مجموعات الواتساب للمدارس.. قانونيتها وانتاجيتها (1-2)

جليلة السلمان - 2016-12-28 - 6:59 م

انتشرت في السنوات الأخيرة ماعُرِف بمجموعات (الواتس اب) الخاصة بكل مدرسة على حدة، ولأن الظرف الذي انتشرت فيه هذه الظاهرة ظرف سياسي خاص، فقد وقع  على المعلمين أشد أنواع العقوبات المتعلقة بمواقفهم السياسية أو الاجتماعية أو انتماءهم المذهبي.

قبل المعلمون الانضمام إلى هذه المجموعات مرغمين، ظناً منهم أن رفضهم سيعود عليهم بعقاب من نوع جديد لم يألفوه، بعد أن مورست عليهم عقابات متعددة لم تكن لتخطر على بالهم، وسواء كان هذا الظن نابعاً من ذاتهم أم تم الإيحاء لهم به من قبل مسئوليهم، فإن النتيجة الحتمية هي تواجدهم في هذه المجوعات المفروضة عليهم دون أي مسوغ قانوني.

ونتيجة لغياب الفهم القانوني وعدم معرفة غالبية المعلمين بحقوقهم الوظيفية والعامة، فقد أصبحوا يتلقون مهمات وأوامر من إداراتهم على مدار الساعة وكل يوم، ولم يسلموا حتى أيام إجازاتهم الأسبوعية أو الفصلية أو حتى الطارئة. الأمر الذي يعدّ انتهاكاً مرفوضاً أصلا وموضوعاً، كونه يتنافي مع الحق الطبيعي لأي موظف بالراحة أو التفرغ لعائلته وحياته الخاصة خارج وقت عمله الرسمي.

وقد تمادى عدد من مدراء المدارس في استخدام (الخوف) الناتج عند المعلمين بعد (عقابات) 2011،  في استغلال السلطة الممنوحة لهم تحت مسمى "مصلحة العمل"، فنراهم يرسلون المهمات تباعاً لمعلميهم والويل لمن يتعذر بعدم قراءة الرسالة، كون برنامج (الواتس أب) يتيح تحديد من قرأ الرسالة، رغم أنه تقنياً، كثيراً ما يظهر أن أحدهم قرأ الرسالة في حين أنه لم يفعل، نتيجة لتفاصيل ليس هنا مجال ذكرها. وقد روي لي عدداً من المعلمين أن عدوى هذا الاستغلال وصل إلى إدارة التوجيه وإدارة المناهج، الذين أصبحوا بدورهم يرسلون إلى المعلمين في إجازاتهم مهام معينة ويحاسبونهم عليها.

لنعد إلى قانونية هذه المجموعات، والسؤال هنا هل يحق لأي كان أن يُجبر آخر في عضوية أي من مجموعات الواتس أب مهما كان هذا الآخر حتى وإن كان جهة العمل؟  

الإجابة ببساطة لا،  الانضمام لأي مجموعة هو اختيار الشخص نفسه طالما أنه يستخدم رقمه الخاص وهاتفه الخاص ويدفع ثمن الفاتورة من جيبه الخاص. ويجب الإشارة أن وزارة التربية تمنع المعلمين من استخدام أجهزة المدرسة أو شبكة الانترنت الخاصة بها المدرسة لأغراضهم الخاصة فمن الأولى عدم استخدامها لأجهزة وشبكات المعلمين الخاصة. ومن المعروف أن غالبية الشركات والأعمال الخاصة توفر شريحة لموظفيها احتراماً لخصوصيتهم.

وإذا كان الإنضمام ضرورة تراها جهة العمل وهي المدرسة في هذه الحالة، فإن عليها توفير جهاز هاتف ورقم خاص مدفوع الأجر، أما هاتفي الخاص هو ملك لي ولي أن استلم أية رسالة أو ارفضها ولا حجة قانونية لأحد علي في هذا؛ بمعنى لأي حق لجهة العمل أن تحاسبني على عدم استلام رسالة ارسلتها على هاتفي الخاص.

هناك جانب آخر لهذه المجموعات، إذ تقوم بعض إدارات المدارس أو إداراتها الوسطى، بإرسال طلبات للمعلمين أثناء فترة الدوام الرسمي، وترى أنها أنهت مسئولياتها بتوصيل الرسالة عبر برامج التواصل. ياسادة: قانوناً يمنع استخدام الهواتف النقالة أثناء الحصص فكيف تريدون أن يتلقى المعلمين أوامركم وهم في صفوفهم؟ فهل تم سنّ قانون آخر يتيح ذلك للمصلحة ؟ وإن وُجِد فلماذا لا يعرف عنه أحد؟  

النظرة العامة لهذه المجوعات هي أن تخلي الإدارات مسئولياتها في التبليغ دون الاعتبار لظروف المعلم ودون أدنى اهتمام لخصوصياته وظروفه خارج الدوام المدرسي؛ فكأنهم بهذه المجموعات يقررون ضرورة وواجب عمل المعلم خارج إطار تعاقده مع الوزارة المعنية وهي التربية وخارج كل قوانين وضوابط ديوان الخدمة المدنية التي تنص صراحة في المادة (89) "يصرف بدل استدعاء للموظفين نظير استدعائهم للعمل بعد الدوام الرسمي وفقا لجدول معد سلفا لهذا الغرض وذلك لمواجهة الأعمال الطارئة في الوحدة التنظيمية التي يعملون بها والتي يترتب على تأجيلها أو تأخيرها خسائر وأضرار جسيمة للمملكة والصالح العام أو انقطاع خدمة لا يمكن الاستغناء عنها، مع عدم وجود موظفين للقيام بتلك المهام".

المادة السابقة توضح المعايير التي تصرف على أساسها البدلات لموظفي القطاع العام وأهم ما جاء فيها، أن أي تكليف المعلم بأي عمل خارج الدوام يكون لطوارئ يؤدي تأجيلها لخسائر وأضرار جسيمة للمملكة ،وعندها فقط يكلف الموظف بعمل خارج الدوام ويصرف له بدل. فهل ما تقوم به إدارات وزارة التربية المختلفة من تكليف للمعلمين بمهام تأتي تحت عنوان الطوارئ وتأخيرها يسبب أضراراً جسيمة للمملكة؟

الواقع يقول لا، ولا يوجد أي طارئ يستدعي تكليف المعلمين بمهام خارج دوامهم لكن هذا العمل يأتي تحت عنوان (سوء استخدام السلطات الممنوحة للمدير أو الإدارة المدرسية).. فاتقوا الله في المعلمين المجبرين على تلبية أوامركم غير الطارئة. يكفي أنهم يعملون خارج ساعات الدوام ولأوقات متأخرة لينجزوا المتطلبات الأساسية لعملهم من إعداد الدروس والمعينات المطلوبة وتصحيح الكراسات وإعداد الامتحانات وتصحيحها ورصد الدرجات إلى غير ذلك من الأعمال الروتينية التي لا يتسع لها دوام المعلّم.



جليلة السلمان*
ناشطة حقوقية ونائب رئيس جمعية المعلمين البحرينية (المُنحلّة).


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus