«الواعظ المعمم» يروي آخر ساعة عاشها الشهداء قبل الإعدام: سخروا من الموت ورحلوا..
2017-01-20 - 5:37 م
وعند الفجر، أَيقظني
نداء الحارس الليليِّ
من حُلْمي ومن لغتي:
ستحيا مِيْتَةً أخرى،
فَعَدِّلْ في وصيتِّكَ الأخيرةِ
(محمود درويش)
مرآة البحرين (خاص): ماذا عن المشهد الأخير أو قبل الأخير للشهداء، على عتبة الأبدية البيضاء، قبل أن يخطوا خطوتهم الأخيرة نحو ذلك العالم، «الأستاذ» عباس السميع، سامي مشيمع، علي السنكيس.
كيف تشكّلت تلك الأنفس التي تعرف أنها ستزهق قهراً لتموت، وتنتهي من هذا العالم، وتوارى في التراب جثامينها، وتفارق أحبابها، هي لحظة نهاية أي حلم دنيوي، لا زواج سيكون لهم يوماً، لا أولاد سيحملونهم على الأكتاف، لا وظائف لائقة، لا حساب بنكي يبعث على التباهي أو الإحباط، لا سيارات رياضية فارهة، لا سفرات سياحية، لا صور حلويات على «الانستغرام»، لا شيء من هذا كله سيكون، الموت فقط ولا غيره، ما أصعب أن يعرف الإنسان موعد موته، هل كان هذا صعب فعلاً؟
معلومات هذا التقرير، ترد نقلاً عن لسان الرجل الذي أعطاه النظام دور الواعظ بموجب إجراءات أحكام الإعدام «الشيخ أحمد المخوضر». في السطور التالية سنعرف ماذا قال لهم الواعظ، وكيف هي ردة فعلهم حين عرفوا أنهم سيعدمون بعد قليل، ماذا قالوا وهم في حضرة الموت، هل كتبوا وصاياهم أم لا؟، كيف هي كلماتهم الأخيرة؟
يقول ذلك الواعظ لأحد أقرباء الشهيد عباس السميع، بعد أن تعرف عليه، وتأكد أنه من أقرباء الشهيد «لقد كنت معهم البارحة»، رد عليه مستغرباً «مع من؟»، أجاب المخوضر «مع المعتقلين الثلاثة الذين تم إعدامهم». كيف؟، ولماذا؟، ما الذي رأيت وسمعت؟، ماذا قالوا؟، كيف تلقوا نبأ إعدامهم، وكيف كان ذلك الإعدام؟
يروي المخوضر: تلقيت اتصالا من وزارة الداخلية، كانت الساعة الثانية عشرة من أول ساعات الأحد، أخذوني للقاء المعتقلين الثلاثة في سجن جوّ المركزي، وصلت هناك عند الثالثة فجراً، أدخلوني غرفة جمعتني مع المعتقلين سامي مشيمع، وعباس السميع، وعلي السنكيس،كان المطلوب مني، أن أبلغهم بنبأ إعدامهم، وأن أطلب منهم كتابة وصاياهم، وأية أمور قد يريدونها قبل إعدامهم. لم يحضر الشيخ الواعظ لحظة الإعدام، يقول: حضر أناس آخرون غيري.
سأل قريب الشهيد: ماذا كانت ردة فعلهم بعد تلقيهم خبر الإعدام الوشيك منك؟ رد (المخوضر) وعيناه تتسعان ورأسه يهتز باستغراب: لقد ضحكوا. سكت قليلاً وواصل: هل تصدق ذلك؟ لقد ضحكوا، كلهم كانوا مستبشرين. الشاب الصغير (علي) كان مستبشراً أيضاً.
ماذا أيضا؟، قلت لهم: لماذا تضحكون؟ سألت عباس لماذا تضحك، فرد عليّ: هذا شرف لنا وهذه سعادتنا، نضحك، لأن هذا هو ما نريده.
سألت سامي مشيمع: هل أنت متزوج فرد: لا. سألت عباس السميع، هل أنت متزوج، فرد عليّ: لا، لست متزوجاً، لكن يوم غد سأتزوج، وسيزفني شعب البحرين. لم يقل الشيخ أنه سأل علي السنكيس، إن كان متزوجاً أم لا. لا بدّ أنه لاحظ صغر سنه.
يقول الشيخ: طلبت منهم كتابة وصاياهم، كتب عباس السميع وصيته، وكذلك علي السنكيس، لم يتمكن سامي مشميع من كتابة وصيته، سألته إن كان يريد أن يترك وصية شفاهية، فقال لي: وصيتي هذه الكلمات: حسبي الله ونعم الوكيل. لم يتسلم الأهالي وصايا شهدائهم حتى الآن، ما زالت في حوزة وزارة الداخلية.
أسندت وزارة الداخلية، إلى الشيخ المخوضر مهمة الحضور إلى مقبرة الماحوز بعد أن حاصرتها وأحضرت جثامين الشهداء، لكي يصلي عليهم، لكن ذلك لم يحصل، فقد رفض والد الشهيد علي السنكيس أن يصلي الشيخ المخوضر على الشهداء.
هكذا شدّ الشهداء حيازيمهم للموت، وهم على عتبة الرحيل، لم يبعثوا بتوسل واحد إلى ملك الإعدام الذي لم يجرؤ حتى الآن على نشر مرسوم الإعدام الذي وقعه، لم يبحثوا عن اتصال أو واسطة لشخصية هنا أو هناك، لم يعد يملكهم أي شيء، رغبوا في الحرية وحصلوا عليها على طريقتهم، خطوا خطوة واسعة، وغابوا في البياض.
وزير حقوق الإنسان السابق صلاح علي مستقبلاً الشيخ أحمد المخوضر (بنا)