حصاد عام: الصحف العربية بين مؤيد للنظام الملكي ومتعاطف مع المعارضة لكن صورته اهتزت وبدا محرجاً
2012-01-22 - 10:43 ص
مرآة البحرين(خاص): مع اندلاع الاحتجاجات في البحرين خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، بدا أن هناك محاولات واضحة من بعض الاعلام العربي والخليجي للتعتيم على ما يحدث في هذه المملكة الخليجية الصغيرة. فما كان يعتبر ثورة في تونس ومصر ولاحقاً في ليبيا واليمن وسوريا، كان في البحرين اضطرابات على خلفية مذهبية، ومعارضون مرتهنون للخارج ينفذون اجندة خارجية من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية.
الموضوعية والحياد باتا مع تغطية بعض الصحف العربية والخليجية لما يجري في المنامة الغائب الأكبر، فالاصطفاف سياسي فرض نفسه بين مؤيد للنظام في البحرين ومتعاطف مع المعارضة وفق خريطة مصالح يصعب فهمها في احيان كثيرة.
وقد برزت محطات مفصلية في سياق مجريات الأحداث، أظهرت خلفية بعض هذه الصحف وموقفها من العائلة الحاكمة وجمعيات المعارضة المطالبة بإجراء إصلاحات تحقق العدالة بين مواطني البلد الواحد.
وهنا برز فرز واضح، إذا باتت بعض الصحف اللبنانية "السفير" و"الاخبار" و"الوفاق" الايرانية الناطقة باللغة العربية، متعاطفة إلى حد كبير مع المعارضة البحرينية وتنشر مواقف هذه الجمعيات من الأحداث الجارية، وتكشف ممارسات السلطة القمعية بحق المتظاهرين السلميين، وتعرض بيانات المنظمات الحقوقية التي أدانت القمع والقتل وانتهاك حرمات المساجد والحسينيات، والمؤسسات الاستشفائية ، وسياسة العقاب الجماعي التي تمثلث بفصل المشاركين في الفعاليات الاحتجاجية من وظائفهم في القطاعين العام والخا والاساتذة من المدارس والجامعات.
على المقلب الآخر كانت الصحف السعودية والإماراتية وبعض الصحف الكويتية والمصرية داعمة للعائلة الحاكمة في البحرين، وتروج مواقف ورؤية المسؤولين الرسميين، لذلك كانت تغطيتها للاحتجاجات وما يتخللها من قمع أو سقوط شهداء وجرحى يجري بطريقة سريعة بحيث لا يتجاوز نشر خبر بسيط في زاوية مهملة من صفحات هذه الصحيفة أو تلك.
وقد بدا هذا الأمر جلياً خلال قمع السلطات البحرينية للاعتصامات في داور اللؤلؤة ومن ثم هدم الدوار فيما بعد وتغيير معالمه ، وتأكيد الرواية الرسمية التي تتحدث عن تنفيذ المعارضين لمخططات خارجية، واتهام إيران وحزب الله بدعم المتظاهرين والتدخل في شؤون البحرين ودول خليجية أخرى وذلك من أجل ممارسة هذه الصحف للتحريض على المعارضة وإعطاء الصراع صبغة مذهبية من شأنها الحد من تعاطف الراي العام مع المطالب المحقة للمعارضة .
هذه السياسة برزت بشكل واضح في تغطية دخول قوات درع الجزيرة العربية في 14/مارس الماضي،إذ أكدت افتتاحيات ومقالات التحليل في الصحف السعودية والاماراتية خصوصاً، بأن دخول هذه القوات إلى المنامة كان بطلب من المسؤولين البحرينيين لحماية المنشآت الحيوية في البلاد، وبناء للاتفاقيات المعقودة ضمن مجلس التعاون الخليجي، ولوضع حد لما أسمته هذه الصحف التدخل الايراني!
وفي جولات الحوار الوطني في تموز /يوليو الماضي، اجتهدت معظم الصحف للترويج لديمقراطية النظام وروحه الحوارية من خلال دعوة الملك حمد بن عيسى أل خليفة للحوار الوطني، والتشديد على دعوة الجمعيات المعارضة للمشاركة فيه، والتشكيك في وقت لاحق بنية جمعيات المعارضة خصوصاً "الوفاق" بجدية المشاركة، والتأكيد على جديّة العائلة المالكة في الحوار.
وفي هذا السياق برز بشكل واضح الاهتمام السعودي من خلال صحف المملكة الصادرة في السعودية وخارجها، وأخذت هذه الصحف تنشر مواقف ورؤية المسؤولين البحرينيين أو الجمعيات المؤيدة للسلطة البحرينية من مجريات الحوار وتفنيد مواقف الجمعيات المعارضة والتأكيد على مماطلة المعارضة واتخاذها مواقف مسبقة من الحوار وعزمها الأكيد على التعاطي بسلبية مع المجتمعين وإدانة موقف "الوفاق" بمقاطعة بعض الجلسات والجزم بأن هذا الموقف كان متوقعاً!
وقد حرصت "الشرق الاوسط" السعودية بشكل لافت على نشر مواقف رئيس تجمع الوحدة الوطنية في البحرين الشيخ عبد اللطيف آل المحمود ـ وهو تجمع موال للسلطة ـ عقب زيارة له للملكة العربية السعودية في (18/7/2011) وتوسعت صحيفة "الرياض" في نشر الخبر نفسه وقالت ان عبد اللطيف المحمود ثمّن عالياً موقف السعودية خلال المرحلة الحرجة التي مرت بها مملكة البحرين "ما اقتضى تدخلها ووقوفها المشرف كشقيقة كبرى لها الموقف الأكبر أثراً في تلك الظروف" واعتبر أن "مملكة البحرين جزء لا يتجزأ من المملكة العربية السعودية لما يربط البلدين من أخوة وتواصل عاطفي وتاريخي وعائلي".
وفي سياق سياستها التحريضية ضد المعارضة، دأبت "الشرق الاوسط" على نشر مواقف وتصريحات الشيخ محسن آل العصفور ـ وهو رجل دين من المسملين الشيعة ـ لشن حملات منتظمة على المعارضة البحرينية خصوصاً جمعية "الوفاق"، وقد نشرت "الشرق الاوسط" للشيخ المذكور اكثر من موقف وتصريح ومقابلة خاصة ، ينتقد بشدة الوفاق وسياستها ويتهمها بالعمالة لايران وسعيها لتنفيذ أجندة خارجية ويروج للحوار الوطني معتبراً فرصة ذهبية لا ينبغي تفويتها!
أما مع انتهاء جلسات الحوار، فكان تركيز الصحف العربية والخليجية على نتائج لجنة تقصي الحقائق برئاسة محمود شريف بسيوني الذي صدر في نوفمبر الماضي، وقد اعتبرت الصحف العربية والخليجية المؤيدة للنظام أن موافقة الملك على تشكيل لجنة تقصي الحقائق دليل على عدالته ونيته الصادقة في معالجة الأحداث وتأكيد جديد على ديمقراطية النظام وسعيه لتحقيق الاصلاح، وقد حاولت الصحف السعودية والإماراتية والقطرية التأكيد في مقالاتها على أهمية لجنة بسيوني والتقرير الذي صدر عنها وموضوعيته والتشديد على أن تنفيذ توصيات التقرير من شأنه معالجة الأزمة الراهنة .
أما الصحف المتعاطفة مع المعارضة، كالصحف اللبنانية أو الإيرانية وبعض الصحف الكويتية، فنقلت عن المعارضة ترحيبها بالتقرير خصوصاً أنه "أثبت وطنية الثورة البحرينية" على حد تعبير جمعية "الوفاق" ، وجاء هذا التقييم بعدما دأبت السلطة البحرينية وحلفائها في الداخل والخارج على اتهام المعارضة بالارتهان للخارج. ونشرت هذه الصحف مواقف المعارضة الداعية لاستقالة الحكومة بناء على نتائج التحقيق، وكذلك اتهام المعارضة للحكومة بترويج نسخ مغلوطة عن التقرير، وكذلك اعتبار المعارضة أن تشكيل اللجنة الوطنية واللجنة الحكومية للمتابعة مخالف لتوصيات بسيوني.
وبعد تقرير بسيوني ولجنته والحديث عن تنفيذ توصياتها التي أقرت بوقوع انتهاكات ضد المتظاهرين السلميين، عاد الانقسام إلى الصحف العربية والخليجية مرة أخرى عقب إعلان الدوحة عما أسمته "اكتشاف خلية ارهابية لتنفيذ هجمات على منشآت حيوية في الدوحة، واتهمت ايران بتمويلها وتدريبها"، وهكذا سارعت الصحف السعودية والاماراتية والكويتية والمصرية أيضاً ، إلى تلقف الخبر ووضعه في سياق سعي إيران الدائم للتدخل في شؤون الدول الخليجية، وهو ما نفته طهران أكثر من مرة عبر وزارة الخارجية لكن هذا النفي لم يلق قبولاً لدى هذه الصحف.
وبطبيعة الحال، تبدو أزمة البحرين خلال العام المنصرم قد وجدت حيزاً مهماً على صفحات الصحف العربية والخليجية سواء كانت تلك الصحف مؤيدة للحكم أو متعاطفة مع المعارضة، واستطاع بعض الاعلام العربي وإن بخجل أن يسلط الضوء على الأزمة وان يبقي أحداث البحرين حاضرة وان بصورة نسبية، وهنا لا يمكن انكار إن نظام البحرين بدا في مراحل معينة محرجاً من وسائل الاعلام التي نبهت المنظمات الحقوقية لما يجري من انتهاكات ضد حقوق الانسان، وطاردت الحكومة بالبيانات والادانات،حتى ان الاخيرة لم تتورع عن توبيخ هذه المنظمات واتهامها بعدم الموضوعية وانعدام الحرفية.