إميل نخلة: القمع الذي لا ينتهي في البحرين: فعلًا كفى!

إميل نخلة - موقع لوبلوغ - 2016-06-25 - 4:46 ص

ترجمة مرآة البحرين

قرار نظام آل خليفة الحاكم في البحرين بتجريد الشّيخ عيسى قاسم من جنسيته البحرينية على خلفية تهمة زائفة وملفقة بوضوح، هو مثال آخر على القمع الذي يزداد تعمقًا، للأسرة الحاكمة. فلطالما دعا هذا العالم الشّيعي المُحتَرَم إلى المقاومة غير العنيفة ورفض التّكتيكات العدوانية التي استخدمها بعض المحتجين المتهورين في ما مضى. لقد حان الوقت لكي تطالب الولايات المتحدة وبريطانيا والمجتمع الدّولي البحرين بوقف هذه الإجراءات الوحشية والتّعسفية.

"التّبرير" السّخيف الذي قدّمه وزير الدّاخلية، وهو من آل خليفة، لسحب جنسية الشّيخ عيسى قاسم كان أنّه استخدم منصبه للتّواصل مع "منظمات وأحزاب أجنبية معادية" و"خدمة مصالح أجنبية". واتُّهِم أيضًا بخلق "محيط طائفي متطرف" و"انتهاك الدّستور". ولم تشرح وزارة الدّاخلية هذه التّهم أو كيفية انتهاك المتهم للدّستور. وقد كُتِب البيان تحت شعار ساخر "رمضان مبارك".

منذ الانتفاضة البحرينية في فبراير/شباط 2011، روّج النّظام السّني للطّائفية من أجل نزع الشّرعية عن الحراك المُطالِب بالدّيمقراطية. وقد كان منسجمًا مع الأسرة الحاكمة في السّعودية في التّرويج للأيديولوجية السّلفية الوهابية، الرّجعية والمتعصبة، التي انبثقت أساسًا من السّعودية، لتشويه صورة المسلمين الشّيعة، سواء في البحرين أو السّعودية أو الإمارات العربية المتحدة. الشّيخ عيسى قاسم هو الضّحية الأخيرة "للّطائفية المتطرفة" التي يقودها هذا النّظام.

دعم الشّيعة للاعتدال

قراءة هذه التّهم في بيان سحب الجنسية الصّادر عن الحكومة، أمر مُحَيّر لأولئك الذين تابعوا النّشاط السّلمي للشّيخ عيسى قاسم نيابة عن حقوق الإنسان والدّيمقراطية والشّمولية. لقد روّج دائمًا للمصالحة بين الغالبية الشّيعية والأقلية السّنية تحت حكم آل خليفة. ولقد دعا باستمرار إلى العودة إلى الدّستور، الذي أصدره والد الملك حمد، الحاكم السّابق للبحرين في العام 1973.

عملية سحب الجنسية هذه لم تأتِ من فراغ، ولم تكن حادثًا معزولًا. هذا الإجراء غير الشّرعي تبِعَ الحكم على الشّيخ علي سلمان بالسّجن تسع سنوات وتعليق عمل جمعية الوفاق، وإعادة اعتقال النّاشط البحريني من أجل حقوق الإنسان نبيل رجب. الأمر المثير للسّخرية فعلًا بشأن هذا القرار هو أنّ الشّيعة عاشوا في أرخبيل البحرين كمزارعين وغواصين باحثين عن اللّؤلؤ قبل احتلال قبيلة آل خليفة للجزيرة من البر الرّئيسي في الجزء الأخير من القرن الثّامن عشر. الشّيخ عيسى قاسم وغيره من البحرينيين يمتلكون حقًا شرعيًا بالجنسية البحرينية أكثر من الغزاة السّنة من آل خليفة.

مع ذلك، صرّح الشّيخ عيسى قاسم وزملاؤه في الوفاق علنًا وباستمرار عن كونهم مستعدين للعمل مع الأسرة الحاكمة طالما يتم احترام حقوق الغالبية في حرية التّعبير والتّجمع وضمان فرص التّوظيف تحت حكم القانون. سمعتُ هذه التّصريحات شخصيًا من نواب شيعة في البرلمان خلال المناقشات الدّستورية في الجمعية التّأسيسية والجمعية الوطنية على مدى السّنوات الأربعين الماضية.  

إحساس النّظام بالتّمكين

في السّنوات الخمس الماضية، وخصوصًا بعد دخول القوات السّعودية إلى البلاد، شجّعت الرّياض النّظام البحريني على إجراءاته الاستبدادية وغير المشروعة ضد الغالبية الشّيعية، والسّؤال المُحير هو عن مدى الدّعم الذي يتوقعه النّظام البحريني  ويحصل عليه من الزّعيم الصاعد للسّعودية، محمد بن سلمان، بما أنه الآن منشغل برسم مستقبل جديد لبلاده.

يمكن القول إن واشنطن ولندن دعمتا أيضًا النّظام البحريني من خلال تسامحهما مع إجراءاته القمعية ضد البحرينيين وقبولهما بالادعاءات السّطحية للنّظام بأنّه ملتزم بالإصلاح السّياسي وبمحاربة الإرهاب. في الواقع، كلا الادعاءين زائف.    

الحكومة البحرينية دعمت المجموعات السّنية المتطرفة في سوريا، وقد قاتل عدد من "الجهاديين" البحرينيين السّنة في سوريا وقُتِلوا هناك. وقد رفض النّظام كلّ المطالب بالإصلاح السّياسي وعليه أيضًا أن ينفذ التّوصيات الرّئيسية في تقرير اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في العام 2011. وثمة حملة علاقات عامة جنونية وماكرة ومُمَولة جيدًا لإبراز الحكومة البحرينية بمظهر إيجابي تجري بشكل بارز في كل من لندن وواشنطن.

نشر نظام آل خليفة رسالته في لندن وواشنطن من خلال رجال الأعمال وغرف التّجارة والدّبلوماسيين والمسؤولين العسكريين المتقاعدين، والصّحافيين والصّحف والمجلات المطواعة، وكذلك الأكاديميين الذين رحّب بهم النّظام وشّجعهم على مقابلة موالي النّظام والدّعاة له في البحرين. بالطّبع، يعتقد بعض صانعي السّياسة أن دعم النّظام البحريني يخدم المصالح الأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. مع ذلك، ووفقًا لما أظهره التّاريخ الحديث، فإن تملق المستبدين يخدم المصالح الأمريكية والبريطانية على المدى القصير، لكن قيمته مشكوك بها على المدى الطّويل.

تهديدات محتملة

سحب جنسية الشّيخ عيسى واحتمال ترحيله من البحرين سيتركان عددًا من أنصاره غاضبين وقانطين. وفقد عدد منهم إيمانه أساسًا بأهمية المصالحة مع النّظام وهم يدعون بدلًا من ذلك إلى خلع أسرة آل خليفة من الحكم. كثيرون من الشّيعة، وحتى بعض السّنة المطالبين بالإصلاح، يلومون بالفعل الولايات المتحدة وبريطانيا على الظّروف القمعية في البحرين. ويشيرون إلى أن مصدر الأسلحة البريطانية والأمريكية المُستخدمة من قبل النّظام ضد شعبه هو دليل على الشّراكة الأمريكية والبريطانية في الإجراءات القمعية للنّظام.

إذا استمر الوضع كذلك، قد يبدا بعض الشّبان الغاضبين باستهداف المُنشآت والعناصر الأمريكية والبريطانية في البحرين. وعلى واشنطن ولندن أخذ هذا التّهديد جديًا حتى لو بدا أنّ النّظام سحق حركة المعارضة في البلاد. الشّخصيات البارزة في المعارضة، والمعروفة دوليًا، غادرت البلاد، لكن الكثيرين من الشّبان الشّيعة ما يزالون فيها. وتحت حكم آل خليفة، لم تعد البحرين مجتمعًا متسامحًا ومنفتحًا وشاملًا.

قبل الاستقلال، خدم مسؤولون بريطانيون كبار، بمن فيهم تشارلز بلجريف وإيان هندرسون، كمستشارين كبار ونافذين للأسرة الحاكمة، وأداروا جهازي الشّرطة والأمن الدّاخلي في البلاد.  الآن، بريطانيا تساهم في ضمان أمن النّظام وتوسيع الشّرخ بين الحكام والمجتمع الأهلي.

لطالما أراد البحرينيون -سنة وشيعة- العيش بكرامة وسلام، ولكن بحريّة أيضًا. إنّه لمن المعيب أن لا تكون الأسرة الحاكمة قادرة على مشاركة السّلطة وتعزيز شرعيتها في عيون شعبها. على حكّام آل خليفة أن يتعلموا الدّرس القائل إنّ القمع ليس أبدًا الإجابة على السّلم الأهلي والوئام الاجتماعي. حرمان الشّيخ قاسم من جنسيته الشّرعية هو دليل آخر على أن البحرين تتجه نحو الكارثة. وإن كنّا مهتمين بحماية منشآتنا وعناصرنا في البحرين، علينا أن نمتلك الشّجاعة الأخلاقية لنقول لآل خليفة: "كفى! فعلًا كفى!"

التّاريخ: 22 يونيو/حزيران 2016

النّص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus