فورين بوليسي: البحرين تُضَيق الخناق

إيمانويل ستوكس - فورين بوليسي - 2016-06-29 - 3:13 ص

ترجمة مرآة البحرين

منذ أسبوعين، وبعد أن أنهى سكان بني جمرة في شمال غرب البحرين صلاة الصّبح، وتحضروا لصيام اليوم الطّويل الذي ينتظرهم في شهر رمضان، خرق وصول مجموعة من رجال الشّرطة المُلَثمين الهدوء.

كانوا يبحثون عن نبيل رجب، وهو من بين نشطاء حقوق الإنسان الأكثر احترامًا في العالم العربي، وهدف دائم للحكومة البحرينية، التي هي في الوقت ذاته حليف مقرب للولايات المتحدة الأمريكية ومنتهك دائم لحقوق الإنسان.

ولاعتياده منذ زمن طويل على مثل هذه المواجهات -اعتُقِل عدة مرات- سلّم النّاشط المخضرم نفسه بهدوء. وقال ابنه، آدم رجب، إن "الشّرطة قرعت الباب، وقال لهم والدي: انتظروا، سأغير ملابسي فقط".

وأضاف: "لقد فتحوا الباب، وفتشوا المنزل، وغادروا مصطحبين أبي معهم. وعندما سألتهم عائلتي عن التّهم، قالوا إنّه ليس هناك أي شيء، وسيعود في غضون ساعتين أو 3 ساعات".

لكن سرعان ما تبين أنّه لن يتم الإفراج عن نبيل رجب بسرعة. بعد يوم من اعتقاله، تم إبلاغ عائلته أنّه سيُحتَجَز لمدة أسبوع، على ذمة التّحقيق. يوم الثّلاثاء، تم تمديد فترة اعتقاله ثمانية أيّام إضافية على الرّغم من مطالبة محامييه بالإفراج الفوري عنه واشتكائه من وضعه الصّحي.

منذ البداية، كان مفهومًا أن اعتقال رجب مرتبط بانتقاده الذي جهر به للحكومة في وقت سابق من العام الحالي، وكذلك في العام 2015. وفقًا لابنه، واجهته الشّرطة بأدلة عن التّهم المزعومة بعد يوم من اعتقاله، ما أثار حيرة النّاشط منذ زمن طويل. وأفاد ابنه أنّه "قال إنّهم أروه فيديوهات قديمة، ولم يحاولوا حتى بذل جهد لإنتاج شيء ذات معنى".

قد يكون معنى مماطلة السّلطات لوقت كبير أنّها كانت تحاول جمع قضية أكثر صلابة ضده. في النّهاية، تم إبلاغ رجب أنّه سيواجه المحاكمة على خلفية تهم معلقة بـ "إهانة هيئة نظامية" و"نشر شائعات كاذبة في زمن الحرب". وكلتاهما متعلقتان بالتّغريدات الني نشرها منذ عام، والتي انتقد فيها نظام السّجون في البحرين، وتورط الأخيرة في الحرب الأهلية في اليمن. وفقًا لمحاميه، فإنّه يواجه حكمًا قد يصل إلى السّجن 13 عامًا.

الوقت التّعسفي لهذه الخطوة ضد نبيل رجب جزء صغير مما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بـ "حملة القمع" الجديدة في المملكة، ذات التّاريخ الطّويل في قمع معارضيها.

فترة القمع الأخيرة، التي بدأت منذ أسابيع، هي الجهد الأكثر تنسيقًا، والأكثر بروزًا للدّولة، لتقويض معارضيها السّياسيين على مدى سنوات. وتمتد إلى ما هو أبعد من النّشطاء البارزين مثل رجب. منذ بضعة أسابيع، زادت محكمة فترة الحكم الصّادر بحق الشّيخ علي سلمان، زعيم جمعية الوفاق، الحركة المعارضة الأبرز في البلاد، إلى تسع سنوات. وكان قد حُكِم عليه بالسّجن سابقًا أربع سنوات على خلفية الإدلاء بخطب سياسية، وانتقاده الحكومة في خطابات علنية. ووصفت هيومن رايتس ووتش المحاكمة بأنّها "غير عادلة بشكل فاضح"، ولفتت إلى أنّ "القاضي الذي ترأس الجلسة رفض السّماح لمحامي الدّفاع عن الشّّيخ سلمان بتقديم أدلة محتملة بالبراءة".

