضية. فخليفة بن سلمان يريد الآن الولاء معلناً وعلى رؤوس الأشهاد. ولاءٌ تشاهده الناس على شاشات التلفزيون وتسمعه في محطات الإذاعة وتقرأه في الصحف.
بعد أيام من ذلك الإجتماع علمتُ من أحد الأصحاب ممن حضروا ذلك الإجتماع أن أحوال التجار صارت لا تسر. وقال صاحبي, مبالغاً, أن “بعض التجار صاروا لا ينامون الليل خوفاً على أرزاقهم من بطش خليفة بن سلمان”. فهم يعرفون عنه أموراً لا نعرف منها إلا شذراتها. وبالفعل رأينا تغيراً ملحوظاً في سلوك كثيرين ممن تعودنا منذ الثلاثينيات على إعتبارهم ينتمون إلى بيوتات تجارية لا تتعاطى مباشرة في الشأن السياسي إلا في حدود ما يفرضه السنع والأعراف أو في حدود شراكاتها مع هذا الطرف أو ذاك في العائلة الخليفية. وبدأ بعضهم يتدافع لإبراز مدى ولاءهم للسلطة الخليفية ولخليفة بن سلمان بالذات. وإزداد تواجدهم في المجالس الإسبوعية لخليفة بن سلمان وغيره من عائلته. بل ونشر بعض التجار ورجال الأعمال مقالات كتبوها أو إستكتبوها إما باللغة العربية أو الإنجليزية للتنديد بالمعارضة “الخائنة” سواءً أكانت في السجن أو خارجه.
على الرغم من نجاحه الظاهري في البداية فإن خليفة بن سلمان لم يتمكن من “تطهير” السوق ممن إعتبرهم أعداء السلطة الخليفية بسبب تأييدهم للحراك الديمقراطي أو بسبب رفضهم التبرؤ من ذلك الحراك أوإدانته. فللسوق قوانينها ومساراتها. إلا إن ذلك الفشل لم يمنعه من تشجيع مشايخ دين وأئمة مساجد ونواب ووجهاء مقربين منه على تدشين حركة واسعة تحت شعار لمقاطعة المحلات “التي يملكها الشيعة أو الخونة من أهل السنة”. فشهدنا في الأشهر الماضية تداول نشرات تحريض على مقاطعة سلسلة طويلة من المحلات التجارية تتراوح أنشطتها من تجارة المجوهرات أوالعطور إلى توزيع المياه المقطرة أوبيع الشاورما.
تأتي الغزوات الأخيرة التي تعرضت لها محلات جواد في النويدرات والمنامة والبسيتين على أيدي لوفرية السلطة وفي حمايتها منسجمة تماماً مع الإستراتيجية التي أعلن عنها خليفة بن سلمان في لقائه مع التجار ورجال الأعمال في 18 أبريل 2011. بطبيعة الحال لا يستطيع خليفة بن سلمان أن يدعي أن أصحاب مجموعة جواد موّلوا الإحتجاجات أو إنهم ساهموا في التحريض عليها. فلو كان يملك ما يكفي للإدعاء عليهم بذلك لما بقي من أولاد حسن جواد وبناته أحدٌ خارج المعتقل. ولكن خليفة بن سلمان قررأن تكون السوق في أيدي الموالين له حتى ولو تطلب ذلك أن يشجع عشرات اللوفرية وبلطجية وزارة الداخلية على نهب محلات تجارية بهدف ترويع الناس و معاقبة أصحاب تلك المحلات. من سوء حظ خليفة بن سلمان أن كاميرات برادات جواد كانت أكثر ذكاءً من ضباطه وجنوده.
*أستاذ علم الاجتماع في جامعة لوند - السويد
عن مدونة عبد الهادي خلف