» تقارير
معلمة عمر:أنا والطفل عمر ضحية نار الطائفيين
2012-03-27 - 8:19 ص
مرآة البحرين (خاص): قيل إنه ليس هناك دخان بلا نار، لكن يبدو أن المعلمة فوزية حسن كاظم، أريد لها أن تكون هي الدخان، لنار الطائفية التي يجري تعميرها في هذه البلد منذ أكثر من عام. ليس هناك دخان في قضية فوزية، لكن هناك نار في القلوب التي أشعلت قصة مفبركة من لا شيء، إلا من أجل حرق كل شيء في هذا البلد.
فوزية معلمة لغة عربية في الخامسة والثلاثين من عمرها، من جزيرة سترة، تعمل للسنة السادسة في مدرسة النور العالمية، سبقتها سنتان في مدرسة بوابة المعالي، وسنتان في مدرسة الروابي. تعلّم المستوى الثالث في سن الروضة المعروف في المدرسة بـ(الريسبشن). الوحيدة (الشيعية) بين معلمات قسم الروضة الخمس. ليس في هذه المعلومات ما يهم في الأوضاع العادية، لكنه الآن ليس كذلك. لم يسبق لملف عمل المعلمة فوزية أن شمل أي سلوك غير تربوي أو غير مهني. لها علاقة ودودة بالجميع، وتحظى بتقدير عال من إدارة المدرسة الأجنبية.
فجأة نستيقظ صباح يوم الاثنين 18 مارس الماضي، على فرقعة كبرى، خبر يأتي صادماً وصاعقاً هكذا: معلمة شيعية تجبر طفلاً على تقبيل قدمها لأنه سني واسمه عمر!!!
الأرضية المشحونة والمحتقنة في أشد حالاتها الشاذة، كثيرين لم يلزمهم الأمر ليتحققوا، بادروا بالنشر والـ(ريتويت) على موقع التواصل الاجتماعي(تويتر) الأكثر شعبية في البحرين الآن.
لا تلبث الفرقعة أن تصير فرقعات، يشترك في الفرقعة: صفحات الفتنة، مغردو الفتنة، صحف الفتنة، قنوات الفتنة، أبطال الفتنة. جميعها تنفث في دخان لا نعرف أصله. محمد الشروقي الملفوظ من قناة البحرين، بعد فضائحه الشاذة أخلاقياً وطائفياً، والمتلقف من قبل القناة السلفية وصال، يجعجع في برنامجه الراصد: "فوزية حسن كاظم الشيعية الصفوية، تجبر طالباً، لأنه سني ولأنه عربي، أن يقبل رجلها النتنة كل يوم، تخلع الحذاء وتجبره أمام الطلبة أن يقبل قدمها كنوع من الإذلال والإهانة. الجميع أكد هذه القضية". نعم هكذا حرفياً قالها بسوقيته المعهودة والمبتذلة.
يلتقط الخيط سريعاً زميله المبتذل في الانتفاع بالفتنة، (محمد عرب) مراسل قناة العربية، الغريب غير الأديب والمعروف بتكسبه القائم على الشحن الطائفي والفبركات الإعلامية، يشن حمله عبر تويتر بأنه سيتبنى قضية الطفل عمر. قروب الفاروق التابع للعقيد المُعذِب والفار من يد العدالة عادل فليفل، يشن حملة موجهة ضد المعلمة ويقذفها بأبشع النعوت والأوصاف. بهذه السرعة صارت التلقفات فرقعات من قبل جهات مسعورة طائفياً، لاقت فرقعة مقابلة من الكثيرين.
(مرآة البحرين) التقت المعلمة فوزية، سألتها عن الدخان وعن النار، تفاجأت المرآة أن ليس هناك دخان أصلاً، هكذا تروي المعلمة حكايتها وهي لا تزال غير مستوعبة لما حدث، تقول " أدرّس الأخوان يوسف (5 سنوات) وعمر (4 سنوات) اللغة العربية منذ بداية العام الدراسي. عمر أصغر من باقي الأطفال، تم وضعه مع أخيه ليكونا معاً. ظننتهما في البداية توأماً. ليس هناك أي شيء بيني وبين ولي الأمر، هو يعرفني ويعرف تعلق الأطفال بي وحبهم لي. في المرة الأولى التي حضر لي فيها كان ابنه قد أصر أن يريه معلمة اللغة العربية التي يحبها، منذ بداية العام الدراسي التقيت بوالدهما 3 مرات تقريباً أحدها في اليوم المفتوح".
تضيف المعلمة: "لم أفكر يوماً أن أرى في الأطفال غير طفولتهم وبراءتهم وشقاوتهم، لا يهمني من أين يأتون ولا إلى أي طائفة ينتمي أهلهم. هؤلاء أصغر من أن يراهم أحد بغير عين طفولتهم، أتعامل معهم بكل صدق وبكل حنان وبكل حب، لهذا هم يبادلوني الحب بالحب. لم أتصور يوماً أن يوجه لي يوماً ما يمس طفولة أحد، فكيف بهذه التهمة البشعة!".
تكمل بتعجب منكسر: "لم يحدث أي شيء، أي شيء، هذه القصة كاذبة جملة وتفصيلاً وليس فيها شيء من الصحة". لكن ليس هناك دخان بلا نار يا فوزية، تواجهها المرآة. تجيب: في قضيتي نعم هناك دخان وهناك نار، لكن ليس الدخان دخاني ولا النار ناري، لست أنا الجانية، أنا المجني علي فيها. لقد جعلوني دخاناً لنيرانهم الطائفية البغيضة، هذا كل ما هناك".
تكمل فوزية: "آخر مرة رأيت والدهما كان يوم الخميس 15 مارس، أي قبل يومين فقط من إثارة الزوبعة الكاذبة، سألني عنهما، قلت له بابتسامة: شوي عمر صاير شقي على نهاية السنة، فأجابني بابتسامة مقابلة: "ولا يهمك راح أقرص لك إذنه". كان هذا آخر حوار بيني وبين الوالد". تكمل فوزية: "في يوم الأحد، تم استدعاء الطفلين من درسي، قالوا لي أن عمتهما تريدهما، عرفت فيما بعد أنها مدرسة (مصرية) تعمل في المدرسة ذاتها، عرفت بعدها أن الأب ذو أصول مصرية. لم أكترث لأني لم أكن أعرف ما يُخبأ لي. بعد قليل تم استدعائي لإدارة المدرسة، سألتني المديرة: هل تتركين الأطفال يقبلونك على خدك أو يدك أو رجلك؟ تعجبت من السؤال غير الطبيعي، أجبتها بالنفي، لم أخف تعجبي من السؤال، أوضحت أنه في أحيان قليلة يقوم بعض الأطفال ولفرط حبهم لي باحتضاني وتقبيلي على خدي فقط. كان هذا هو فقط السؤال الذي وجهته لي المديرة قبل أن تطلب مني العودة لعملي. بقيت غير مستوعبة لهذا السؤال الغريب. لجأت إلى مسؤولتي أخبرها باستغرابي: لماذا هذا السؤال؟ أخبرتني بأغرب ما يمكن أن تسمعه أذني!!.
في اليوم التالي مباشرة أتت لجنة تحقيق من وزارة التربية والتعليم، المسألة جدية إذاً!، تم التحقيق مع المعلمة في الموضوع، وفي نهاية اليوم الدراسي أخبرت أن عليها الذهاب إلى التعليم الخاص بالوزارة والالتقاء بهند الدوسري، ذهبت، قامت الأخيرة بالتحقيق معها، وقعت فوزية على أقوالها، وخرجت. تقول: "توقعت أن الأمر سيقف عند هذا، لبس أو سوء فهم وسينتهي، لم أتوقع الضغوط الهائلة التي أتت للوزارة للضغط على المدرسة ضدي، لم أكن مستوعبة الموضوع في البداية، لم أتوقع أن يتحول إلى كل هذا، وكان السؤال الذي لم استوعبه، ولا أزال لا أستوعبه حتى الآن هو: لماذا؟".
تفاجأت فوزية بتسريب اسمها واسم زوجها وصورته وعنوان بيتهم وأرقام هواتفها. تفاجأت بالاتصالات التي تهاجمها وتتوعدها بالانتقام منها في أطفالها، تفاجأت بالاتصالات التي تطعن في أخلاقها وشرفها، تفاجأت بالرسائل التي وصلتها على هاتفها تكيل لها السبائب والشتائم والإهانات والكلمات البذيئة والمهينة للعرض والشرف والأخلاق. لم تصدق فوزية ما يحدث حولها، لماذا أنا بالذات؟ ولماذا كل هذه الفزعة المفتعلة؟ ولمصلحة من؟ ولماذا كل هذا الكذب؟ " لم أصدق أن كل هذه المجموعات سخّرت نفسها للنفخ في قضية مفتعلة. كانت إدارة المدرسة تقف معي لكن بعد التصعيد والضغوط تغير موقفها، لا ألومها".
تم توقيف المعلمة عن عملها لمدة أسبوع واحد، لكن ولي الأمر مصرٌّ على التعامل مع الكذبة على أنها حقيقة، قام برفع دعوة جنائية ضد المعلمة، ويصر على معاقبة المعلمة بالفصل النهائي من المدرسة، تدعمه(مدرسة الكذب الأسود) المشعل للكذب والفتنة الطائفية. من جهتها فإن وزارة التربية المشبعة بالطائفية، تضغط على مدرسة النور الخاصة لاتخاذ إجراء عقابي أشد فتكاً، وإلا فإن الوزارة ستتخذ إجراء عقابي ضد المدرسة نفسها.
تتساءل فوزية باستنكار: " كيف يمكن لعاقل أن يصدق أن يأتي عاقل بهذا الفعل الشاذ والغريب على المجتمع البحريني المتعايش بالأصل، وكيف يمكن أن يصدق أن تفعل معلمة ذلك، وفي هذا الوقت الشاذ بالذات؟ وفي هذا الوضع المشحون والمهيأ للإنفجار الطائفي؟ وفي وسط غالبيته هم من الطائفة السنية؟ وخلال فترة هي الأسوأ الذي مرّ علينا في البحرين؟ هل سيفوت أحد أن يدرك ما سيتبع هذا الفعل من استغلال مريض؟ هل معقول أن يكون أحد بهذا المستوى من الاستهتار والغباء ليفعل ذلك؟ كيف يمكن أن يصدق هذه القصة الركيكة أحد؟ ما الذي أصاب الناس؟ هل ألغت عقولها وصارت تمشي بالهمجية فقط؟".
تتعجب فوزية كيف يستثمر الطائفيون الطفولة لتحقيق أهدافهم المرضية: "لا يوجد أب يقبل لابنه أن يكون قنبلة فتنة. الطفولة أكبر من أن نحشرها في أفقنا الضيق أو نوظفها في عداواتنا، أشعر بالأسف من أجل الطفل عمر، لأنه ضحية مثلي تماماً".
فوزية قررت أن تفض صمتها الذي استمر أسبوع، ظنت معه أن القضية مجرد لبس عابر، لكن بعد أن وصل الأمر إلى النيل العلني منها، والقذف بها على مرأى ومسمع الفضائيات، قررت أن تتكلم، وأن تدافع عن نفسها أمام العالم. لكنها مع ذلك لا تريد أن تؤذي أحد، ولا تريد أن تسيء إلى أحد " لماذا أنا بالذات؟ وكيف سُرّبت معلوماتي بهذه السرعة؟ هناك الكثير من الأسئلة الغريبة والمريبة، والكثير من التوقعات، لكني لا أريد أن أمسّ أحداً، لا أريد أن أشير إلى أحد، ولا أريد أن أضر أحداً، أنا ظُلمت ولا أريد أن أظلم معي أحد آخر، لقد فوضت أمري لله فهو حسبي، لكنني منذ الآن لن أسكت عن حقي في الدفاع عن نفسي"