يوم دام في البحرين: "قبضة الثائرين" تسمع من به صممٌ وجرحى ورصاص حي

2012-01-25 - 9:33 ص



مرآة البحرين (خاص): فرض الثوار البحرينيون كلمتهم أمس، وألقوها على كل ذي سمع: لا تراجع! ومن كان يعول على تعبهم أو تقهقرهم أمام القبضة الحديدية لآلة العنف الوحشية بات عليه أن يراجع نفسه. فإذا قيل أن العنف يولّد العنف، فهو صحيح في دمشق، اليمن أو المنامة. وإذا قيل أن الحل الأمني فاشل، وأن لا بديل عن السياسة في حل الأزمات العميقة، فهو صحيح في كل مكان، والبحرين ليست استثناء.

في السياق هذا، فقد دشن شباب 14 فبراير/ شباط الموجة الثانية من رحلة توقهم إلى الديمقراطية، قاسية صحيح، وربما اتسمت في كثير من جوانبها بالألم، غير أن ذلك هو الطريق. والصحيح، أن الحكم، بتعنته وإهماله تقديم مقاربة واقعية إلى الأزمة، أراد تعبيد الطريق بهذا الشكل، فلم يترك للناس خياراً آخر غيره.

وقد استبق أهالي قرية المعامير بقية القرى والمناطق بتظاهرة نظموها ضمن مراسم ختام فاتحة الشهيد الطفل ياسين الصفور الذي قضى مختنقاً السبت تحت تأثير قنابل الغاز الخانق. لم تمهلهم قوات الأمن، وقد باغتتهم بفتح نيرانها على جمهور المعزين.

في القرى المجاورة، النويدرات والعكر وسترة ببلداتها المختلفة، كانت الأجواء تغلي على نار حامية تأهباً لفعالية "قبضة الثائرين". لم تمكث كثيراً بانتظار ساعة الصفر، وقد افتتحت المشوار بتنفيذ تظاهرات واسعة تطورت إلى صدامات عنيفة مع قوات الأمن في "سيحة" سترة، وواديان، سرعات ما انتشرت كشرارة النار في الهشيم إلى كافة قرى شارع البديع، سنابس والديه وجدحفص والمصلى والقدم وأبي صيبع وأبو قوة وكرانة وباربار وبني جمرة والدراز والسهلة ومقابة. والتقت معها الغريفة والجفير، القريتان اللتان تقعان جوار القاعدة الأميركية.

وفي العاصمة الشمالية، راحت كرزكان ودمستان والمالكية تتجاوب. كما وصلت الاحتجاجات إلى عراد والدير وسماهيج جوار مطار البحرين الدولي. وقد سجل استخدام الرصاص الحي في منطقة عالي، فيما أفيد عن وقوع إصابات كثيرة، 4 منها في الأقل خطيرة.


مزيد من التحدي السياسي

لم تكن وزارة الداخلية غائبة، بل كانت تعرف بعضاً من معاني هذا اليوم جيداً، وليس كلها، وتعرف التحولات التي طرأت على طبيعة الاحتجاجات، خصوصاً بعد خطاب "اسحقوه" الذي دشن مرحلة جديدة، هي مرحلة "توازن الرعب". هكذا راحت الشعارات تترى في الساحات: "اسحقوه.. اسحقوه"، مؤذنة بافتتاح مرحلة جديدة سيتم فيها استبدال باقات الورد بأساليب التحدي السياسي، أو بمزيد من التحدي السياسي. لا ورد بعد اليوم، إنما  "قبضات الثائرين" وإرادة الكبرياء الصلبة. هكذا أيضاً، بدأت أجهزة الأمن يومها باستنفار شامل في كامل مناطق البحرين. ألغيت الإجازات، وعمم على عناصرها فرداً فرداً: كونوا جاهزين في الزمان والمكان.

لم يبد أنها، حتى الساعة، قد استوعبت الدرس جيداً. و"اسحقوه" التي لما يزل يتردد صداها منذ يوم الجمعة، وحتى الآن ما تزال تبعث تردداتها، وتحرك المياه الساكنة، لم تصل إلى آذان قوات الشرطة بعد. ففي باربار جاء هجومها على بيت رجل الدين الكبير السيد سعيد الوداعي، إلحاحاً سافراً على مواصلة الغباء الذي يقف وراء كل هبة الغضب اليوم.

وفيما راحت تعتقل نجله الأصغر، السيد أحمد، راحت تلقي كلمات نابية في وجه والدته، زوجة شيخ الدين الذي لم يعرف بغير وسطيته. وقد روى ذلك بالتفاصيل نجله الآخر السيد محمود على حسابه في "تويتر" الذي شهد الحادثة بلحمه ودمه. قال "أثناء مداهمة منزل والدي وجه المرتزقة أسلحتهم في وجه الوالد وشقيقي الأكبر المحامي أمجد والوالدة".

وذكر بأنهم "تلفظوا ألفاظا نابية على والدتي عندما حاولت تخليص أخي الأصغر من بين أيديهم". وقبل أن تغادر، إمعاناً في الإرهاب، راحت تسدد طلقات عشوائية من رصاص الشوزن لتنتشر ملء غرف المنزل.


رصاص حي في عالي

وفي الدراز، كانت أعنف المواجهات. ومرة أخرى، فقد تدخل اعتداء الشرطة على امرأة في "فويليد"، وهو أحد أكثر أحياء القرية شهرة، ليشعل موجة من الغضب عارمة وسط الأهالي. سرعان ما تداعت لها جارتها بني جمرة. لتخوض القريتان معاً صدامات عنيفة مع قوات الأمن استمرت إلى ساعات متأخرة من الليل.
وقد أحكمت قوات الأمن الحصار على الدراز، فيما رشحت أنباء عن تنفيذها تمشيطاً لبعض المنازل، واعتقال متظاهرين. قبل أن تعود وتفسح المجال لبعض المنافذ البسيطة لمرور السيارات.

وبرز اسم "السيحة" في سترة كأحد أهم الأحياء التي شهدت صدامات متكررة استمرت بين كر وفر حتى وقت متأخر. كما أفيد عن اعتقال الأمن أحد المحتجين ومشاهدتهم وهم يوسعونه ركلاً وضرباً. ونفذت قوات الأمن عملية في منطقة عالي، تأكد فيها إطلاق الرصاص الحي من إحدى السيارات المدنية التابعة للشرطة، فيما تواجدت وحداتها بكثافة، نحو 17 عربة أمن على المداخل، إضافة إلى قوات راجلة.

وروى قاطنون مشاهد مرعبة لعمليات إطلاق نار كثيفة تشبه تلك التي نفذت في فترة السلامة الوطنية. وأن بعض عناصر الأمن التي تواجدت على المداخل كانت من جنسيات خليجية، في إشارة إلى درع الجزيرة. وقد ظهر ذلك من لهجتها لدى حديثها مع السيارات المارة في نقاط التفتيش.


ضوء أخضر.. وشوزن!

وسجل استخدام رصاص الشوزن بكثافة في بلدات سترة، وبني جمرة، والدراز، وكذلك منطقة الدير جوار مطار البحرين الدولي. وأفيد عن وقوع إصابات عديدة، بينها 4 إصابات خطرة في الدير وكرانة واثنتان في سترة. وشهدت الديه وجدحفص وسنابس احتجاجات واسعة وصل بعضها إلى الشارع العام أمام معرض راكان وعلى مقربة من إحدى نقاط التفتيش التي وضعت منذ 17 مارس/ آذار الماضي.

وامتدت الصدامات إلى منطقة عراد في المحرق التي تضم نسيجاً مختلطاً. وأظهرت الصور عناصر الأمن وهم يذرعون أزقة القرية راجلين لدى ملاحقتهم المتظاهرين. كما خاضت منطقة البلاد القديم منازلة شديدة مع قوات الأمن. وأجبرت تحت إصرار الثوار على التراجع إلى الشارع العام بعد أن عجزت في السيطرة على الأحياء الداخلية.

ولم تؤكد وزارة الداخلية وقوع إصابات في صفوف الشرطة، رغم أن صوراً أظهرت ذلك، فيما لم يتم التأكد من صحتها بعد. واكتفت بالقول في بيان إنها قبضت على عدد ممن أسمتهم ب"المخربين". بدوره، فقد أصدر ائتلاف 14 فبراير/ شباط بياناً ندد فيه بما أسماه "الصمت المريب للمجتمع الدوليّ وتواطؤه الواضح (...) وإعطاء الاحتلال السعودي والنظام الديكتاتوريّ الضوء الأخضر لممارسة أبشع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".

وقال "أمام كلِّ هذه التجاوزات والانتهاكات الخطيرة، بقي المجتمع الدوليّ ومؤسساته متفرجاً مكتفياً بالتعبير عنْ القلق بين فترةٍ وأخرى منْ أجل ذرّ الرماد في العيون، بل وتجنب الاعتراف الواضح والصريح بحقيقة وجود ثورة شعب على نظام ظالم مجرم". وحمل "المجتمع الدوليّ كامل المسؤوليّة عنْ أيّ تطورات ميدانيّة خطيرة ومتسارعة قد تشهدها الساحة البحرينيّة" على حد ما جاء في البيان.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus