مرآة البحرين(خاص): في المناطق التي تنتفض ساحاتها كل يوم، تأتي الغازات الخانقة من كل مكان في العالم، تحل ضيف رعب على بيوت الآمنين، ضيفاً يستحضر لعنة الموت ⁽¹⁾. من الولايات المتحدة حتى البرازيل، كلها شركات كونت أرصدة ثرواتها عبر أرواح الأبرياء، الذين يقتلون في هذه الجزيرة الصغيرة. المواطنون يقضون محاصرين بهالات الغاز الخانق، لا فرق بين رضيع أو عجوز، رجل أو امرأة، عاقل أو غير ذلك، الكل أمام موت لا ينتقي، يقطف فقط. يقطف الأضعف ومن لا يجد له مهرباً.

■    فظاعة الخنق..
وسط ضباب الغاز الكثيف، قضى أحد عشر مواطناً مختنقاً، تحديداً منذ 25 آذار/مارس وحتى 17 كانون الأول/ديسمبر. بعضهم أصغر سناً من أن يدرك أن الحياة بهذه الفظاعة، وبعضهم أكبر من أن تدركه هذه الفظاعة، وبعضهم فيما بين هذين الإدراكين، وفي وسط الفظاعة تماماً.

كعادة سترة الصمود المطحونة بكل أشكال القمع، والتي لا تتوقف عن تقديم قرابين الحرية لهذا الوطن، كان نصيبها الأوفر من الشهداء عموماً، ومن شهداء الاختناق خصوصاً. لم تعلم الطفلة ساجدة فيصل جواد (5أيام)، أنها خرجت من رحم والدتها لا لتتنفس الحياة، بل لتستنشق الغازات الخانقة حتى الموت. ولم يعلم الطفل محمد فرحان (6 سنوات) أنه لن يغادر روضته إلى المدرسة، بل إلى القبر. من سترة أيضاً، قضى كل من الشهيد عيسى الطويل (50 سنة)، والشهيد السيد جواد السيد احمد (35 عاماً)، والشهيدة زينب (47 عاماً) التي كانت سجينة جسدها المقعد، الذي لم يسعفها على الهرب من الغازات التي ملأت منزلها بعد أن استهدفها المرتزقة بعبوات المسيل داخل المنزل.

أما منطقة السنابس المغرقة بالغازات الخانقة والقمع، ذهبت شهيدتان اختناقاً: خديجة آل عبدالحي، وزينب التاجر. ومن المعامير قضى الشهيد الحاج عيسى محمد من المعامير (67 عاماً)، ومن الدراز الشهيد السيد عدنان السيد احمد حسن (44 عاماً)، اختنق بالدراز أثناء مشاركته في إحياء مراسم عزاء. ومن منطقة أبو صيبع ذهب الشهيد الحاج جعفر لطف الله من أبوصيبع (74 عاماً)، ثم الشهيد الحاج عبدعلي الموالي من المقشع (58 عاماً).

■    جنون الإغراق..
لكل منطقة وجباتها الخاصة من الغازات الخانقة، المناطق الأكثر اشتعالاً تشهد إغراقاً هستيرياً انتقامياً ⁽²⁾، يخف في المناطق الأقل اشتعالاً. القرى والمناطق الشيعية لا يخفف عنها من أنواع الجحيم وسحابات الغاز الثقيلة شيء، المناطق المختلطة أقل.

(مرآة البحرين) استطلعت سكان بعض المناطق في محاولة منها لمعرفة عدد العبوات الخانقة الملقاة عليهم بشكل يومي أو وقت حدوث احتجاجات. المناطق التي تشهد احتجاجات محدودة مثل دمستان وكرزكان وسند، يتراوح العدد بين 15 – 55 عبوة. لكن يرتفع هذا العدد في مناطق مثل كرانة وأبوصيبع ليصل إلى 100 – 150 عبوة عند المواجهات اليومية، فيما يبلغ ذروته في عاصمة الصمود سترة، إذ يصل في اليوم الواحد الى 350 عبوة مسيلة للدموع، إنه الإغراق المتعمد حد الموت. وفي بعض الأحيان يتجاوز جنون الإغراق حد المقبول ليصل عدد الغازات الملقاة خلال دقيقة ونصف فقط إلى 75 عبوة في منطقة عالي دون توقف. مقطع فيديو يظهر من بعيد إغراق هستيري بالغازات الخانقة لمنطقة بني جمرة عبر إلقاء متواصل للغازات دون توقف ^(3)+(4). كمية وجبات المناطق من الغازات الخانقة يحددها مقدار حركة الاحتجاجات التي شهدتها هذه المنطقة أو تلك التي لا تزال تشهدها.

البيوت في هذه المناطق لم تعد مكاناً آمنا للسكن، لا يكفي أن تغلق عليك باب بيتك لتنجو من القمع والخنق، سيأتي مرتزقة الأمن ويلقون داخل بيتك قنابلهم الغازية، وسيمضي هؤلاء غير مكترثين. مشاهد فيديو كثيرة تم توثيقها في أماكن مختلفة تظهر قوات المرتزقة تقوم بإلقاء الغازات الخانقة داخل البيوت الآمنة والمغلقة ⁽⁵⁾. وأخرى تظهر حرائق نشبت في بعض البيوت بسبب إلقاء كثيف لقنابل مسيلات الدموع ⁽⁶⁾.

■    ميزانية القمع..
النظام الذي اعتاد نهب ثروات البلد وأراضيها وأموال نفطها ليكدسها ضمن ثرواته الشخصية، لا يهمه أن يهدر ما تبقى من أموال عامة، يستخدمها في قتل هذا الشعب. لا يمكن تخيل أن تسخّر دولة إمكانيات ضخمة ومبالغ طائلة من ميزانيتها لتوفير هذه العبوات السامة التي تضاعف حدّة مشكلاتها مع الشعب، وتضاعف نقمته عليها. لا يتورع هذا النظام عن دفع ثروة  الوطن لقتل  الشعب وتسميمه بدلاً من الاستجابة لمطالبه أو التعاطي معه بحضارية.

تختلف أسعار عبوات الغازات حسب النوع والمصدر ومكان الصنع، كما يختلف السعر حسب مواصفات الغاز. متوسط سعر عبوة الغاز المسيل للدموع يتراوح بين 7 - 15 دينارا، يتم شراؤه من شركات أمريكية وبرازيلية في العادة.

إذا افترضنا في تقدير بأدنى مستوياته، أن 10 مناطق تتظاهر بشكل يومي في البحرين، وأنه يتم توجيه 6 دوريات أمن لكل منطقة (يصل عدد الدوريات بين 30-50 دورية في بعض المناطق)، الدورية الواحدة بها 4 عساكر، ولنفترض أن كل منهم سيطلق خمس طلقات فقط (يطلق عشرات الطلقات على أرض الواقع)، فإن تكلفة القمع اليومي تصل 12 ألف دينار (10 دنانير للعبوة)، ويكون متوسط ما تنفقه الحكومة في قمع الشعب خلال عام واحد هو  4 ملايين و 320 ألف دينار. ومع أخذ الاعتبار أن هذه الافتراضات غير حقيقية، وتمثل أحد أدنى غير واقعي من خلال مشاهداتنا، فإنه يمكننا أن نؤكد أن المبالغ التي يصرفها النظام على هذه الغازات هي أضعاف هذا المبلغ. وهي ميزانية الغاز الخانق وحده فضلاً عن أدوات القمع الأخرى المستخدمة.

■    غاز الSC
في السابق كانت مسيلات الدموع لوناً واحداً هو الأبيض، ولها مفعول محدد، حرقة الأنف والعينين وبعض الدموع، أما اليوم فالألوان مختلفة، بين الأبيض والأصفر والأخضر والأزرق أيضاً (أفردت مرآة البحرين لها تقريراً خاصاً)، بعضها يسبب حرقةً في الأنف والبلعوم، والآخر في الجلد، وبعضها يسبب الاغماء والقيء والإسهال. بعضه يمكن غسل الوجه بالماء عدة مرات ليزول مفعوله، آخر يسبب حروقاً وآثاراً سيئة بالغسل.

أحد الأسلحة المستخدمة المصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية كما يظهر من المعلومات على العبوة⁽⁷⁾. تحتوي  غاز  الـ "CS"، وهو من المواد الكيميائية الأكثر شعبية نظرا لتأثيره القوي وكميته القليلة مقارنة مع غيره من المواد الأخرى، ويعتمد مدى تأثيره على طريقة وكثافة استخدام الغاز والحالة الصحية للأشخاص.
تتفاعل المواد الكيميائية المكونة للغاز مع الرطوبة الموجودة على الجلد والعيون، يسبب حرقاناً شديداً في العينين وانغلاقاً فورياً لهما وعدم القدرة على السيطرة عليهما، وعادة ما تشمل آثاره الجانبية عدة أعراض مثل الدموع المتدفقة من العيون، السعال، وسيلان الأنف، وحرقاً في الأنف والحنجرة، والارتباك، والدوخة، وصعوبة في التنفس، وقد يصاب البعض بحروق في الجلد عند تعرضهم لأشعة الشمس والغاز في الوقت ذاته، ويحدث أيضاً عند تعرض الشخص لجرعات عالية التركيز من الغاز أن يصاب بنوبة حادة من السعال والقيء، وتعتبر هذه الأعراض من الأعراض قصيرة المدى والتي يحتمل أن تزول في غضون دقائق.

■    إجهاض وأكثر..
ورغم تصنيف غاز ال " CS " سلاحاً غير قاتل،  إلا أن عددا كبيرا من الدراسات التي شككت في صحة هذا التصنيف، تشير إلى أنه يمكن أن يخلق أضرارا رئوية حادة، وأضرارا كبيرة في القلب والكبد، ويؤدي إلى الإجهاض، وهو ما أصاب عددا من نساء المناطق التي تتعرض لإغراق كثيف بالغازات السامة بشكل يومي في البحرين.

وبحسب "مركز الجيش الأمريكي لتعزيز الصحة والطب الوقائي" فإن هذا الغاز تنبعث منه "أدخنة سامة جدا" عند تسخينها، وعندما يتم استخدامه بتركيزات عالية فإنه يشكل خطرا مباشر على الحياة والصحة، وأن أولئك الذين الذين تعرضوا لغاز " CS " يجب عليهم الحصول على عناية طبية على الفور.
أيضاً، قد يسبب التعرض للغاز المسيل للدموع، عندما يتم استنشاق كمية كبيرة منه ولفترة طويلة، أضراراً خطيرة على الجلد والعينين والرئتين، بالإضافة إلى تورم العينين، والعمى، وحروق شديدة في الجلد، وتوقف التنفس وقد يتسبب في فشل الجهاز التنفسي، ويكون الأشخاص الذين لديهم أمراض القلب والربو ومشاكل التنفس الأخرى بشكل خاص عرضة للموت من جراء التعرض للغاز، فإمكانية حدوث حالات وفاة بسبب التعرض لهذا النوع من الغاز قائمة وبشكل كبير.

■    غاز الCR
لم يكتف النظام باستخدام الغاز المسيل للدموع الذي اعتاد المواطنون عليه لعقود طويلة، بل عمد إلى استجلاب غازات أخرى لم يعرفها الشعب قبل الآن، وأشهرها مادة الــ CR وتعد هذه المادة أشد خطراً من الــ CS، إذ تصنف على أنها مادة مسيلة للدموع، ومسببة للشلل المؤقت، تم تطويرها بواسطة وزارة الدفاع البريطانية لتوظف في تفريق المظاهرات في أواخر خمسينيات القرن العشرين وبداية الستينيات من ذلك القرن.

وتبلغ قوة غاز الــ CR 6 عشرة  أضعاف قوة غاز الــ CS، يسبب تهييجاً شديداً للجلد وتشنجاً في الجفن، وقد يسبب حدوث عمى مؤقت، وسعالاً، وصعوبة في التنفس، وبالطبع الهلع. تدور حوله الشكوك في كونه مادة مسرطنة، وقد يتسبب في الوفاة خلال دقائق في حال التعرض لكميات كبيرة منه وهو سام في حالة ابتلاعه والتعرض له على حد سواء ولكن بدرجة أقل من غاز سي إس، وقد يتسبب في الوفاة في حالة التعرض لكميات كبيرة منه، وهو ما يمكن أن يحدث خاصةً في الأماكن سيئة التهوية، حيث يمكن أن يستنشق الشخص جرعة مميتة منه خلال دقائق معدودة. وسبب الوفاة في هذه الحالات هو الأسفكسيا أو الوذمة الرئوية، ويستمر تأثير مادة CR لفترات طويلة، وقد يظل على الأسطح، وخاصة الأسطح المسامية، لمدة تصل إلى 60 يوماً.

وعلى النقيض من الغاز الأول، الذي يمكن إزالة آثاره باستخدام كميات كبيرة من الماء، فإن استخدام الماء في حالة هذا الغاز قد يؤدي إلى تفاقم آثاره. البشرة الملوثة به يتسبب غسلها بالماء في ألم شديد يستمر لمدة 48 ساعة بعد التعرض.

وتعتبر الإجراءات العلاجية في هذه الحالات هي مجرد إجراءات لتخفيف الأعراض. تنزع الملابس الملوثة، وتغسل العينان والجلد، ويمكن استخدام قطرات العين لتخفيف آلام العينين، كما استخدمت حديثاً مادة ديفوتيرين للوقاية من آثار التعرض للغاز المسيل للدموع على العينين والجلد وللعلاج السريع لهذه الآثار على حد سواء.
وقد صنف الجيش الأمريكي مادة CR حالياً كسلاح كيماوي قتالي يتسبب في آثار جانبية خطيرة على البشر وتبتعد الولايات المتحدة عن استخدامه في تفريق أعمال الشغب لما يدور حوله من شكوك حول كونه مادة مسرطنة ⁽⁸⁾.

■    ويستمر الموت...
ضباب الغاز صار علامة مدينتنا، هذه المدينة التي تحتفي بتتويج نفسها عاصمة للثقافة العربية 2012، فيما يحق لها أن تحتفي بتتويج نفسها عاصمة لضباب الربيع العربي، ضباب الخنق حد الموت.
 

---

هوامش:

1. إلقاء متعمد للغازات الخانقة  داخل البيوت
    
2. فيديو يوتيوب آخر يظهر قوات المرتزقة تغرق منطقة سكنية بالغازات الخانقة رغم عدم وجود محتجين
    
3. فيديو القاء هستيري للغازات الخانقة لمنطقة بني جمرة
    
4. إغراق همجي بالغازات الخانقة لمنطقة النويدرات
    
5. يوتيوب إلقاء مسيلات دموع داخل المنازل بدون سبب
   
   
6. يوتيوب احتراق منزل في منطقة السنابس بسبب الغازات الخانقة
    
   
7. تصنع هذه القنينة في مصانع "Non-Lethal Technologies Inc" الأمريكية
8. انظر: غاز سي آر - ويكيبيديا، الموسوعة الحرة