الشيخ محمد خجسته ... سيرة عقدين من الشتات

لم يتوقف خجسته عن نشاطه المعارض بعد إسقاط السلطات لجنسيته
لم يتوقف خجسته عن نشاطه المعارض بعد إسقاط السلطات لجنسيته

2016-02-22 - 4:32 ص

مرآة البحرين (خاص): لم يكن رجل الدين الشيعي الشيخ محمد خجسته الذي أبعدته السلطات البحرينية (الأحد 21 فبراير/شباط 2016) شخصاً مغموراً لم يسمع به أحد، بل كان أحد رجال الدين الشيعة النشطين، والداعمين بقوة لمطالب الشعب، وللثورة التي اندلعت في فبراير/شباط 2011.

منذ عودته للبحرين مع العفو الأميري العام (الذي أفرج فيه عن المعتقلين السياسيين وسمح فيه لكل المبعدين بالعودة إلى البحرين) عام 2001، مارس خجسته دوره الديني، وانضم لاحقاً إلى المجلس الإسلامي العلمائي (الذي حلته السلطات عام 2014)، كما كان أحد أعضاء الهيئة المركزية للمجلس في إحدى دوراته.

ولد الشيخ محمد حسن علي حسين خجسته في وطنه البحرين عام 1971، وترعرع فيها، وهو بحريني من أب وأم بحرينيين من أصول إيرانية، عرف عنه الالتزام الديني وولعه بالدراسة الحوزوية، وانخرط في الدراسة الدينية منذ بداية العقد الثاني من عمره.

يعلم الكثير من البحرينيين إن الشيخ محمد خجسته أحد البحرينيين الـ 72 الذين أسقطت عنهم الجنسية بمرسوم ملكي صدر في 29 يناير/كانون الثاني 2015، بل كان اسمه يتصدر قائمة المسقطة جنسياتهم، وبعد ما يقارب الـ 13 شهراً، أيدت محكمة الاستئناف ترحيله من البحرين، في جلسة مرافعة ختامية، لم تكن فيها القضية محجوزة للحكم.

في 5 فبراير/شباط 2015 (بعد حوالي أسبوع من إسقاط جنسيته) استدعي الشيخ محمد خجسته للإدارة العامة للجنسية والجوازات، وطلب منه تسليم جواز سفره وبطاقته الذكية، وأصدرت له بطاقة جديدة تحمل عبارة "عديم الجنسية".

وفي 15 أبريل/نيسان 2015 تقدم الشيخ خجسته لإدارة الجنسية والجوازات، بطلب قبول تصحيح وضعه القانوني، وأبدى استعداده الكامل لتقديم "كفيل"، أو التصريح له "بالخروج طوعياً من البلاد" إلا أن إدارة الجنسية والجوازات رفضت طلبه، واشترطت عليه الحصول على جنسية دولة أجنبية، لمنحه الإقامة.

في 25 مارس/آذار 2015 أرسلت للشيخ خجسته إحضارية من قبل المحكمة الصغرى الجنائية للمثول أمام المحكمة في 5 مايو/أيار 2015، ووجهت له تهمة الإقامة في البلاد بطريقة غير مشروعة، وصدر الحكم بحقه في 14  مايو/أيار 2015 بتغريمه 100 دينار وإبعاده عن البلاد.

دفع خجسته الغرامة وتقدم باستئناف، لتقضي المحكمة (الخميس 18 فبراير/شباط 2016) التي ترأسها القاضي إبراهيم الزايد، وضمت القاضيين وجيه الشاعر وأيمن مهران، برفض الاستئناف وتأييد حكم أول درجة القاضي  بإسقاط جنسيته وتغريمه 100 دينار وإبعاده نهائياً عن البحرين.

وفي أول يوم دوام رسمي بعد إصدار حكم محكمة الاستئناف، استدعت الإدارة العامة للجنسية والجوازات (الأحد 21 فبراير/شباط 2016) الشيخ محمد خجسته عند الساعة 2:41 ظهراً، وطلب منه الحضور فوراً، ذهب خجسته بمعية محاميه، لكن السلطات طلبت من المحامي الانصراف وشرعت في إجراءات ترحيله.

وفي الساعة 7:16 مساء (الأحد 21 فبراير/شباط) أعلن مسئول الحريات الدينية في مرصد البحرين لحقوق الإنسان، الشيخ ميثم السلمان، إن السلطات رحلت الشيخ محمد خجسته إلى العاصمة اللبنانية بيروت.

 

الشيخ محمد حسن علي حسين خجسته

خجسته: لم نعرف وطناً غير البحرين

لكن محنة خجسته لم تبدأ في العام 2015، يعود رفاقه بالذاكرة إلى حقبة التسعيينات، حينما أقدمت السلطات على اعتقاله في 13 يناير/كانون الثاني 1995، وتم إيداعه السجن، أدخل خجسته إلى زنزانة مكتضة بالآسيويين، يقول خجسته إنه اضطر للبقاء واقفاً في الزنزانة نظراً لاكتضاضها، هو وبقية الآسيويين الذين معه، قرر خجسته الإضراب عن الطعام واستمر في إضرابه لستة أيام متواصلة أودع خلالها في السجن الانفرادي، ليمكث في السجن لما يقارب الـ 10 أيام، عاش فيها أسوأ فترات حياته، رأى فيها أبشع ما يمكن أن يراه من معاملة قاسية لمواطن في بلده.

في 24 يناير/كانون الثاني 1995، فتح باب الزنزانة، أخذ خجسته وعرض على أحد الضباط، قال له الضابط، لقد قررنا تسفيرك إلى إيران، ولك أن تختار الطريقة التي تريد فيها مغادرة البحرين، بإمكاننا وضعك في «بانوش» البصل أو البطاطا، رد خجسته على الضابط قائلاً، الدستور يحظر إبعاد المواطن من بلده أو منعه من الرجوع إليها، ضحك الضابط ضحكة استهزاء، أخذ خجسته بالملابس الداخلية التي تلبس تحت الثوب العربي (سروال أبيض وفانيلة بيضاء) وكان الجو شديد البرودة في أواخر يناير، أودع قسراً في أحد المراكب المتجهة بحراً لميناء بوشهر الإيراني، وعلى متن ذلك المركب اكتشف خجسته إن معه مواطن يدعى علي محمد من سكنة مدينة عيسى وطالب جامعي بحريني يدعى محمد ناصر، هما الآخران قررت السلطة ترحيلهما معه إلى إيران.

وصل خجسته إلى إيران، هناك عثرت عليه السلطات الإيرانية ملقى عند البحر، تم إدخاله على الفور إلى أحد المستشفيات في مدينة بوشهر، اكتشف الأطباء لاحقاً إن خجسته يعاني من تسمم في الدم، ورضوض في العضلات، مكث خجسته ما يقارب الشهرين حتى معالجة تسسم الدم، بعدها غادر إلى مدينة قم، لينضم مجدداً إلى رفاقه، ويعود للدراسة الدينية «الحوزوية».

اقترن الشيخ خجسته وهو في مدينة قم بإحدى الفتيات من عائلة إيرانية، وأنجبت له ثلاثة أبناء، أصغرهم فتاة تبلغ من العمر 6 أعوام.

بعد 21 عاماً، عادت ذاكرة خجسته به إلى العام 95، هو يتذكر جيداً كيف تم ترحيله، هو يعرف جيداً إن القبيلة الحاكمة لا تتصرف كدولة بل كعصابة، طريقة ترحيله في 95 شاهدة على ذلك، لكنه قرر مجدداً أن يكون في الجانب الصحيح من التاريخ، أن يكون مع شعبه، لا مع من يقتل شعبه، قرر خجسته أن يرفع الصوت عالياً ضد الظلم والتمييز والاضطهاد، كان يعرف أن الكلفة عالية وأن الثمن باهض، لكنه وبخطى واثقة استمر فيما هو فيه، ولم تخيفه إسقاط جنسيته وبالتأكيد لن يخيفه الترحيل.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus