مارك أوين جونز: التّحدث إلى سائقي سيارات الأجرة في البحرين

مارك أوين جونز - موقع (200 قصة أخرى) - 2016-11-29 - 6:47 م

ترجمة مرآة البحرين

في السّفر، يُمضي الشّخص الكثير من الوقت في التّحدث إلى سائقي سيارات الأجرة. ويمكن لذلك أن يُقَدم غالبًا أفكارًا مثيرة للاهتمام عن معتقدات الشخص أو سياسات البلاد. ينطبق الأمر ذاته على البحرين، والقصة التّالية هي عن جولة في التاكسي حصلت منذ حوالي خمس سنوات. ولو لم تكن صحيحة تمامًا، لبدت مفتعلة. لقد كتبتها فورًا لدى عودتي إلى المنزل (منذ خمس سنوات مضت)، ولذلك قد يبدو أسلوبها في بعض الأماكن طنانًا أو غير سهل. وهناك عدة أسباب لذلك. أحب هذه القصة، لأسباب ليس أقلها أنها تحكي عن موضوع الهوية والانتماء، خصوصًا ما يحسه عدد من الأجانب/المهاجرين الذين ترعرعوا في البحرين. لقد كانت أيضًا من المرات الأولى التي أذكر فيها أن أحدهم جعلني أشعر بالذّنب بسبب تواجد عائلتي في البحرين.

إن عينًا ثاقبة يمكنها من دون شك أن تلحظ الأشخاص  السّتة الظاهرين، المُبللين والثملين بسبب البيرة، الذين يبحثون بتراخِ عن ملجأ تحت نخلة اعتادت مواقف مماثلة. كانوا يتهامسون بين بعضهم البعض، وكان ازدياد ضراوة الريح العاتية مشابهًا لازدياد استيائهم. شخصان آخران يختاران طريقهما عبر  معبر رملي، لكونهما دقيقين جدًا بحيث يتجنبان البرك الكبيرة التي يتزايد عددها مع سقوط الأمطار.  وسرعان ما أصبح الركاب السّتة غير المرتاحين ثمانية.

وسأل أحدهم: "هل يجب أن نطلب سيارة أجرة؟"

ورد آخر عليه: "نعم، يجب أن نفعل ذلك".  من دون شك، كان سبب تأكيده أحد الضفادع الكثيرة (ضفدعًا أزرق مضيئًا).

استُتبِع ذلك باتصال، وتبادل قصير للمعلومات المطلوبة: المكان، الوقت، العدد المطلوب من سيارات الأجرة... وبعد ذلك، صمت وإدانة هامسة للأحوال الجوية. لا يوجد أي علامة على اقتراب سيارات الأجرة.

وقال صبي يرتدي تي-شيرت ضيقة تُبرِز عضلاته، وربما كانت ضيقة جدًا على جسمه: "حسنًا، الأمر سخيف جدًا، لماذا لا نحصل على إحدى سيارات الأجرة العامة، التي تنقذنا من الوقوف هنا تحت المطر؟".

رد آخر: "الأمر ينتهي دائمًا بكلفة إضافية!"

ورد عليه الصبي صاحب التي-شيرت: "ليس بالضّرورة- هل يريد أي أحد آخر سيارة أجرة عامة؟"

وافق ثلاثة من المجموعة على مضض . فأجاب الرجل الذي كان يجلس القرفصاء بجانب بركة كبيرة:  

"حسنًا، لماذا لا تحصلون أنتم الأربعة على سيارة أجرة عامة، وننتظر نحن تلك التي طلبناها؟".

وهكذا، انقسمت المجموعة إلى نصفين، وقرر النّصف الأول أن يتحمل الطّقس السّيء أملًا  بكلفة أقل، في حين انهال النّصف الآخر بالسّخرية على المثل القديم عن كون الصبر فضيلة. وفي النّهاية، ما هو الفارق الذي يمكن لبضعة دنانير أن تُحدِثه؟

فلنُركز الآن على الأربعة الذين قرّروا الحصول على سيارة أجرة عامة.

السّائق البحريني، وهو شاب ملتحِ (غير حليق)، لم يكن سعيدًا تمامًا باحتمال القيادة إلى موقعين منفصلين في السّاعة الثّالثة صباحًا. في الواقع، شعر بسرور بالغ وهو يُذَكّر الرّكاب بهذه الحقيقة، وقاطع الرّحلة بالتّثاؤب المتكرر والإشارات إلى النّوم الوشيك. ثلاثة من بين الرّكاب الأربعة، الذين كانوا جميعًا يجلسون في المقعد الخلفي، لم يتأثّروا بإعلانات السّائق الوقحة عن التّعب. هذه اللّامبالاة كانت على الأرجح متعلقة بحالة الثّمالة التي كانوا فيها، فضلًا عن راحة البال التي حصلوا عليها على خلفية لا تتعلق بالسّلامة البدنية -حزام أمان فاعل.

مثل هذا الغياب كان فعلًا مقلقًا، خاصة عندما يأخذ المرء بعين الاعتبار الطّريق السّريع، واندهاش السّائق بحادث سير مروع على الجانب الآخر من الطّريق.

مرت ربع ساعة، وأنزل السّائق الرّكاب الثّلاثة في منطقة سعار. بقي راكب واحد، صاحب السترة الخضراء، الذي صادف أنّه يعيش في منطقة أخرى تبعد 50 ميلًا، في مجمع سكني صغير جنوب البحرين. من الواضح أنّه لن يمضي الدّقائق الخمسين المقبلة بأي حماس، لأنه بقي وحده مع السّائق السّاخط.

سأله  الرّاكب: "كيف حالك؟"

أجاب السّائق بشكل تهديدي: "بخير، على ما أعتقد. يجب أن أعود إلى المنزل. عليّ أن أتكلم مع صديقي عبر الإنترنت بشأن بعض الأعمال. عليّ..."

-"ليس وكأن ذلك يهمني، ولكن ما الأمر الذي تريد أن تتحدث مع صديقك بشأنه؟ كيف التقيتما أنتما الاثنان؟"

-"اممممم، الإنترنت..."

قاطعه الراكب: "في غرفة محادثة"

-"نعم، في غرفة محادثة. لغته العربية جيدة. التقيته في غرفة محادثة باللّغة العربية. هو يعيش في بريطانيا. نحتاج أن نناقش بعض الأمور...."

-"أي أمور؟"

-"أمور خاصة، أمور سرية..."

سأله الرّاكب بقلق: "أمور سيئة؟"

ما هي الأمور السّرية التي يقصدها السّائق؟ لماذا يجذب الانتباه إلى هذا الحديث ومن ثم يرفض الإفصاح عن تفاصيله؟

-"ربما... دعني أسألك شيئًا. عليك أن تقدم لي إجابة صادقة. أجبني بصدق. أوكي؟"

-"سأحاول..."

-"لماذا أنت في سيارتي؟"

قال الرّاكب بقلق: "عذرًا؟"

أي سؤال غريب يمكن أن يفكر به. بالطّبع، حتى أقل سائقي سيارات الأجرة خبرة يدرك أن هدف مهنته هو نقل زبون من النّقطة أ إلى النّقطة ب. مثل هذا السّؤال يجب أن يكون فعلًا خطابيًا. إن لم يكن كذلك، عندها يجب أن يكون سائق سيارة الأجرة أكثر رفضًا مما كان عليه في المقام الأول. .

وكرر السّائق المُنفعل: "لماذا طلبت سيارتي، ولم تطلب سيارة أجرة من سبيدي موتورزSpeedy Motors" ، الأمر أقل كلفة بالنّسبة إليك بالتأكيد".

بعد الكثير من التّردد، أجاب الرّاكب: "سأخبرك لماذا، الشّركات مثل سبيدي موتورز توظف عادة عمالًا أجانب من الهند وبنغلادش وباكستان ليقودوا سياراتها. فيربحون القليل، وغالبية المال الذي يأخذونه تذهب إلى رئيسهم، وهو رجل واحد. إن ركبت سيارتك، غالبية الربح تذهب إليك، بدلًا من أن تذهب إلى رجل واحد. العمال الأجانب من شبه القارة مستغلون. أرباب العمل هنا يعلمون أنّه يمكنهم أن يدفعوا لهم مبلغًا زهيدًا جدًا بحيث يصبحون هم أنفسهم أثرى".

أجاب السّائق: "أعرف هذا. لكنك طالب. عليك أن تدّخر المال؟"

مازحه الرّاكب قائلًا: "نعم، لكني أفترض أن الأمر متعلق بمبدأ. أحيانًا، يمكنني تحمل كلفة مبدأ".

-"أوكي، لكنك أجنبي. لماذا تهتم بشأن ما يحدث في البحرين؟ أنت إنجليزي. عائلتك من المملكة المتحدة، هم يأخذون الوظائف من البحرينيين أيضًا".

-"نعم، الأمر صحيح. لكني لا أقول إني إنجليزي. أنا أتحدث الإنجليزية. أمضيت طفولتي في السّعودية والبحرين. الذّكرى الأقرب إليّ هي وقوفي في البحر الأحمر، محاولًا التقاط الأعشاب البحرية. أول غروب شمس أذكره كان بحرينيًا. جواز سفري يقول إني مواطن بريطاني، وأنت تقول لي أني مواطن بريطاني. أنا ما أختار أن أكونه. قلبي في البحرين".

وصرخ السّائق: "لكن عائلتك بريطانية!"

-"هم كذلك. لكني أتكلم عن نفسي. البحرين هي موطني. اخترت أن أكون من هناك. أشعر بالخجل بسبب أشياء كثيرة قامت بها بلدي. وفقط لكون جواز سفري ينص على أني لا أستطيع البقاء في البحرين،  لا يعني هذا أنني أنتمي إلى بريطانيا".

-"حسنًا، إذًا أنت تخجل من بلادك، لكنك ما تزال إنجليزيًا، أنت لست عربيًا".

-"أخبرني إذًا، هل أنت بحريني أم عربي؟"

[صمت]

قال سائق سيارة الأجرة: "ربما الاثنان معًا".

رد الرّاكب: "نعم، ربما كنت كذلك. ربما أنا بحريني، ولكن لست عربيًا؟"

حل الصّمت مجددًا. وصلت الرّحلة إلى نهايتها، والأمن على مدخل المدينة لوح لسيارة الأجرة بالمرور، ولكن فقط بعد أن رأى راكبًا أبيض في المقعد الأمامي. لا عجب أن سائق الأجرة يشعر بالاستياء.

سأله سائق سيارة الأجرة: "هل تحب كرة القدم؟"

رد الرّاكب: "أحب كرة القدم".

-"في أي موقع تلعب؟"

-"الدّفاع، على اليمين".

-"آه، ظهير أيمن".

سأله السّائق: "نعم، ظهير أيمن. ألعب في موقع الظّهير الأيمن. أحب كرة القدم. هل يهمك الأمر؟"

وقال الرّاكب: "حسنًا، ليس الأمر تواضعًا من جانبين ولكن أعتقد أن الأمر يهمني، نعم".

سأله السّائق: "هل تحب أن تأتي وتلعب معي ومع أصدقائي يومًا ما؟"

أجابه الرّاكب: "سيُسِرني ذلك".

-"حسنًا، أعطني رقم هاتفك، ويمكننا أن نلعب كرة القدم الأسبوع المقبل".

-"بالطّبع".

عندها، وصلت السّيارة إلى المكان المطلوب. إنها السّاعة الثّالثة والنّصف صباحًا. تم دفع الأجرة.

قال السّائق: "اسمي علي".

-"اسمي مارك. سُرِرتُ بلقائك".

(يجب أن أضيف هنا أن الكثيرين من الأشخاص يفضلون استخدام سيارات الأجرة التي تعتمد العداد مثل سبيدي موتورز Speedy Motors في البحرين. وذلك غالبًا لأن الحصول على سيارات أجرة عامة يمكن أن يكون أكثر كلفة ويشمل المساومة والجدل بشأن "العدادات المكسورة"... باختصار، يمكن أن يتعرض الأشخاص للخداع. أو يمكن أن يتعرفوا على سائق سيارة أجرة محدد يستطيعون الاتصال به مقابل أجرة معقولة ومنطقية -على الرّغم من أنه قد يكون مشغولًا أحيانًا).


النّص الأصلي    


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus