أوبن ديموكراسي: حسين عبد الله: فن الصفقات في الخليج: كيف يمكن لترامب أن يعقد صفقة جديدة مع البحرين؟

حسين عبد الله - موقع أوبن ديموكراسي - 2017-02-17 - 11:09 م

ترجمة مرآة البحرين

على الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، أن يوضح استراتيجيته في السياسة الخارجية - أو على الأقل أن يوحد وجهات النّظر المتباينة لحكومته- ولكن شيئًا واحدًا واضح ببروز: السنوات الأربع المقبلة ستكون بعيدة كل البعد عن عقيدة أوباما.

بالنّسبة لشعب البحرين، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة في الخليج، فإن هذا سبب كل من التخوف والتّفاؤل.

بدءًا من حملته الانتخابية، ووصولًا إلى الأسبوع الأول من ولايته، أظهر ترامب القليل من الاهتمام بتعزيز حقوق الإنسان في الدّاخل أو الخارج، وبدلًا من ذلك، دافع في كثير من الأحيان عن انتهاكات القانون الدّولي على وجه التّحديد. ومن دواعي القلق العميق للنشطاء ومدافعي حقوق الإنسان المطالبين بالدّيمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سماع ترامب يثني على أمثال صدام حسين وبشار الأسد ومعمر القذافي -وهم المستبدون ذاتهم الذين  خاطروا [النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان] لمقاومتهم.

مع ذلك، كان عدد من الوعود النبيلة للرئيس أوباما في المنطقة أقل بكثير من التّوقعات. في مايو/أيار 2011، بعد أن قمع نظام آل خليفة في البحرين بعنف الانتفاضة المطالبة بالدّيمقراطية في البلاد، على سبيل المثال، أكد أوباما على التزام أمريكا بإصلاح حقوق الإنسان والمصالحة السلمية.

وقال أوباما إنّ "الطريقة الوحيدة للتقدم هي أن تلتزم الحكومة والمعارضة في حوار، ولا يمكنك أن تحظى بحوار حقيقي مع وجود أفراد من المعارضة السلمية في السّجن"، مصدرًا تعليمات إلى وزارة الخارجية بحظر مبيعات الأسلحة إلى البحرين إلى أن تظهر تقدمًا ذا مغزى باتجاه تصحيح الأزمة السّياسية.

بعد أكثر من خمسة أعوام وولاية رئاسية كاملة لاحقًا، فشلت إدارة أوباما في الاستفادة من موقفها الرئيسي. بدلًا من ذلك، ومنذ العام 2011، كانت فقط في حالة استعداد.

في بعض الحالات، لم تسمح الإدارة الأمريكية لنفسها حتى بأن تكون عرضة للمناورة من قبل حكومة بحرينية حريصة على استعادة صورتها الدّولية في غياب إصلاح حقيقي.

خلال العام قبل الأخير لأوباما في منصبه، تدبر المسؤولون البحرينيون أمر عكس أقوى موقف تفاوضي لأمريكا -والقضاء على كثير من نفوذها- ببعض من الخداع والتضليل.

التلاعب بالدّعوات الأمريكية لتنفيذ توصيات اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وهي لجنة مكونة من قانونيين دوليين مُكَلفين بالتحقيق في الانتهاكات المُرتَكَبة في العام 2011، قامت الحكومة البحرينية بعدد من المبادرات الإصلاحية، بما في ذلك الإفراج عن الزعيم السّياسي إبراهيم شريف.

ابتلعت الولايات المتحدة الطعم على الفور، ورفعت حظرًا للعقاب كانت قد فرضته في أعقاب حملة القمع في العام 2011، فأعادت مبيعات الأسلحة إلى الجيش البحريني والحرس الوطني. وذكر مسؤولو الخارجية الأمريكية "تقدمًا ذي مغزى في مجال حقوق الإنسان والمصالحة"، مثل الإفراج عن إبراهيم شريف.

لكن، في عملية مبتذلة، أعادت السّلطات البحرينية اعتقال شريف بعد ذلك ببضعة أسابيع، متراجعة تقريبًا على الفور عن أي اتفاق كان قد تم التوصل إليه. وفيما سيكون سمة لإدارة أوباما في العامين الأخيرين من الالتزام مع البحرين، انتقدت القرار لكنها لم تفعل شيئًا - راضية عن حصول البحرين على أسلحتها، وعلى سجنائها السّياسيين أيضًا.

تراجع أمريكا عن هذه الصفقة الفاشلة أصبح أسوأ فقط في الأشهر المؤدية إلى رئاسة ترامب. ومع وصول حملته الانتخابية إلى حالة تأهب قصوى خلال الصيف، جدّدت الحكومة البحرينية اعتداءها على المعارضة والحرية الدّينية والمجتمع المدني المستقل.

ومن بين انتهاكات أخرى، منذ مايو/أيار 2016، نفت السّلطات البحرينية النّاشطة الحقوقية البارزة زينب الخواجة وأسقطت جنسية القائد الديني الشيعي البارز للبلاد الشّيخ عيسى قاسم وحاكمته، ولاحقت قضائيًا أكثر من 75 رجل دين على خلفية تهم متعلقة بحرية التعبير وحرية التّجمع، وأعادت اعتقال المدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب على خلفية تهم ناجمة عن نشاطه الحقوقي، وحلت الجمعية المعارِضة الأكبر في البحرين، جمعية الوفاق الوطني الإسلامية.

الأمر الأكثر إثارة للقلق، كان أنّه في 15 يناير/كانون الثاني 2017 -قبل أيام من تولي ترامب منصبه- افتتحت البحرين عهدًا جديدًا من تلقاء نفسها: للمرة الأولى خلال عقدين من الزمن، نفذت الحكومة البحرينية حكم الإعدام بحق ثلاثة من مواطنيها على خلفية تهم ذات دوافع سياسية. تم إعدام سامي مشيمع وعلي السنكيس وعباس السميع رميًا بالرّصاص بعد أن تم تعذيبهم للإدلاء باعترافات كاذبة تتعلق بتفجير ضد  الشرطة في العام 2014.

وكما مئات الحالات الأخرى من التّعذيب في البحرين، لم تحقق الحكومة في هذه الانتهاكات، بل سحبت من الرجال جنسياتهم في محاكمات شائعة تنتهك الإجراءات القانونية، وسرّعت قضيتهم من خلال مسار الاستئناف، ونفذت الإعدامات بعد أسبوع فقط من تأكيد المحكمة العليا الحكم وبعد شهر فقط من قيام المحكمة الابتدائية بالأمر ذاته.

الولايات المتحدة الأمريكية والبحرين حليفتان في مكافحة الإرهاب، وهي مهمة رئيسة بالتّأكيد على الأجندا الدولية للرئيس ترامب. لكن الحكومة البحرينية أظهرت مرارًا وتكرارًا استعدادها لتجنب المصالحة المحلية بالعنف وانعدام الاستقرار، وحتى استخدمت تشريعاتها الناقصة لمكافحة الإرهاب كسلاح ضد المعارضة الدّاخلية.

واضح ما تستفيده البحرين من هذه الشّراكة -لكن هل تستفيد الولايات المتحدة حقًا؟

الرّئيس ترامب، وهو رجل أعمال مختص بـ "فن الصفقات"، أعلن عن أنه "سينتهج سياسة خارجية جديدة تتعلم أخيرًا من أخطاء الماضي"، حتى لو كان ذلك يعني إعادة تجهيز التّحالفات الأساسية وذات الأمد الطويل، كالنّاتو. "ويقول إنّ "هدفنا الاستقرار"، وليس "إسقاط الأنظمة والإطاحة بالحكومات".

وإذا كان هذا  هو الحال، فإذًا ليس هناك وقت أفضل من الآن، ليعيد الرّئيس التّفاوض بشأن الشّروط مع البحرين. وقبل أن يُحَول القمع، الذي لا رادع له، الاستقرار إلى أوهام، على إدارة أوباما أن تتعلم بالفعل من أخطاء أسلافها، وأن تلعب ورقة المساومة الأخيرة الأكثر نفوذًا: قاعدة الأسطول الأمريكي الخامس في المنامة.

كان الكونجرس قد طلب سابقًا وضع خطة طوارئ لنقل القاعدة في حال واصل الوضع السّياسي التّدهور في البحرين، لكننا الآن وصلنا إلى درجة هائجة من القمع.  على الرئيس ترامب أن يظهر للحلفاء أنّه حتى لو أشار أوباما إليهم كـ "دراجين أحرار" -مثل البحرين وجارتها المستبدة، السّعودية - فإن الولايات المتحدة مستعدة لإعادة النّظر بجدية بضرورة المُنشَأة، وبالتّالي، الظّروف الأشد عمقًا للشّراكة.

وإن كان الاحترام الظاهري من قبل أوباما لحقوق الإنسان قد غطى الطبيعة الحقيقية للعلاقات بين أمريكا وحلفائها المستبدين في الخليج، قد يستطيع ميل ترامب المُعلَن للمساومات العملية على الأقل وضع الولايات المتحدة مجددًا في موقع التّحكم.

وعلاوة على ذلك، مع تفاني ترامب لسياسة خارجية انعزالية مفادها "أمريكا أولًا"، فإن التّرتيبات الأمنية الواسعة النّطاق -التي تجسدت في مُنشأة مثل قاعدة الأسطول الخامس في المنامة- لم تعد ربما حيوية بعد الآن لمصالح أمريكا.

من موقع القوة هذا، سيكون الرّئيس حكيمًا لدى تأكده من أن أي شراكة مستمرة مع البحرين تخدم المصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، والتي تبقى الاستقرار والديمقراطية وحقوق الإنسان.



النص الأصلي    


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus