نحن وأمريكا

2012-02-05 - 8:46 ص


جاسم العويك*
 
يورد الكاتب إدوارد سعيد أسباب إخفاق الفلسطينيين في إخراج روايتهم إلى حيز أوسع وخاصةً في المجتمع الأمريكي في( كتاب الثقافة والمقاومة) لعدة أمور من بينها : رغبة القيادة الفلسطينية في ولوج الطريق المختصر أي التأثير على الإدارة الأمريكية بطريقة مباشرة وشخصية، وهو ما يعدهُ جهلاً فاقعاً بطبيعة عمل المؤسسات في هذا البلد، ثم تأتي حالة الإحباط العامة لدى الفلسطينيين الذين يشعرون بتجاهل العالم لهم وسط الحصار الجغرافي الاقتصادي فيبادلون العالم ذات المشاعر، ثم عدم استغلال الطاقات الشابة في أرض الشتات وعدم انتظامها لتشكل قوة حقيقة تعرض الحكاية الفلسطينية للشعب الأمريكي بحيث تستطيع اجتذاب الأصدقاء والمساندين، فما زالت صورة الفلسطيني ترسمها المنظمات الصهيونية التي تملك الأدوات اللازمة والعمل المنظم.

 إذن بالنسبة لإدوارد سعيد هناك طريقٌ أطول ـ بعيداً عن محاولة التأثير في المسئولين الأمريكيين والذين قطعاً لاتلتقي مصالحهم مع الفلسطينيين، لكنه الطريق الأضمن، وهو التأثير على منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الأمريكية بما يخلق رأياً عاماً ضاغطاً ويزيد من أعداد المؤيدين والمساندين للقضية.
 
وفي حالة البحرين، حيث من مصلحة الأمريكان الإبقاء على النظام القبلي الديكتاتوري نظراً لاعتبارات النفظ (السعودية) والقاعدة الأمريكية، خصوصاً في ظل وجود نظام إيراني معادي للغرب، فإن وجود ديكتاتور مستعد لفتح بلاده وقبوله بالمخاطره أهم من الديمقراطية التي قد تجلب أغلبية تعرقل أي عمل حربي تجاه إيران، وجلُّ ما تصبو إليه أمريكا في البحرين أن تخف وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان فقط، منعاً للإحراج، وذلك دون تحول ديمقراطي حقيقي، وإنني استغرب من نظرية ( المؤامرة الأمريكية ـ الإيرانية ) ضد البحرين التي يسوّقها إعلام السلطة والتي لم يخرج لنا فطحل منهم ليشرح لنا خيوطها ونقاط المصالح المشتركة.
 
حقاً، إن صداقة أمريكا خضوع ومعاداتها معاناة، وأفضل شيء أن لا تنتبه إليك، فهي ما أن تنشب قواعدها في البلد، حتى يصبح كل شيء ديكوراً، فهي تمنحك الصورة والاسم، وغاية الوجود،  ولنأخذ اليابان مثالاً، حيث تم تعميم صورة نمطية لليابان ( الكفاءة الإنتاجية / الفلكلور الجميل ) دون أن نعرف طبيعة الديمقراطية مثلاً التي صاغها الجيش الأمريكي والتي تعتبر من أضعف الديمقراطيات إذا ما قورنت بالدول المتقدمة، لأن هدف أمريكا في ذلك الوقت الإبقاء على اليابان كقاعدة حربية غير قابلة للغرق، وضمان عدم قيام حكومة تتقارب مع الاتحاد السوفيياتي خلال الحرب الباردة، ولم تضعف تبعية اليابان لأمريكا إلا بعد انهيار جدار برلين.

ترسمُ أمريكا صورة من تشاء وتسوقها لشعبها وللعالم، فإن كانت بلادك تستضيف قاعدة أمريكية أو كنت حليفاً، فإن صورتك سيتم فرزها بما يتلاءم والمعايير المطلوبة ، فتركيا التي انتخبت حزباً دينياً، سيتم اعتبارها أداة التغيير الثقافي في المنطقة حيث الإسلام المعتدل والمنفتح كما في المسلسلات التركية التي تروج لها قنوات مملوكة سعودياً، والبحرين البلد الذي لابد أن تظهر صورته مع المرفأ المالي ليدل على النجاح الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي لتكتمل الأسطورة التي تقول إن كل بلد تحط فيه قواعد الجيش الأمريكي تحل عليه البركة، حتى أن بعض الأجانب عندما يخطىء في بعض الشوارع ليدخل في القرى يتفاجأ بانكسار الصورة النمطية التي تم رسمها لهُ في مخيلته.
 
أمريكا لاتهتم إن كنت دينياً أو ليبرالياً، فبداوة بن لادن همجية وإرهاب، بينما بداوة الحلفاء حكمة رصانة واتزان، وقس على ذلك نماذج عديدة للأفلام الأمريكية ( الملك فيصل في فيلم لورانس العرب مثلاً)، وقارن أيضاً بين الإمبراطور الياباني في الأفلام الأمريكية وبين الإمبراطور الصيني، رغم أنهم من ذات الفصيلة، لكن الأول محب لشعبه بينما الآخر رمز للديكتاتورية، كل ذلك لأن أمريكا استعانت بالحرس القديم المتهم بجرائم الحرب لتدعيم الديمقراطية في اليابان إبان الاحتلال !
 
هل الحل إذن يكمن في الجفير ( القاعدة الأمريكية )؟
هل يكمن في الشعب الذي عليه أن يقاوم أمريكا قبل النظام؟
وكيف يستطيع شعبٌ صغير العدد كشعبنا أن يرسم صورته التي يريدها في المحيط، أي في أمريكا؟
هل يضيّع المعارضون وقتهم في بريطانيا بدل أن يكونوا في واشنطن؟
ماهي الوسائل والأساليب التي تمكننا من رسم صورتنا ومن جذب التعاطف والأصدقاء؟
 
 
‫هذهِ الأسئلة أتركها للنقاش العام في صفحة المرآة، ولنا لقاء آخر.

*كاتب بحريني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع