دموع ريحانة
2016-04-21 - 2:02 ص
مرآة البحرين(خاص): ما سر دموعك اليوم يا ريحانة وأنت تعانقين الحرية والأحبة والضوء بعد ظلام سنوات ثلاث؟ هل هي دموع الفرح بالحرية والعودة إلى الحياة؟ هل هي دموع السعادة باحتفاء الناس واحتضانهم لك وفخرهم بك؟ هل هي الدهشة بهذا الاحتفاء وهذا الاعتزاز؟ هل هي فزعة جسدك بأن صار أخيراً قادراً على احتضان أحبتك بعد أن كان لقاؤك بهم لمساً برؤوس الأصابع من خلال ثقوب الحاجز الزجاجي؟ هل هي شهقة رئتيك وهما تستنشقان أخيراً هواء غير محكوم ولا محكور؟ هل هذه هي ما جعلت دموعك تغالب ابتساماتك في هذا اليوم أم هناك ما هو أكبر وأكثر؟
هل هي سنواتك الثلاث التي ما كنت تتصورين أنك ستقضينها كاملة داخل السجن؟ كنت تحسبين أن انفراجاً سياسياً يقبله الجميع ويرضونه سيسبق خروجك، وسيكون خروجك مع بقية السجناء السياسيين قبل هذا التاريخ بكثير، وأن المطالب التي سجنتم من أجلها جميعاً ستأخذ طريقها إلى التحقق. لكن ها أنت قضيت مدّة محكوميتك، وقضاها آخرون قبلك، وربما سيكملها كثيرون بعدك، والوضع في هذا الوطن ينحدر نحو هاوية سحيقة تغور أكثر كل يوم بلا بصيص أمل أو أفق. هل كنت تتصورين أنك ستخرجين بعد هذه السنوات الثلاث، لتقابلي الأسوأ الذي ما عرفتيه قبلها؟
هل كانت دموعك لأن سنوات عمرك الثلاث التي انحسرت من بين يديك مثل قبضة رمل، كان يمكن -لو أنك تعيشين في بلد نظامه يحترم إنسانه- أن تقبضي عليها مثل طين طري، تشكّلين به أحلامك الصغيرة، وتصوغين به أحلام عائلتك التي عانت ما عانته جراء حرمانها منك. كان يمكن لولدك حسين ذي الثمانية عشر عاماً مثلاً، أن يكون الآن منتظماً في الجامعة في تخصص دراسي يرغب به، وأن يخطط لمستقبله الوظيفي مثل أي شاب طموح في مقتبل حياته، وأن يكون في صحة نفسية مشرقة ومتّقدة، وعلى أهبّة الحماس للمشاركة والعطاء. وكان يمكن لطفلتك زينب ذات الستة أعوام أن تعيش طفولتها بلا تشتت وبلا انكسار قلب، وأن تنام مطمئنة البال والخاطر في حضن والدتها التي ترعاها وتأخذها بيدها إلى المدرسة وتشرف على دراستها وواجباتها. هل كنت تتوقعين أن تحرم عائلتك منك كل هذا؟
هل كانت دموعك على وطنك الذي مسح الاستبداد وجهه وغيّر معالمه ومعالم الناس فيه؟ كيف صارت هذه البلد تضيق بالإنسان وينتعش فيها صوت البوم وحده. البوم الذي يتكاثر حيث الأماكن الخربة المهجورة من العمران والإنسان. والإنسان الذي أصبح بلا أفق في هذا الوطن. كيف صار أبناء بلدك بين مسجون ومبعد ومطارد وخائف يترقّب وفارٌ بحياته ومسقطة جنسيته، كيف صار ابن بلدك الأصيل خائناً والدخلاء هم الشرفاء، كيف تتهم واحدة مثلك تحمل علم وطنها وتحلم بإصلاحه بالخيانة والتآمر والتخريب والانضمام إلى خلية إرهابية؟ كيف صار كل فعل احتجاجي عمل إرهابي، وكل صوت معارض مشروع انقلاب. هل هذا وطنك؟
هل كانت دموعك لأنك اعتقدت -بينما أنت في السجن- أن الناس قد فترت عزيمتها وملّت أو غابت عن قضيتها، فإذا بك تفاجئين بأنهم رغم كل السحق والرضّ والحصار والقمع ما زالوا قادرين على الوقوف والصمود، بل والحركة أيضاً. هل كانت دموعك لأنك رغم كل ما مرّ بك من آلام وهتك وتحرش جنسي وتجريد من ملابس وسجن ظالم عتيد، ورغم كل ما دفعت من ثمن باهظ، فإنك ما زلت ترفعين علامة الصمود بأعلى ما تصل إليه يداك، وكأنك تقولين لهذا الشعب أن السجن الذي كسر في داخلي أشياء كثيرة، أبقى على شيء واحد: قضيتنا. وأن السجن كل هذه السنوات لمجرد قيامي بحركة احتجاجية سلمية، دليل على أن ما خرجنا من أجله ليس وهماً ولا لعباً، فنحن نعيش بلا حرية ولا كرامة ولا حق لنا. الاستبداد قرر أن يخنقنا ويسحقنا لكي لا يبقى لنا صوت يواجهه، ونحن قررنا أن نبقى دائماً مخلصين إلى درس (هيهات).