هذا الشّهر، غادرت النّاشطة البارزة زينب الخواجة البحرين، وكانت قد اعتُقِلت العام الماضي وأُفرِج عنها في مايو/أيار، وادعت أن الدّولة هددتها بإعادة اعتقالها وبفصلها لوقت غير محدد عن طفلها. وفي الفترة ذاتها تقريبًا، تم منع مدافعين عن حقوق الإنسان من السّفر للمشاركة في جلسات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جنيف؛ وأتبعت الحكومة ذلك بسحب جنسية الشّيخ عيسى قاسم، وهو عالم دين شيعي، وناقد معروف جيدًا للحكومة.

وبرّرت وزارة الدّاخلية البحرينية الخطوة الأخيرة بأنّه [أي الشّيخ قاسم] استغل منصبه لـ "خدمة مصالح أجنبية" والتّرويج "للطّائفية والعنف"، لكنّها أثارت ردة فعل دولية قوية. وقال النّاطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنّ الحكومة الأمريكية كانت "قلقة" من هذا القرار، مضيفًا أن واشنطن "لا تعلم بوجود أي دليل ذي مصداقية يدعم هذا الإجراء". هذا الأسبوع، أفادت رويترز عن احتجاجات قرب منزل عالم الدّين، "مع وجود أشخاص يرتدون الأكفان البيضاء في إشارة إلى استعدادهم للموت".

والأهم من ذلك كله، في 14 يونيو/حزيران، فرضت السّلطات حظرًا على أنشطة جمعية الوفاق ووضعتها قيد التّحقيق، وصادرت كلّ أصولها. وكما اعتقال نبيل رجب، فإن المرسوم "أتى من فراغ"، وفقًا لما قاله عبد الله الشّملاوي، محامي جمعية الوفاق؛ لم يكن هناك إشارات واضحة على أن الجمعية كانت مُعرّضة لخطر التّعليق. في أكتوبر/تشرين الأول، ستقرر محكمة ما إذا كانت الجمعية ستواجه مسألة حلّها تمامًا من قبل الدّولة.

قد يترك القضاء على أكبر حركة في المعارضة الشّيعة في البلاد-الذين يمثلون 70 بالمائة من المسلمين في البحرين- من دون أي حزب سياسي يمثل مصالحهم، ما يدفعهم إلى العزلة والتّطرف. وقد تكون تلك الخطوة الأكثر عدوانية من قبل السّلطات ضد زعماء الشّيعة منذ العام 2011.

في ذلك العام، تمثل رد الحكومة على التّجمعات السّلمية الواسعة النّطاق، المرتبطة بالرّبيع العربي، في شن حملة قمع عنيفة، قتلت فيها قوات الأمن المحتجين في الشّوارع، ونفذت اعتقالات جماعية، وعذّبت المعتقلين حتى الموت. سُجِن عدد كبير من النّاشطين البارزين، وبعضهم لمدى الحياة، على خلفية اعترافات زُعِم أنّها انتُزِعت منهم تحت التّعذيب.

وفي استجابة منها للضّغوط المحلية والانتقادات الدّولية الواسعة النّطاق، أطلقت الحكومة البحرينية تحقيقًا مستقلًا بشأن العنف، وقد خلص بعد أشهر من التّحقيق المضني، إلى حصول الانتهاكات المنهجية. حاكم المملكة، الشّيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وعد علنًا بأن الحكومة ملتزمة بالإصلاحات، ومنذ ذلك الحين، أشرف على تنفيذ بعض التّحسينات في النّظام القضائي البحريني، وإجراءات تطبيق القوانين. لكن الإصلاحات لم يتم تنفيذها حتى الوقت الحالي. في السّنوات الخمس منذ حصول حملة القمع، واصلت الدّولة سجن النّاقدين، وملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان، ووفقًا لبعض جماعات حقوق الإنسان، تعذيب المعتقلين.

ولطالما تمتعت البحرين، كونها جزيرة استراتيجية في قلب الخليج، بعلاقات صداقة وثيقة مع الولايات المتحدة والبحرين. يتم بناء قاعدة بحرية جديدة للأسطول الملكي البريطاني؛ وقد وضعت الولايات المتحدة أسطولهمة، الخامس قرب العاصمة المنامة، منذ عقود. وقالت جماعات حقوق الإنسان إنّ النّقص في توجيه الانتقاد المناسب للانتهاكات من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، شجع السّلطات البحرينية على مواصلة إجراءاتها القمعية، من دون الخوف من إلحاق الضّرر بعلاقات خرجية مهمة.

رئيس الوزراء البريطاني فيليب هاموند دافع عن علاقات بلاده مع البحرين من خلال التّقليل من أهمية الانتهاكات. وقال للـبي بي سي في العام 2012 إنّ "البحرين ليست سوريا"، مضيفًا أنّ "عملية إصلاح قيد التّنفيذ" في الدّولة الخليجية.

وقد كانت الولايات المتحدة أكثر انتقادًا علنية للمملكة، وعلّقت مساعدتها العسكرية في أعقاب حملة القمع التي شنّتها الحكومة في العام 2011. لكن واشنطن لم تشعر على ما يبدو بأي ندم في الإبقاء على وجودها البحري والعلاقات الدّبلوماسية الودية. وفي علامة على صحة العلاقات العسكرية-العسكرية المستمرة، التقى وفد أمريكي الأسبوع الماضي بالقائد العام لقوات دفاع البحرين لمناقشة "قضايا تثير اهتمامًا مشتركًا"، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام الرّسمية في الجزيرة.

في الواقع، عادت إدارة أوباما إلى تقديم المساعدات العسكرية. وقد شاركت القوات الجوية الملكية البحرينية في الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش في سوريا.

ومتحدثًا بعد رفع الحظر عن المساعدات العسكرية، أثنى وزير الخارجية الأمريكية جون كيري على "التّطور ذات المغزى في الإصلاح وحقوق الإنسان" في البحرين.

وقد نفت جماعات حقوق الإنسان مثل هذه الادعاءات. وفي ضوء الهجوم المتجدد للحكومة ضد ناقديها، كتب سعيد حدادي، وهو باحث في شؤون الشّّرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدّولية، أنّه من الماكر أن تواصل الحكومات الأجنبية الادعاء أن البحرين ما تزال على المسار الصّحيح للإصلاح" في إيميل أرسله. وقال نيكولاس ماكجيهان، وهو باحث في شؤون الخليج في هيومن رايتس ووتش، بشكل محدد أنّه "أعتقد أنّه من الخطأ تمامًا القول إنّ هناك عملية إصلاح في البحرين. هناك عملية قمع موجهة".

وقد أخبرتني المتحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية أن لندن "كانت قلقة بشأن قرار تعليق نشاطات الجمعية البحرينية المعارضة، الوفاق، وتجميد أصولها. نشجع البحرين على احترام حقوق الجماعات السّياسية في العمل والسّعي إلى حوار سياسي".

وأضافت أنّه "نسعى أيضًا إلى الوقوف على الحقائق بشأن منع مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان من السّفر إلى جنيف للمشاركة في جلسات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، واعتقال النّاشط من أجل حقوق الإنسان نبيل رجب".

وقد أخبرتني مصادر موثوقة أنّ وزير الخارجية تكلم إلى نظيره البحريني في منتصف يونيو/حزيران لمناقشة الوضع السّياسي، لكنّها لم تُفصِح عما إذا تم توجيه أي انتقاد لحملة القمع.

ولم يُجِب أي من ممثلي الحكومة البحرينية ووزارة الخارجية الأمريكية على طلبنا منهم التّعليق على هذا الأمر.

في غضون ذلك، وفي حين ما يزال نبيل رجب يحافظ على روح التّحدي، قالت عائلته إنّها قلقة بشأن ظروف سجنه.

وقال ابنه إنّه "ما يزال في السّجن الانفرادي، وحالته الصّحي في تدهور"، مؤكدًا أنّه يمكن للضّغط الدّولي أن يكون حاسمًا في نتيجة المحاكمة المقبلة. وفي إشارة منه إلى إجراءات المحكمة، قال "إنّها تمامًا كالصّور [للاستعراض]. ما يهم فعلًا هو ضغط دولي قوي. وفي حال حصل ذلك، سيتم الإفراج عنه، أما في حال عدم حصوله، فإنّه سيبقى [محتجزًا] في السّجن".

لكنّه لا يتوقع الكثير من أهم الدّاعمين الغربيين للبحرين. وقد قال إنّه "ليس لدى المملكة المتحدة موقف قوي مما يجري في البحرين"، مشيرًا بسخرية إلى أن "الدّيمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين لن يُقَدموا لبريطانيا أي قاعدة بحرية".

وأضاف أنّ "موقف الولايات المتحدة أفضل، لكنّهم لا يفعلون شيئًا غير إصدار بيانات تعبر كلها عن "مخاوف"".

حتى الوقت الحالي، سيبقى النّاشط الأبرز من أجل حقوق الإنسان في البحرين وحيدًا. وقد قال ابنه بمرارة إنّه "على مدى السّنوات السّت الماضية، فإن هذه هي المرة الخامسة التي يقضي فيها شهر رمضان في السّجن".

*تصحيح: نبيل رجب يواجه المحاكمة على خلفية اتهامات معلقة من العام الماضي؛ وليس هناك اتهامات جديدة، كما أشار المقال الرّئيسي.

التّاريخ: 27 يونيو/حزيران 2016

النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus