» رأي
حسين يوسف: عائد للقاهرة... لأخون وطني
حسين يوسف - 2012-01-27 - 8:18 ص
حسين يوسف*
لم يكن قرار الذهاب للقاهرة سهلا، فبعد يوم يوم واحد من اندلاع الثورة المصرية كانت دوائر أخرى ثورية تحدث عن ثورتنا الخاصة، عن 14فبراير، كان يوم 26 يناير 2011 حين قرأت الموضوع الذي كتب في "بحرين أون لاين" ولكنها اللحظة ذاتها التي كنت أتمني فيها الوجود في القاهرة، شعرت بي هناك، وهناك وجدتني.
كنت خائفا على أصدقائي وفخور بهم، وكانت الانترنت صلتي بهم. حين بدأ قطع الانترنت انقطع شرياني، ثم جاء قطع الهاتف النقال ليخنقني. لم أكن أستطيع التمييز إن كانت الناس في الشوارع أم أن الشوارع دخلت في الناس، ولم يكن إلا صوت قناة الجزيرة المعدني يوقظ في القلق والحماسة. وفي جنوب أفريقيا لم يكن صديقي وزميلي علاء عبد الفتاح أكثر حظا، قلت له إن الثورة تحتاج إعلاما، قال: "ليس بعد الآن"، وانقطعت الصلات. إلا أنه فوجئ بي أمامه في اعتصام مجلس الشعب يوم 8 فبراير 2011.
كنت هناك ليكون وطني، وكلما تعالت أصوات "الخبط" على أبواب المحلات معلنة هجوم "البلطجية" أو احتدام المعركة، كانت تيقظ في داخلي جرسا، انتبه: أنت لست ذا صفة، إلا بدمك الذي لا يعرف أوراق الجنسية. هناك عرفت الكثيرين، من محسن من سيناء ومحمد من العريش ومن القاهرة والسويس والمنوفية، ولكني لم أعرف من غطاني في ليال فبراير الباردة، أو ذاك الذي سقاني شاي الفجر، واكتشفت أنهم لا يعرفون بعضهم لم يكن ذلك مهما، ما كان مهما أن يكونوا هناك حتى يكونوا.
كانت الثمانية عشر يوما تختصر تاريخا، ولكني أكذب إن قلت إنها استوعبت حاجة التغيير. ما أسموه "التخريب" والذي استدعى "الثقة المطلقة" التي عبر عنها ملك البحرين في نظام مبارك تحولت إلى "ثورة ملهمة"، عبر عنها وزير خارجيته. وحدث هذا فقط عندما استطاع الملك زيارة مصر ببزته العسكرية زيارة رسمية.
الزيارة التي "طالت" ساعتين بحسب وزير الخارجية المصري، كانت كافية لإطلاق زوبعة حول زيارة الملك لمبارك(1). ورغم أن وزير الخارجية المصري قال إن ملك البحرين ذهب بعدها لقضاء "إجازة خاصة" في شرم الشيخ، وذاك ما أستطيع تكذيبه في هذا المقال.
تعبير وزير الخارجية البحريني "الثورة الملهمة" تأخر إطلاقه 10 أشهر، وتحديدا حتى زيارة الملك. ولم يكن مفاجئا أن نتعرف سبب إطلاقه الحقيقي، شهر واحد، ثم نجحت سلطة البحرين في استصدار قائمة سوداء بأسماء البحرينيين النشطاء في القاهرة(2). وفي ذكرى ٢٥يناير الأولى احتجز صديقي العزيز د.علي الديري في مطار القاهرة، ثم تم ترحيله منها. قائمة صادرة عن الأمن القومي المصري، ولا فخر!
لأني أعرف الديري جيدا، فأنا أستطيع أن أقول إن هذه القائمة لا تضم اسمه وحده، وأنها لم تصدر باسم الشعب المصري ولا تحمل إلا خاتم دوائر مبارك الفاسدة. هذه القائمة تعني أن القاهرة توجع السلطة وأن أعلام البحرينيين التي ارتفعت في ميدان التحرير كانت تؤذي صورته (غير الملهمة). وهي تعني أن الرسائل التي استلمها الأمين العام لجامعة الدول العربية د.نبيل العربي ولم يكترث بإجابتها أصبحت برسم السلطة البحرينية، وقبل زيارة الأخير للأخيرة قبل أسبوع.
لا يعجب سلطة البحرين أن يخاطبها مصري بما يليق بها. يضيرها ذلك، ويقلقها أن ترفع صور رموزها بوصفهم قتلة لشعوبهم وفي مركز "الثورة الملهمة"، وإذا كانت تضيق بهتافات البحرينيين الساخطة فسيكون عليها أن (تقرف) من هتافات الألتراس(3) الذين زار كثير منهم خيمة الاعتصام التي أقامها البحرينيون هناك أمام جامعة الدول العربية.
السلطة هي التي دولت الصراع، وهي اليوم تدول المعركة، ولكنها تختار الملعب الخاطئ. في معركة الدولة المدنية تخسر السلطة، وما شجعها على الاستفزاز الأخير وهذه (الحركشة) هو قدرتها على التفاهم السلس مع عسكر القاهرة، هذه التي جرأتها لحد طلب انضمام الأخيرة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
عني، سأعود للقاهرة. سأعود لأخون وطني كما علمني الماغوط(4) ، وحيث إن حكم العسكر في نظر سلطةٍ يخيب كل ما تثق به يعتبر "ثورة ملهمة"، فأبشر الشعب المصري الشقيق بثورة ملهمة يقولها هذه المرة شعب البحرين لا رأس سلطتها القمعية.
- زيارة الملك لمبارك وردات الفعل الدولية
- بيان رابطة الصحافة البحرينية حول احتجاز وترحيل الديري.
- الألتراس: روابط مشجعي الأندية، لهم فضل في حماية ميدان التحرير وتسيير مسيرات شبابية منظمة جدا، وهتافاتها تتميز بذائقة فريدة في الشتم والرتم.
- "سأخون وطني، هذيان في الرعب والحرية"، رواية لمحمد الماغوط.
* كاتب بحريني