الربيع البحريني : الثورة التي لم تتلفز

2012-02-17 - 12:37 م




آزاده شاهشاني بالتعاون مع كورينا ملن* ، صحيفة هوف بوست وورلد


ترجمة: مرآة البحرين
- على الرغم من الموجة الأخيرة للتغطية الإخبارية لإصدار تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، إلا أن قصة الانتفاضة البحرينية المطالبة بالديمقراطية هي الأقل تغطية من بين أخواتها في الربيع العربي، وهذا ينطبق على الإعلام العربي في المنطقة الذي ساهم تشجيعه وتغطيته لانتفاضات أخرى في المنطقة في درجة النجاح الذي ربما حققته تلك الانتفاضات. وهكذا بالنسبة إلى غالبية الصحافة الغربية. هذا على الرغم من أن العنف والقمع اللذين واجهاهما المتحجون في البحرين لا يقل عن ذلك إن لم يكن قد فاق في بعض الحالات مثليهما في أماكن أخرى في المنطقة.
 
كما أن الثورة البحرينية المرهقة حصلت على دعم حماسي أو مادي أقل بكثير من قبل الحكومات الغربية. ففي تونس ومصر دعمت الحكومات الغربية إظهار "قوة الشعب" مقابل قمع وفساد حلفائهما السابقين، ولو أن هذا الدعم قد جاء متاخراً. وفي سوريا دعوا علناً إلى تغيير النظام، وفي ليبيا تدخلوا عسكرياً لإنهاء نظام القذافي. ولكن على العكس، ففي البحرين كانت هناك دعوات خافتة لإجراء إصلاحات سياسية وإنهاء العنف من قبل نظام ال خليفة القمعي. هذا ليس مستغربا إذا أخذنا بعين الاعتبار كل ما هو على المحك بالنسبة للحكومات الغربية في البحرين.

أولا وقبل كل شيء لأن البحرين هي مقر الأسطول الخامس للولايات المتحدة الأمريكية، تمركزه هناك هو من الأمور الأخرى المحورية المناهضة  للديمقراطية في  تاريخ هذا الجزيرة الصغيرة. في آب/أغسطس 1975 قام الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة والد الملك حمد بن عيسى آل خليفة بحل الجمعية الوطنية (البرلمان) بعد أن فشل في التصديق على تمديد تأجير فترة الوحدات البحرية الأمريكية في البحرين، الشيء الذي وضع نهاية للتجربة القصيرة مع النظام الملكي البرلماني.

فمن المستبعد أن تقل أهمية البحرين الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة في المستقبل القريب. كما  قال مؤخراً القائد السابق للأسطول الخامس الأدميرال تشارلز مور، نقلاً عن الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة وقائد قوة الشرق الأوسط الأدميرال وليام كرو، البحرين هي "مقارنة بالكفاءة وليس الحجم، هي أفضل حليف لدى الولايات المتحدة في كل أنحاء العالم ".

هذه المعايير المزدوجة لم تكن لتكون غائبة عن المحتجين في البحرين، وكما قال نبيل رجب ، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان: "أليست الديمقراطية فقط لتلك البلدان التي توجد لديها مشاكل مع الولايات المتحدة؟"

الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا متواطئون في جرائم آل خليفة

استجابة متأخرة أخرى، أعلنت الحكومة الأميركية في تشرين الأول/أكتوبر أنها ستوقف صفقة بيع أسلحة للبحرين تصل إلى53 مليون دولار. وكما هو الحال في مصر وتونس، الكثيرون في البحرين  اعتبروا هذه الخطوة، فضلا عن تلك التي قامت بها الحكومة البريطانية لوقف تراخيص تصدير الأسلحة إلى النظام القمعي لآل خليفة، أنها جاءت"ضعيفة جداً ومتأخرة جدا". وفي الأشهر التي سبقت بدء الاحتجاجات في شباط/فبراير الماضي، باعت الولايات المتحدة أسلحة ومعدات بأكثر من 200 مليون دولار للبحرين، بما في ذلك 760 ألف دولار من الأسلحة النارية.

الأنباء الأخيرة تقول إنه تم تعيين قائد سابق في شرطة فيلادلفيا وميامي "جون تيموني"من قبل وزارة الداخلية البحرينية لتقديم المشورة بشأن استراتيجيات الشرطة. هذه الخطوة ستخيب أمل المعارضة البحرينية التي كانت تأمل أن يكون التدخل الأمريكي المقبل أكثر إيجابية. وسيكونون أكثر تشكيكاً عندما يعرفون أن أسلوب عمله الشُرطي كان سيئ الصيت إلى درجة أن الصحافي جيرمي سكايهيل قد أسماه "نموذج ميامي تيموني"، وذلك عندما قام هذا الصحافي بتغطية قمع الشرطة للاحتجاجات  التي اقيمت في فيلادلفيا سنة 2000 وكذلك احتجاجات  منطقة التجارة الحرة لاجتماع قمة الأمريكيتين في ميامي عام2003. استراتيجية تيموني العسكرية في السيطرة على الحشود وصلت إلى استخدامه القنابل الارتجاجية ورذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والهراوات المكهربة لتفريق المحتجين.

ومما زاد الطين بلة، وفقا لما كشف عنه مؤخراً، تم دعوة وحدة عسكرية بحرينية إلى الولايات المتحدة لتلقي نصائح حول "السيطرة على الحشود" في تدريبات شرطية سميت "الدرع الحضري أو المدني" عام 2011. حيث شارك في التدريب وحدات من شرطة الحدود الإسرائيلية، والمعرفون بعدم التزامهم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. فضلاً عن دائرة شرطة أوكلاند ودائرة مقاطعة ألاميدا شريف، واللتين شاركتا في مداهمة عنيفة الشهر الماضي ضد متظاهري "احتلوا أوكلاند"، وهي جزء من حركة الاحتجاج الوطنية / الدولية لمكافحة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية.

واذا كانوا ينتظرون دعما من بريطانيا الحليف القوي الآخر لحكومتهم فان المعارضة في البحرين ستصاب بخيبة أمل بسبب الرد المتأخر من لندن. لقد استغرق الأمر أشهراً من الحكومة البريطانية  لوقف ترخيص تصدير الأسلحة للبحرين، وحتى بعد القيام بذلك، لم يجدوا أي تناقض في دعوة ممثلي الملك لزيارة معرض الأسلحة البريطاني في شهر أيلول/سبتمبر، المعرض الذي قامت بريطانيا ببيع كل شيء  إلى النظام  ابتداءً من أسلحة "السيطرة على الحشود" والغاز المسيل للدموع وانتهاءً بطائرات أف 16.


واذا كانوا يأملون بأن صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق سيؤدي إلى موقف بريطاني إيجابي بالنسبة لحقوق الإنسان في البحرين، فإن المعارضة  البحرينية سوف تصاب بخيبة الأمل أيضا عندما تعلم بأنه تم تعيين مساعد قائد شرطة المدينة السابق جون يايتس، الذي استقال من منصبه  بعد فضيحة التنصت على الهواتف، وذلك للإشراف على إصلاح قوات الشرطة في البحرين.


تقرير لجنة تقصي الحقائق :"ضعيف جدا  ومتأخر جدا"

أنشئت لجنة تقصي الحقائق  من قبل الملك في 29 حزيران/يونيو2011، وفقا لأمر ملكي رقم 28، لإعداد تقرير حول الأحداث التي جرت في البحرين في الفترة من شباط/فبراير 2011 والنتائج المترتبة على تلك الأحداث. على الرغم من صدوره بأمر رسمي، فمن الواضح  أنه لم يكن هناك نية ليكون الشيعة الذين يشكلون غالبية أهل البحرين هم المخاطبون بهذا التقرير.

لو كان أمر الشعب البحريني مهما في مخططات الملك لكان في المقام الأول أمر لجنة التقصي بإدراج المظالم التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات، والتي يطالب بها العديد من المجتمع المدني البحريني. والتي تشمل التمييز الممأسس ضد الشيعة في الوظائف والسكن والتعليم ،والتمييز السياسي الممنهج  ضد الشيعة  عن طريق استبعادهم من مواقع السلطة في المؤسسات الحكومية والدفاع، وذلك من خلال الممارسات الطائفية المستندة إلى تفصيل الدوائر الانتخابية والتلاعب في البنية الديموغرافية للبحرين من خلال التجنيس السياسي للأجانب وإعطاء حق التصويت لسنة مواطنين في بلدان أخرى. كل ذلك يرقى إلى الطائفية، وليس إلى النوع البدائي الذي يشير إليه الابتزاز السعودي والقادة الغربيون المروج للخوف، بل تمييز تتسبب فيه النخبة لدواعي الانتهازية السياسية.

أنه من غير المحتمل أن يهدئ المعارضة إلقاء التقرير لمسؤولية الأحداث على 20 ضابطاً من المستويات الدنيا، والتي حدثت بين شهري شباط/فبراير وآذار/مارس، حيث قتل العشرات من المحتجين، كما تم تعذيبهم، وسجنهم من قبل أجهزة الدولة الأمنية. إن محاولة إلقاء اللوم على بضع "تفاحات فاسدة" يدل على الفجوة الهائلة الموجودة بين رؤى الأطراف المتصارعة، وخاصة في قضية المساءلة.

وكما جاء في مسودة التقرير الموازي لعدة منظمات بحرينية لحقوق الإنسان والذي أصدر في يوم تقرير لجنة تقصي الحقائق، بأن المعارضة البحرينية لا تريد فقط أن ترى هؤلاء الذين قاموا بالتعذيب والقتل واقفين أمام المحاكم إنها تريد أيضا مساءلة الذين أمروا وأعطوا تخويلاً لهذه الأفعال. مركز البحرين لحقوق الانسان هو واحد من واضعي هذ التقرير يقول إن لديه دليلاً بأن أربعة من العائلة المالكة متهمون شخصياً بتعذيب المعتقلين. بالإضافة إلى أسماء خمسين ضابطاً شاركوا بطريقة مماثلة في التعذيب.

استمرار مزاعم التورط الإيراني في الاضطرابات  الممتدة لعشرة شهور كذبته لجنة تقصي الحقائق. وتظهر أن الملك ما زال متمسكا بأساليب التضليل القديمة. إذا كانت الحكومة جادة فعلاً في تعزيز المصالحة الوطنية وليس مجرد استرضاء مؤيديها الغربيين، فعليها أن توجه طاقاتها من أجل إعادة الدخول في حوار مع المعارضة.

من شأن الحوار أن يشمل هذه القطاعات من المجتمع، الحوار الذي أغلق بابه فجأة بعد ثلاث سنوات من ارتقاء حمد العرش. عنما نكث وعوداً سابقةً بشأن الاصلاح السياسي وقام بسن دستور جديد من جانب واحد عام 2002 والذي لا يلبي مطالب الديمقراطية ولا تطلعات شعبه. واليوم الخيبة نفسها يعبر عنها قادة المعارضة من مكائد الملك الساخرة، فالعضو البارز عبد الجليل خليل في الوفاق الذي هو أكبر حزب معارض في البحرين، يقول: إن المشكلة تتخطى انتهاكات حقوق الانسان والتي جاءت مفصلة في تقرير اللجنة وجوهريا هي مشكلة سياسية... لن تحل المشكلة عن طريق تقرير بسيوني".

التصدي للمشاكل الجذرية لانتفاضة البحرين

انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان قام بها ضباط خلال الانتفاضة والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم مع ما لا يقل عن 4 أشخاص قتلوا منذ بدء تحقيقات لجنة تقصي الحقائق. القمع السياسي ما زال مستمرا، والعنف المفرط لا يزال يستخدم ضد المتظاهرين سلميا. كل هذا لم يحدث من فراغ. البحرين   ديكتاتورية مدعومة من الغرب. في الأنظمة الدكتاتورية لا يوجد سياسة من دون على الأقل معرفة وتواطؤ من هم في مراكز السلطة. بعد النظر في الجغرافية السياسية للمنطقة وكون البحرين دولة عميلة فالمرء ليس بحاجة ان ينظر الى القصر الملكي لمعرفة الطرق الخفية التي تعمل بها السلطة في البحرين. وبالأحرى، يجب النظر إلى كافلي البحرين القريبين والبعيدين، الذين يوفرون الدعم الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي لبلد موارده الطبيعية محدودة وحكم الاقلية فيه توفر له مصدراً آخر محدوداً من الشرعية. إنها شرعية مكتسبة من فوهة البندقية، إن هي تلك التي لوح بها جيرانهم السعوديون أو تلك التي اشتروها من حلفائهم البريطانيين، أو تلك الجاثمة فوق سفينة تابعة للبحرية الامريكية، فتلك لا يمكن ان تكون إلا شرعية مهزوزة.

الشعب البحريني يستحق إجراء تحقيق شامل ومستقل في الأسباب الحقيقية والنتائج المترتبة على ثورتهم. حينئذ فقط مع العمل الجاد يمكن التئام الانقسامات المجتمعية  وإقامة تغيرات هيكلية من شأنها أن تسمح للإعداد لبحرين ذات سيادة وديمقراطية حقيقية  والتي غالبية شعبها فيما يبدو مصممون على إنجاز ذلك. إذا كان لخطاب "تعزيز الديمقراطية" التي يروج لها الكثير   أي معنى حقيقي فيجب على الحكومات الغربية المساعدة، بدلا من عرقلة هذه العملية. ويمكن أن تبدأ من خلال تعليق مبيعات الأسلحة لنظام آل خليفة حتى يتحقق تغيير حقيقي.

*كورينا ملين - محاضر في السياسة المقارنة والدولية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS)، وآزاده شاهشاني محام لحقوق الإنسان ومقره في أتلانتا، والرئيس المنتخب للنقابة الوطنية للمحامين.

13 ديسمبر2011



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus