لماذا يكره الملك مسجد الخميس ومقبرة أبو عنبرة؟
2016-09-10 - 2:01 ص
مرآة البحرين- خاص: في مايو/ أيار من العام 2014 أهدى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مجسما مصنوعا من الذهب إلى قداسة البابا فرنسيس خلال زيارته للفاتيكان. المجسم الذي كان مشعا احتوى على ما قال إنها أكبر كنيسة يعتزم بناءها في منطقة شبه الجزيرة العربية.
وتتوسط الكنيسة المذهبة مجسمين آخرين أحدهما لمسجد الخميس والآخر لمسجد مركز أحمد الفاتح، في محاولة منه لإظهار حكومته على نحو يبدو أكثر تسامحا في المنطقة التي تشتعل فيها حروب ذات دوافع دينية.
فهل كان الملك يريد أن يقول إن مسجد الخميس (المشهد ذو المئذنتين) يمثّل الطائفة الشيعة، وإن الفاتح يمثل الطائفة السنية والكنيسة للمسيحيين؟ أم أنه كان يملك رؤية مغايرة للحقيقة؟!
للعلم فإن (أحمد الفاتح) هو أحمد بن محمد آل خليفة الذي غزا البحرين التي يقطنها الشيعة (1783م)، وتخلّد العائلة الحاكمة ذكراه باسم "الفاتح" وهو لفظ ذو دلالة دينية يستخدم في الفتوحات الإسلامية وضم مساحات جغرافية جديدة غير خاضعة للدين الإسلامي.
فهل يمكن لعقلية الفتح آن تروّج لأفكار مثل التسامح والحريات الدينية والقبول بالآخر؟ على الأرجح أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة (حفيد الفتح) يقصد أن الخميس هو مجرد مسجد أثري في الجزيرة التي ورثها من جده بكامل ترابها وتراثها، وليس رمزا للطائفة الشيعية الذي ظل لمئات السنوات تحت إدارة أوقافها.
ما يؤكد النوايا السيئة للملك هو قيام هيئة البحرين للثقافة والآثار التي يترأسها أحد أفراد أسرة آل خليفة الحاكمة (مي بنت محمد آل خليفة) بوضع اليد على المسجد بعد سنوات من محاولات تحريف تاريخه من خلال المناهج الحكومية الرسمية التي تنص على أن المسجد تم بناؤه في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز.
وظهرت فلتات الملك أيضا على لسان نجل وزير ديوانه ناصر بن خالد بن أحمد آل خليفة الذي أرسل تغريدات على "تويتر"، مع توسع آطماع العائلة الحاكمة في طمس الهوية الشيعية للمسجد، رفض فيها "تفريط الدولة في مسجد الخميس لصالح الأوقاف الشركية (الأوقاف الجعفرية)"، قبل أن يطالب بإلحاقه بالأوقاف السنية وتسميته باسم الخليفة عمر بن عبدالعزيز.
لا داعي للتأكيد أن رعاية المسجد الذي بنيّ في عهد الدولة العيونية (قبل دخول أسرة آل خليفة للبلاد) بمئات السنين، كانت من اختصاصات الأوقاف الجعفرية في البحرين بشهادة من الحكومة. إذ لم يكن المشهد ذو المئذنتين محل أطماع الأسرة الحاكمة قبل وصول الملك حمد بن عيسى آل خليفة للسلطة العام 1999م بمشروع لإقصاء الطائفة الشيعية.
أظهرت وثيقة تاريخية قبل نحو 70 عاما طلبا موقعا من مستشار حكومة البحرين للأوقاف الجعفرية لـ "ترميم مشهد السوق (...) الذي كما تعلمون هو أقدم بناء أثري تاريخي مشهور في البحرين" بحسب تعبير المستشار.
ولم تكن تلك الوثيقة الأخيرة فقد احتوت وثيقة موقعة باسم رئيس الحكومة خليفة بن سلمان آل خليفة ( 31 أغسطس/ آب 1968) تعهدا لرئيس الأوقاف الجعفرية بالتكفل بإعادة ترميم المسجد وسور المقبرة الملحقة به.
لكن المقبرة الملحقة به (أبو عنبرة) لم تسلم هي الأخرى من السطو، فقد أصدرت هيئة الثقافة قرارا الأسبوع الماضي بوضع اليد عليها باعتبارها تراثا وطنيا إلى جانب مساجد ومواقع شيعية أخرى.
ورغم استماتتها في الدفاع عن قرارها بوضع تلك المساجد والمقابر على قائمة التراث الوطني بوصفه قرارا يضمن "حماية هذه المواقع والحفاظ على ما تمتلكه من قيم تاريخية (...) ولا يُعد (القرار) تدخلاً في شؤون إدارات الأوقاف "، إلا أن الهيئة رفضت الإقرار بحق الأوقاف الجعفرية في إدارتها.
لقد أغلقت الهيئة مسجد الخميس وحوّلته إلى موقع أثري إخفاءً لأي هوية مذهبية يحملها، وتمنع السلطات إطلاقا الشيعة من إقامة أي صلاة أو فعاليات دينية فيه، وقال مصدر مطلع أنها عيّنت أخيرا شخصا يحمل الجنسية البنغالية قيّما على شؤون المسجد.
وعملا لكتابة تاريخ جديد، أضاف أن "الهيئة استقدمت بداية العام الجاري بروفسورا بريطانيا يدعى تيموثي إنسول من جامعة مانشستر (زار البحرين عدة مرات سابقا) للتنقيب عن الآثار في المسجد ومقبرته بهدف إصدار دراسة تاريخية تنتهي بالتأكيد على فرضيات تريدها العائلة الحاكمة".
سيحتاج الملك بذل جهود مضنية لطمس الهوية الشيعية للمسجد، وكونه أقدم المساجد في البحرين التي يدعي أنها عرفت الإسلام فقط مع دخول جده الفاتح. ولعله يحتاج جهودا أكبر لنفي كون المقبرة الشيعية أقدم المدافن الإسلامية التي تضم قبورا يصل عمرها لأكثر من 700 عام لرجال دين شيعة معروفين، يكرههم ليس لأنهم يطالبونه بالديمقراطية، بل لأن موتهم هنا يُكذب إدعاءات الملك في اختلاق تاريخ الفتح، ويقول بدليل حي: لقد سبقنا عائلتك بمئات السنين، جئنا هنا علماء ومتنا شهداء، وجئتم غزاة وستموتون طغاة.