آلام نبيل رجب..

2012-02-16 - 9:29 ص



كارين لاي*، صحيفة الأطلنطي.
ترجمة :مرآة البحرين

  
كان نبيل رجب الذي هو أقرب لقيادة الثورة البحرينية في مقهى في العاصمة المنامة يمسك بفنجانه ويلقي بنظرة ساخرة من النافذة إلى السيارات الحكومية الواقفة على الرصيف. قائلا ،" أنا لست مختبئا".

في ذلك الوقت، كان نبيل رجب، الرجل الاجتماعي، ذو الشعر الرمادي ورئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، واحداً من ثلاثة نشطاء بارزين - بما في ذلك الأستاذ في جامعة البحرين الدكتور عبدالجليل السنكيس، وعبد الهادي الخواجة - الذي أصبح أكثر الشخصيات احتراماً بعد مرور أسابيع من عمر الثورة.

حاليا وبعد عام تقريباً، اثنان من أترابه حكموا بعقوبة السجن المؤبد. تاركين رجب - مقاول البناء  ذا الـ 47 عاما  - و الزعيم الفعلي للانتفاضة الصاعدة في البحرين.

أمن من الاعتقالات، التي حصلت مع الكثيرين، بسبب شهرته بين الناشطين في الربيع العربي، والصحفيين، والخبراء، والعاملين في مجال حقوق الإنسان.

يعزو الكثيرون ومن ضمنهم رجب نفسه، ذلك إلى علاقات شخصية قوية مع تلك الشخصيات الدولية، والتي كان الكثير منها في المنامة الأشهر الأولى من الانتفاضة الشيعية في المملكة الجزيرة.

في العام الماضي، حضر الكثير من المؤتمرات في كافة أنحاء العالم العربي، وسافر إلى العاصمة واشنطن، لاطلاع العالم كله على أعمال العنف المستمرة التي يمارسها النظام ضد ما يقول إنها احتجاجات سلمية ضد النظام الملكي الذي يتكون من الأقلية السنة في البلاد.

"كان قد استخدم بشكل حاذق مكانته الإعلامية اللامعة وصلاته مع الدبلوماسيين الغربيين في البقاء خارج السجن "، كما يقول باراك بارفي، وهو زميل له في مؤسسة نيو أمريكا والذي كان على الأرض في المنامة في مارس الماضي. ويكمل بارفي،" ومع ذلك، فإن وضعه أفضل بكثير من أوضاع منتقدي النظام الآخرين مثل السنكيس الذي يفتقر إلى علاقات رجب الرفيعة المستوى، وجدوا أنفسهم سجناء لفترات زمنية طويلة". ولكن رجب لا يمضي وقتا سهلا، وثورة البحرين في كفاح.

خلال مسيرة حاشدة عند قصر الملك في الرفاع في مارس الماضي، كان رجب واقفا في حقل ترابي يوفر المعلومات والتطمينات للصحفيين والمتظاهرين. وبروح معنوية مرتفعة تعجب من حجم الحشود. في المسيرة نفسها، زميله الناشط السنكيس والذي أطلق سراحه من السجن لفترة وجيزة في مبادرة  من الحكومة للإعراب عن حسن نواياها، افترق السنكيس بكرسيه المتحرك عن الحشود، والزهور تتناثر عند قدميه.

 
رجب، الناشط البحريني الشديد الوضوح، الوحيد الذي لا يزال قادرا على حضور هذه المسيرات، على الرغم من تجاهلها الكبير في وسائل الإعلام الدولية، في العام الماضي نظمت هذه المسيرات في معظم أيام الجمعة، وهي دليل على الإرادة الصلبة  للسلك الناشط في البلاد.

يقول رجب ،" كل ليلة هناك عنف" من قبل قوات الأمن في شوارع الأحياء الشيعية الأشد فقراً في البحرين.  وادعاءاته مدعومة بسيل  مستمر من المعلومات الواردة من نشطاء الإنترنت المتواجدين على تلك الشوارع نفسها.

يقولون،  إن الدمار ناجم إلى حد كبير عن قنابل الغاز المسيل للدموع والتي غالبا ما تلقى على المنازل أو فوق رؤوس المحتشدين، كما حصل في ذلك اليوم في الرفاع.

"إنها كما لو أنك تصوب مدفعاً نحو شخص" يقول رجب،" من المفترض أن يتم رميها على الأرض. ماذا يفعلون في هذه الشوارع الصغيرة المزدحمة، إنهم يلقونها على بيوت الناس. إنها صعبة وخاصة إذا كنت تعاني من الربو أو أي مرض مزمن".

في العام الماضي، تعرض رجب إلى اعتداءين جسديين يعتقد أنهما كانا من قبل قوات الأمن،  حيث تصدرت عناوين الصحف العالمية.  يقول بارفي ،"إن علاقاته الجيدة مع الحكومات الغربية لم تكن قادرة على منع النظام من الإصرار على مضايقه ". لقد كان نبيل رجب ممنوعا من مغادرة البحرين لعدة شهور في السنة الفائتة.

وبلغته الإنكليزية المكسرة يقول رجب "بيتي في قرية بني جمرة، وهو أحد الأحياء الشيعية الأكثر تضررا في المنامة، والتي أصبحت هدفا مفضلا للشرطة" - وأن زوجته وطفليه يتنفسون الغاز المسيل للدموع في معظم الليالي وهم يعانون من الربو.

في مكالمة هاتفية له من تونس يقول رجب في كانون الثاني/يناير " أنا واحد من الناس الذين لعبوا دورا في الانتفاضة، لأني أرى أننا بحاجة إلى النهوض. الأمر خطير ومكلف، ولكنه الأمر الوحيد الذي نشعر أنه سوف يحدث التغيير".

لم أكن أنا من خطط وأعد لها. أنا ناشط عادي (سابقا) معروف من قبل المنظمات، أدرك أنني لعبت دورا في هذه الثورة.  يشاهدني الناس أتحدث بالنيابة عنهم. فلقد كان هناك الكثير من القمع - النساء كبيرات السن والأطفال الصغار، يدعمونني." أنا سعيد بذلك".

أرسل لي ابن أحد المساجين الناشطين برسالة ليخبرني أن بدون رجب "ربما توقفنا منذ أشهر. فالانتفاضة مدينة له كثيرا ونحن نتطلع اليه ".

النهضة كانت غير تقليدية بالنسبة لرجب الذي ترعرع في الطبقة الوسطى. عندما كان في المدرسة الثانوية، قبضت الشرطة على معلمه الجريء والذي كان  يحبه جدا، مما أثار في رجب اهتماما مبكرا في مجال حقوق الإنسان. غادر البلاد، وحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة بونا في الهند.

عاد إلى الوطن، عمل كمقاول قبل أن يحول انتباهه الى العمل في النشاط الأسري. فوجد في المركز، الذي أسسه الناشط السياسي المعتقل الخواجة ( ابنته مريم التي تبلغ من العمر 24 عاما والموجودة حاليا في المنفى في كوبنهاغن تشغل منصب نائب رجب) منبرا مثاليا لنشر مأساة شيعة البحرين المهمشين منذ زمن بعيد.

 وفي 6كانون الثاني/يناير، تعرض للضرب على يد قوات الأمن التابعة للنظام البحريني، مما دفع النزاع البحريني إلى الظهور  بشكل وجيز في وسائل الإعلام العالمية.
والقصة هي، أنه بينما كان في مظاهرة احتجاج في المنامة، ضربته قوات مكافحة الشغب بالهراوات، كما يقول، قبل أن يتحققوا من شخصيته. حينها، يوضح رجب، توقفوا وحاولوا أن يكفروا عن ذنبهم عن طريق استدعاء سيارة إسعاف له.

"We had a very large peaceful protest, which they asked me to cancel," he recalls. "And then they attacked us. A group of riot police beat me and attacked me with their batons, and then they realized who I was and that they had made a big mistake, that this guy has a very big relationship with the international community."

"كانت لدينا مظاهرة سلمية كبيرة جدا، طلبوا مني إلغاءها" كما يشير. وأضاف "ثم هجم علينا مجموعة من رجال شرطة مكافحة الشغب ضربوني بهراواتهم، ثم أدركوا من أكون وأنهم قد ارتكبوا خطأ فادحا، إن هذا الرجل لديه علاقة كبيرة جدا مع المجتمع الدولي".

بعد ذلك الشرطي نفسه "أحضر لي سيارة إسعاف وحاول أن يساعدني، ولكنهم زعموا أنهم شاهدوني مستلقياً على الأرض في الشارع، وأنهم لم يتعرضوا لي بالضرب ".

يوم الأحد،  قام رجب وزينب الخواجة (البنت الكبرى للناشط عبد الهادي الخواجة) بمسيرة إلى الموقع السابق لدوار اللؤلؤة ومعهم الآلاف من المتظاهرين، حيث تم اعتقال الخواجة. وتعرض رجب وأسرته للغاز المسيل للدموع، ابنته اختنقت وابنه تعرض للضرب من قبل شرطة مكافحة الشغب .إن من المتوقع تنظيم مظاهرات أكبر بكثير يوم الثلاثاء.

مصداقية رجب مع الصحافة ترجع في جانب منها إلى ارتباطاته. فهو يعمل حاليا مستشارا لهيومن رايتس ووتش، التي تعمل على نشر الأزمة المستمرة في البحرين،  ونائب الأمين العام لاتحاد الوكالة الدولية لحقوق الإنسان ومقرها باريس.

في العام الماضي، منحه مركز (وودرو ويلسون) الدولي للباحثين جائزة (راتي ايون) للديمقراطية لعام 2011 . فوربس أيضا أعطت رجب المرتبة 43 على قائمتها المؤلفة من100عربي الأكثر تأثيرا على تويتر. فهو لديه أكثر من 100ألف متابع على تويتر ومعظمها باللغة العربية.

 
كثير من البحرينيين يقتدون برجب من حيث الاحتجاج السلمي والنشاط على شبكة الانترنت. فهم خوفا من التعتيم الإعلامي، يقذفون العاملين الأجانب في مجال حقوق الانسان والصحفيين بوابل من التغريدات ورسائل البريد الإلكتروني بشأن العنف الذي يقولون إنه يرتكب بشكل شبه يومي في الأحياء الشيعية مثل سترة التي هي بؤرة مهمة للثورة في البلاد. وكذلك بشأن المتظاهرين الذين تلقوا كما يقولون أحكاما جائرة.

وكان نجل الناشط المسجون قد بعث لي برسالة أيضا عن شقيقه المسجون مثل والدهم: " وضعوا أخي في السجن الانفرداي وعذبوه وهذا هو كل شيء ليس لدينا أي معلومات عنه. لكني تعرفت على أحد زملائه داخل السجن تمكن من التسلل لإجراء مكالمة قصيرة قال لي فيها" ان وضعه سيء وخطير جدا".
"إننا لا نحصل على تغطية إعلامية كما لسوريا أو ليبيا، ولكن بمواردنا المحدودة فعلنا قصارى جهدنا"، كما يقول رجب.

البحرينيون هم أكثر المحتجين العرب نشاطا في وسائل الإعلام الاجتماعي. بمعنى من المعاني، إنهم يوفرون الكثير من التغطية الخاصة بهم.

"إن وسائل الإعلام العالمية تجاهلت البحرين"، كما يقول. "أنا أفهم ذلك، لا أتوقع  من وسائل الإعلام الأمريكية أن تتحدث عن ثورة البحرين عندما لا يوجد أحد في الحكومة الأمريكية يتحدث عنها. والأمر نفسه مع البريطانيين والأوروبيين. وبسبب ذلك، فنحن نعاني من التهميش الإعلامي.

على الرغم من أن بعضها تمكن من دخول البلاد، وكقاعدة عامة يقول ريتشارد سولوم: " الحكومة لم تسمح للإعلام أو مؤسسات حقوق الإنسان منذ نهاية تشرين الثاني/نوفمبر بالدخول، والآن يقولون إنه لا يمكن لأحد العودة مرة أخرى حتى نهاية شباط/فبراير" سولوم وهو قيادي محقق في مقر واشنطن للأطباء لحقوق الإنسان، والذي قضى وقتا في البحرين ينظر في قضية السجناء العاملين في المجال الطبي  أو الذين اقتقدوا بعد معالجة الجرحى المتظاهرين الشيعة.

في آخر مرة حاول سولوم  فيها زيارة البحرين، كانت في كانون الثاني/يناير، لكنهم أرجعوه من مطار المنامة .وقد تم توجيه دعوة له بالعودة في شهر آذار/مارس - بعد  14 شباط/فبراير الذكرى السنوية لبدء الاحتجاجات، والتي من المتوقع حينها أن تكون هناك مواجهات واسعة النطاق.

عدم وجود رقابة دولية في البحرين يعني " لا وجود لبيانات دقيقة وصحيحة"، ويوضح سولوم. "لقد قامت الحكومة بعمل جيد جدا بتبييض ذلك كله. الأفعال تختلف كثيرا عن الأقوال. إذا قمت بالنظر الى الغابة وليس الى الأشجار، تظن" أن البحرين حتماً بخير".

رجب، محرض المراهقين السابق، أمامه اليوم مهمة كبيرة في هذه الذكرى. لا بد له من حث المتظاهرين المحبطين على القيام بالمسيرات، ومنعهم من اللجوء إلى العنف مع شرطة مكافحة الشغب. فقد تكون للنظام الذريعة لتصعيد العنف وربما تكون كارثية.

"سبق لي أن شهدت أعمال عنف من البعض وهذا ما يقلقني"، كما يقول. "لقد غضب أحدهم قائلا لي "إنك تشجع هذا الأسلوب السلمي، ولكن الشرطة تستخدم المزيد من العنف".

 من المتوقع أن يحاول المتظاهرون الوصول إلى ما تبقى من ساحة اللؤلؤة والتي كانت ذات مرة قلب الانتفاضة في البحرين ولكن قامت الحكومة بهدمها السنة الفائتة. كان مشهدا سيئ الصيت للحكومة التي قامت قبل الفجر 14 فبراير باطلاق النار على المتظاهرين النائمين، مركز الثورة. "لا أعتقد ان نهاية دوار اللؤلؤ هو نهاية العالم"، كما يقول، وهو يبدو متعباً: "لقد حاولوا هدم التاريخ، ولكننا سوف نعيد الذكريات".

* كارين لاي كاتبة في صحيفة مقرها برلين وتكتب لصالح التايم ومطبوعات أخرى. قامت سابقا بتغطية الأحداث في افريقيا والهند والربيع العربي والحملات الرئاسية لعام 2008.

13 فبراير 2012


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus