الصراع على أنقاض دوار اللؤلؤة

2012-02-22 - 10:18 ص




توبي ماسيثن *،  فورين بوليسي

ترجمة :مرآة البحرين



بتاريخ الرابع عشر من شباط/فبراير، الانتفاضة في البحرين ستكمل سنتها الأولى. النتائج محبطة حقا فالحكومة مستمرة في حملتها القمعية والمحتجون يواصلون جهودهم للعودة إلى التقاطع الذي كان يعرف بين العامة بدوار اللؤلؤة.

لقد حاول النظام فعل كل شيء لتدمير ذكرى الدوار، ولم يتردد في تدمير النصب التذكاري. فالنظام يكره مجرد مصطلح "دوار اللؤلؤة" ويصر على استخدام اسمه الرسمي "دوار مجلس التعاون الخليجي". في المستقبل سيكتب طلاب الدكتوراه عن العلاقة بين القوة والذاكرة، والعنف الجسدي في الانتفاضة البحرينية. وسيتضح أن النظام بهدمه النصب التذكاري للدوار إنما دمر جزءا كبيرا من شرعيته، والواقع أنه قام بتعزيز ذكرى النصب في ذاكرة الغالبية الشيعية في البحرين. وكما وصف ذلك أحد الناشطين الشباب "إن روح الحرية تنبعث من هناك، وهذا هو السبب في عزمنا العودة إلى الدوار في تاريخ 14 فبراير".  ولكن يبدو أن النظام وحلفاءه الغربيين عازمون على منع حدوث ذلك، وتتوقع ردة فعل عنيفة من جانب قوات الأمن في حال حاول المتظاهرون القيام بمسيرات العودة إلى الدوار.

 
من مظاهر الضيافة في دوار اللؤلؤة
بالمصادفة، كنت أحد الغربيين الذين شهدوا الأحداث في الأيام الأولى في دوار اللؤلؤة. ففي 16 شباط/فبراير 2011  كنت واقفا هناك عندما قامت مجموعة من الشباب المحتجين باقتحام الدوار ونصب الخيم على غرار ميدان التحرير في القاهرة. كانت الأجواء هناك لا تصدق فأحزاب المعارضة البحرينية والعائلات كانوا متجمعين، بالإضافة الى أكشاك الطعام، والمراكز الطبية المؤقتة، ومحطات شحن الهاتف النقال، ومنصة للخطابة. حيث كانوا يطالبون بالديمقراطية، والإفراج عن السجناء السياسيين، ووضع حد للفساد. نحن هنا، في قلب منطقة الخليج، مع كافة مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، على جزيرة بين المملكة العربية السعودية وإيران بالإضافة إلى قاعدة عسكرية كبيرة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك فإن الآلاف يشعرون برياح التغيير. وخطر ببالي كم أنا قريب من المنطقة الشرقية وماذا يعني هذا بالنسبة للسعودية. نعم صناع القرار في الرياض فكروا بنفس الطريقة، فهي أيضا دولة من دول مجلس التعاون الخليجي الذي أرسل قواته الى البحرين في 14  آذار/مارس 2011، وتعهد بالقيام بحملة قمعية نهائية على حركة الاحتجاج في الأيام التي تلي ذلك.

بقيت في الدوار حتى بعد منتصف الليل، أتحدث الى الناس، وأستمع إلى الخطب، وآكل الرز المجاني مع الروبيان البحريني. وبعد بضع ساعات، في الساعات الأولى من صباح 17  شباط/فبراير، قامت قوات الأمن بالهجوم على المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل العديد وإصابة العشرات، وإزالة الخيم، وحرق ما تبقى وراءهم. لقد انتهى الربيع الخليجي قبل أن يبدأ حقا،  فلقد أثبت ملوك وأمراء الخليج  بأنهم مستعدون لقتل مواطنيهم إذا ما رفعوا أصواتهم للمطالبة بالإصلاح.

 و منذ ذلك اليوم الرهيب وقعت الكثير من الأحداث، ولكن المبادئ الأساسية للصراع لا تزال على حالها. لقد كانت هناك مساحة من الأمل في إمكانية الوصول إلى اتفاق بين ولي العهد وبعض أحزاب المعارضة التي ترأسها الكتلة الوفاق الشيعية. ولكنه فشل وبقي القمع على حاله واستمرت معه الاحتجاجات. ولقد قامت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين بتقرير الذي جرى منذ ذلك الحين وبالحجج الكاملة التامة، وأصدرت توصياتها  في الحاجة الملحة لتنفيذ إصلاحات ديمقراطية واسعة النطاق.

إن الدرس الوحيد الذي يجب على النظام استخلاصه من السنة الفائتة، ولكنه يرفض أن يأخذ ذلك على محمل الجد، هو أن القمع لا يحل الأزمة في البحرين. فوفقا لتقرير لجنة التحقيق المستقلة في البحرين  قامت قوات الأمن باستخدام القوة المفرطة والتعذيب الممنهج. فطالما أن النظام يرى أن العنف والقمع والتغييرات الشكلية هي الحل الوحيد لمشكلاته فإنه سوف يبقى يواجه تعبئة شعبية مستمرة - وربما أسوأ من ذلك بكثير.

وبعد عام من المبادرات السياسية الفاشلة، والتعبئة المستمرة، والقمع الذي لا ينتهي، يبدو أن كلاً من طرفي النزاع  لا يزال متمسكا بنهجه الحالي. فالمجموعات الشبابية والمعارضة غير القانونية ما زالت تطالب بسقوط النظام، وتحث أنصارها  للعودة إلى الدوار حتى ولو كان ذلك سيؤدي إلى حمام من الدم. ولكنها في الواقع  لن تكون قادرة على إسقاط النظام. وللحصول على تنازلات رئيسية من العائلة المالكة لا بد لهم من العمل مع جماعات المعارضة القانونية، هكذا سيقدمون خدماتهم بشكل أفضل. في تشرين الأول/أكتوبر 2011، أعادت المعارضة القانونية تأكيدها في وثيقة المنامة على أنها  مستعدة للدخول في مفاوضات مجدية مع الحكومة، ولكنها ترفض المشاركة في الحوارات الوطنية السطحية. ولكن لا يزال التحدي الأكبر لها هو في محاولتها لمنع المتظاهرين الشباب من تصعيد مطالبهم، وجلبهم إلى تسوية مستقبلية عن طريق التفاوض.

إضافة الى ذلك، على حركة الاحتجاج، والتي تتضمن العديد من الشيعة، بذل المزيد من الجهود لبناء جسور مع السنة، الذين يلتف العديد منهم حول جماعات مثل تجمع الوحدة الوطنية واتحاد الشباب الفاتح. ولكن هذه المجموعات السنية وبأغلبيتها الساحقة اليوم هي أكثر معاداة للشيعة من أي وقت مضى، وتقوم بالضغط على الحكومة لكي لا ترضخ  لمطالب المعارضة التي يعتبرونها شيعية في صميمها. هذه الطائفية المترسخة أكثر من أي وقت مضى على المستوى الشعبي قد غيرت  ديناميكية التعبئة الشعبية، وستجعل أي مصالحة حقيقية أكثر صعوبة. وبغض النظر عن مدى اعتبار هذه المزاعم الطائفية غير عادلة بنظر المحتجين، فإن عليهم أن يستجيبوا بشكل أكثر فعالية على هذه التهم إذا كانوا يأملون في تحقيق النجاح.

كما أن هناك أيضا سؤالاً حول من الذي بالضبط يدعو لإطلاق الرصاص داخل العائلة المالكة. الرواية المعتادة تشير إلى انقسام بين الصقور والحمائم، قائلة بأن الجناح المعتدل في العائلة المالكة يحتاج إلى دعم من الغرب من أجل تحقيق نجاحاته. لكن ما يسمى بالمعتدلين والليبراليين لم يلعبوا عموما الدور المنوط بهم في العام الماضي. ففي أسوأ الأحوال يكونون مجرد أدوات شرعية للنظام الديكتاتوري التي تجعل منهم محاورين مريحين  للدبلوماسيين الغربيين. والأكثر من ذلك، فإن القرارات حول مستقبل البحرين السياسي يتم اتخاذها هذه الأيام في الرياض وليس في المنامة. وهذا الواقع يجب أن يأخذ في الاعتبار في حسابات المعارضة والذي يحدد سقفاً شفافاً للمطالب القابلة للتحقيق.  وللتوصل الى أي اتفاق على المعارضة  والغرب أن يكونوا على بينة من حدود قدرة أو رغبة ما يسمون بالمعتدلين في النظام .

 إن التاريخ سوف يسجل الانتفاضة البحرينية  والقمع الذي مورس ضدها متى ما فشل الغرب نهائيا في الرقي إلى مستوى التزاماته بالديمقراطية وخسر الربيع العربي. ومن الممكن القول إن تحالف  الولايات المتحدة مع البحرين يمكن مقارنتها مع  تحالف روسيا مع سوريا. كل من القوتين العالميتين لديها قواعد بحرية رئيسية في هذه البلدان ولا ترغب في الرحيل وتخشى الخسارة في حال تغيرت الأنظمة. بالطبع رد النظام السوري كان أكثر شراسة وفتكا مما كان عليه في البحرين، ولكن إذا ما قمنا بمقارنة عدد سكان البحرين القليل فسنجد أن عدد القتلى في البحرين هو واحد من أعلى المعدلات في الانتفاضات العربية. الغرب يكون قد أحسن صنعا إذا ارتقى إلى مستوى مثله العليا للديمقراطية، والمواطنة، وحقوق الإنسان والاستجابة  لمطالب الناس في الشرق الأوسط، بدل أن يقع مرة أخرى في شباك اللعبة القديمة للتحالفات  القصيرة  والجغرافيا السياسية. كان كل الأمل أن يحدث ذلك  ولكن كل هذه الآمال سحقت في الحملة القمعية على  دوار اللؤلؤة  قبل عام تقريبا. وإنه ليس من السهل إحياء تلك الآمال من جديد.

* توبي ماسيثن هو زميل باحث في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة كايمبردج.

13فبراير 2012


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus